Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مديرة سي آي إيه تعتمد على مهارات التجسس للتواصل مع ترمب لكنه لا يستمع دائما

أول سيدة تشغل منصب رئيس CIA عملت لسنوات كمسؤولة عن قضايا مصيرية وهي مُدرّبة على التعامل مع المخبرين

حيويّة ترمب في التواصل مع الحشود تتعارض مع تعامله مع بعض مسؤولي البيت الأبيض (رويترز)

كانت جينا هاسبل تحاول تقديم إحاطة استخباراتيّة إلى الرئيس دونالد ترمب في بدايّات عملها مديرة لـ"وكالة الاستخبارات المركزيّة" (الشهيرة باسمها المختصر "ٍسي آي إيه")، إلا أن الرئيس بدا مشتّت الدهن. وكان الذباب الذي يحوم و"يطنطن" حول المكتب البيضاوي، يثير انتباهه وحنقه.

بعد عودتها إلى مكتبها، وجدت هاسبل حلاً، تمثّل في مصيدة للذباب من الورق اللاصق وأرسلتها إلى ترمب، بحسب مسؤوليَنْ على دراية في الموضوع.

تولّت السيدة هاسبل التي ألقت خطابها العام الثاني كمديرة لـ"سي آي إيه" في 18 ابريل (نيسان) الجاري، مقاليد وكالة الاستخبارات الرائدة في البلاد في لحظة صعبة في تاريخها الممتد على مدى 71 عاماً، إذ تواجه ضغوطاً من رئيس عبّر أكثر من مرّة بشكل علني عن رفضه لاستنتاجاتها، وكذلك الحال بالنسبة للبيت الأبيض الذي ينظر إلى موظفي الأمن القومي بقدر كبير من التشكّك.

مع اقترابها من نهاية سنتها الأولى في منصبها، أثبتت هاسبل أنها خبيرة في المناورات التكتيكية، وتسحر الرئيس بلفتات مجاملة صغيرة وتتحدّث معه بمزيج من واقعية صلبة المراس ونداءات عاطفيّة.

وباعتبارها قضت عمراً مهنيّاً كمسؤولة عن قضايا وهي مُدرّبة أيضاً على التعامل مع مخبرين، اعتمدت هاسبل على مهارات الجواسيس مثل الإنصات الجيد والتعاطف والقدرة على التواصل، لجعل صوتها مسموعاً في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من ذلك، لا ينصت الرئيس لها دائماً. ولا يوجد ما يكفي من الأدلة على أنها غيرت آراء الرئيس في قضايا رئيسيّة، على الرغم من أنها ما تزال شخصية مفضّلة لديه، ما يؤكد حدود نهجها في التعامل معه.

وتبقى المصطلحات التي يستخدمها ترمب في عدد من القضايا في تعارض مع تقييم "وكالة الاستخبارات المركزيّة" للحقائق بشأنها. ومن بين تلك القضايا التدخل الروسي في الانتخابات الأميركيّة، وبرنامج إيران النووي، والتعامل مع القيادة في كوريا الشمالية، والأهم من ذلك كله مسؤوليّة ومصداقيّة ولي العهد السعودي.

وعلى غير عادة الرؤساء، لم يرفض ترمب علانية تحليل وكالات الاستخبارات فحسب، وإنما أيضاً الحقائق التي جمعتها، ما وضع "وكالة الاستخبارات المركزيّة" في وضع ينذر بالخطورة.

ويؤكد ضباط الاستخبارات الحاليّون والسابقون أنه ليس من دور هاسبل دفع البيت الأبيض إلى تبنّي سياسات معينة، وليس جزءاً من خبرتها في "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، مشددين على أن قادة الاستخبارات من واجبهم التركيز بدلاً من ذلك على تقديم الحقائق وتقييمات حول ما قد تعنيه تلك الحقائق لصانعي السياسات.

وأشار ضباط استخبارات سابقون إلى إن هاسبل كانت حصناً ضد تسييس "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، ونصحت كبار قادة الوكالة بالتركيز على وظائفهم وتجاهل التعليقات الرئاسية التي طلبت من رؤساء الاستخبارات "العودة إلى المدرسة".

"تمر "وكالة الاستخبارات المركزيّة" بأوقات عصيبة لأن لدينا رئيساً يقول أشياءً غير دقيقة عن مجتمع الاستخبارات وفهمه للحقائق مثير للشك،" بحسب نيكولاس دوجموفيتش، مدير برنامج الدراسات الاستخباراتية في "الجامعة الكاثوليكيّة الأميركيّة" الذي عمل ضابطاً في "وكالة الاستخبارات المركزيّة" لمدة 26 عاماً.

ويضيف دوجموفيتش "أن الرسالة الموجهة إلى مجتمع الاستخبارات هي الاحتماء، لأن هذا سيمر."

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اختارت هاسبل، وهي أول امرأة تدير "وكالة الاستخبارات المركزيّة، التركيز على تعزيز أساسيّات العمل مثل إعادة بناء الروح المعنويّة، وإيصال مزيد من الضباط إلى مناصب في الخارج، والتأكيد على المهارات الأساسيّة للتجسس مثل الخبرة اللغوية.

كل ذلك زاد من شعبيتها مع عامة الموظفين داخل الوكالة.

وقد رفضت هاسبل إجراء مقابلة لهذا التقرير، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من عشرة من مسؤولي الاستخبارات الحاليّين والسابقين ممن عملوا معها أو قدّموا إحاطات لها.

وأورد مسؤولون سابقون أنّها لا تزال في وضع جيد مع الرئيس، ويعود ذلك جزئيّاً إلى أنها وجهت الوكالة للتركيز على أولويّات ترمب، مثل تعقّب ومساعدة الرهائن الأميركيّين المحتجزين في الخارج، إضافة إلى عملها المعتاد.

وأفاد فريد فليتز، الضابط السابق في "وكالة الاستخبارات المركزيّة" الذي عمل في "مجلس الأمن القومي" في إدارة ترمب، أن "هاسبل هي موظفة مكلفة بإدارة القضايا، وموظفو القضايا هم أناس يتمتعون بمهارات غير عادية... أنهم يُجيدون التواصل مع كبار المسؤولين... إنهم يعرفون كيفيّة التواصل".

مفاتيح التواصل مع ترمب؟ الواقعيّة والعاطفة.

بعد فترة وجيزة من ترشيح الرئيس لها لإدارة "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، عزّزت هاسبل سمعتها كواحدة من أمهر مقدّمي الإحاطات للرئيس ترمب، وفقاً لأشخاص مطّلعين على توضيحاتها.

في مارس (آذار) الماضي، اجتمع كبار مسؤولي الأمن القومي داخل البيت الأبيض مع ترمب لمناقشة كيفية الرد على الهجوم بغاز الأعصاب في بريطانيا ضد سيرجي سكريبال، عميل الاستخبارات الروسي السابق.

كانت بريطانيا تضغط من أجل أن يطرد البيت الأبيض عشرات من العملاء الروس المشتبه فيهم، لكن ترمب كان متشككاً، وفي البداية اعتبر التسمم جزءاً من ألعاب التجسّس المشروعة... أمر بغيض لكنه ضمن حدود التجسّس.

وأورد بعض المسؤولين أنهم اعتقدوا أن ترمب الذي طالما انتقد الوشاة ومنقلبي الولاء، كان لديه بعض التعاطف مع الحكومة الروسيّة في تعقب شخص ينظر إليه على أنه خائن.

أثناء النقاشات، التفتت هاسبل التي كانت حينها نائبة مدير "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، إلى الرئيس ترمب، واستعرضت بصوت هادئ لكنه حازم، الردود المحتملة، ثم انحنت إلى الأمام وأخبرت الرئيس أن "الخيار القوي" هو طرد 60 دبلوماسيّاً.

ولإقناع ترمب، وفقاً لأشخاص أطلعوا على المحادثة، حاول المسؤولون بمن فيهم هاسبل أن يوضحوا له بأن سكريبال وابنته لم يكونا الضحيتين الوحيدتين لهجوم روسيا.

وعرضت هاسبل صوراً قدمتها لها الحكومة البريطانية لأطفال صغار أدخلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم بمضاعفات غاز الأعصاب "نوفيتشوك" الذي استُخْدِم في تسميم سكريبال وابنته.

ثم عرضت هاسبل صورة للبط الذي أفاد مسؤولون بريطانيّون أنها نفقت بصورة عرضيّة جراء العمل الرديء الذي أدّاه العملاء الروس.

لم تكن هاسبل أول من استخدم صوراً عاطفيّة لجذب انتباه الرئيس، لكن جمعَها مع واقعيتها الصارمة كان له أثر فعال... لقد ثبّت ترمب تركيزه على صور الأطفال المصابين والبط النافق.

في نهاية اللقاء، تبنّى الخيار القوي.

وأورد مسؤولون أن تلك النتيجة كانت مثلاً على أن هاسبل تعتبر واحدة من الأشخاص القلائل الذين يمكنهم دفع ترمب إلى تغيير موقفه بناءً على معلومات جديدة.

وأوضح دوغ وايز، الضابط السابق في "وكالة الاستخبارات المركزيّة" الذي عمل مع هاسبل، أنّ "أسلوبها والطريقة التي تقدمها بها نفسها في مثل تلك المواقف الكبير، هي التودّد، من دون إظهار الضعف".

خسائر كبيرة وانتصارات صغيرة

ينفي زملاء هاسبل وأصدقاؤها أي فكرة على أنها تتلاعب بالرئيس، فيما يفيد مسؤولون سابقون في الاستخبارات على معرفة بها، أنها تكتفي بمحاولة جعل الرئيس يستمع ويحمي الوكالة.

ويجري تحذير ضبّاط "وكالة الاستخبارات المركزيّة" من استخدام قدراتهم في التجنيد، على زملائهم أو مسؤولين أميركيّين آخرين. لكن تلك المهارات تفرض نفسها في التعاملات بشكل طبيعي ويصعب إيقافها، على حد قول عملاء سابقين في الوكالة.

ومن الممارسات غير المعلنة بين رؤساء مكاتب "سي آي إيه" في الخارج، منذ فترة طويلة، تجنيد السفراء الأميركيين، لأنه الشخص الذي يكون له أفضل وضع لمساعدتهم على النجاح. وثمة خطر ضئيل في اعتقاد الرئيس بأن مجتمع الاستخبارات أصبح ينحني إلى نظرته للعالم، بحسب مسؤولين آخرين.

ولا يوجد ربما مثل أكثر وضوحاً على حدود تأثير هاسبل من رد فعل الإدارة على مقتل الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي.

لقد استنتجت وكالة الاستخبارات المركزيّة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي استماله البيت الأبيض، كان مسؤولاً عمّا حصل لخاشقجي. وقد رأى كثيرون في الكونغرس أن استنتاج هاسبل و"وكالة الاستخبارات المركزيّة"، كان مقنعاً. لكن ترمب لم يشاطرهم الرأي، وأصدر بياناً طويلاً شرح فيه سبب تشبّثهُ بالسياسة الأميركيّة تجاه السعودية ودعم الأمير محمد.

وفي قضايا أخرى، استطاعت هاسبل كسب ثقة ترمب من خلال الاستجابة لاهتماماته التي تتقاطع مع أجندة مجتمع الاستخبارات. وفي وقت مبكر من ولايتها، طلب ترمب تزويده بمستجدات عن الرهائن الأميركيّين المحتجزين في كوريا الشمالية وإيران واليمن وأماكن أخرى.

طلبت هاسبل من نوابها في "وكالة الاستخبارات المركزيّة" إعطاء الأولوية لقضايا الرهائن، للتأكد من وضع آخر التطورات المتوفرة في جلسات الإحاطة الاستخباراتيّة للرئيس.

وانخرطت هاسبل شخصيّاً، وهي تتمتع بخبرة ميدانيّة واسعة في قضايا الرهائن، في قضية روبرت أ. ليفينسون، عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق ومحلل "سي آي إيه" السابق الذي اختفى في إيران عام 2007. ثم التقت هاسبل بأفراد عائلة ليفنسون في يوليو (تموز)، بعد أسابيع من توليها المنصب، وعززت الجهود داخل الوكالة لمعرفة مصيره.

التعلّم من التجربة

أشاد موظفو "وكالة الاستخبارات المركزيّة" بصعود هاسبل إلى قمة الوكالة، حرصاً على تولي أحدهم مهام القيادة، بعيد خلاصهم من الولاية المضطربة لمايك بومبيو، وزير الخارجية الحالي، الذي زرع الرعب في الوكالة بأسلوبه العنجهي، وفقاً لمسؤولين سابقين. وكذلك أشاروا إلى أن هاسبل، بصفتها نائبة بومبيو، عملت كحاجز بينه وبين الموظفين الإداريين، ودرّبتهم على كيفية التواصل معه.

سرعان ما أصبحت مستشارة موثوق بها، تتمتع بمصداقيّة كسبتها بوصفها أحد النُجاة من فترة مظلمة مرتبطة ببرنامج الوكالة في الاستجواب والاحتجاز، الذي طُبّق ضد متآمري القاعدة في الأشهر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

كانت هاسبل تشغل منصب رئيسة فريق "سي آي إيه" في أحد السجون السريّة التابعة للوكالة في تايلاند، حيث تعرض إرهابيو "القاعدة" للتعذيب، تحت إشرافها في بعض الأحيان.

كما شغلت منصب مديرة مكتب خوسيه أ. رودريغيز جونيور، ضابط الاستخبارات المركزيّة المثير للجدل الذي قرر تدمير 92 شريطاً من تحقيقات الوكالة، ويفضح بعضها عمليات تعذيب لأحد إرهابي تنظيم "القاعدة".

وخلال جلسة استماع للتصديق على تعيينها في مجلس الشيوخ في العام الماضي، شكك أعضاء مجلس الشيوخ في تقديرها للدور الذي لعبته في تدمير تلك الأشرطة.

وقد دافعت هاسبل عن دورها باعتباره خطوة لحماية ضبّاط "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، لكنها أشارت إلى أنها ستأخذ بمشورة أوسع إذا وجدت نفسها في وضع مماثل الآن. وأردفت بالقول أنّ "التجربة هي معلّم جيّد".

لقد جعلتها تجربتها حذرة وحريصة للغاية على "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، بل تعتبر أن الأخيرة بحاجة إلى الحماية في بيئة سياسية مضطربة، وفقا لمشرعين عملوا مع هاسبل.

كذلك نجحت هاسبل في كسب ثقة بومبيو وظلّت مخلصة له. ونتيجة لذلك، ينظر إليها ترمب كامتداد لبومبيو، وهو رأي ساعد في حمايتها، على حدّ تعبير مسؤولين حاليين وسابقين في الاستخبارات.

لكن، تساءل مسؤولون سابقون عن مدى استمرار تلك الحماية، فيما تراجع نفوذ مسؤولين كبار آخرين في الأمن القومي، والموظفين من قدامى المحاربين مثل جيم ماتيس وهربرت ماكماستر بسبب دفاعهم عن سياسات تتعارض مع ترمب.

وقد ساعدت علاقة هاسبل مع ترمب، في الحفاظ على دور الوكالة في البيت الأبيض، بحسب أندريا كيندال تايلور، المُحلّلة السابقة في "وكالة الاستخبارات المركزيّة"، وهي تعمل حالياً كأحد كبار الباحثين في "مركز الأمن الأميركي الجديد".

وأبدت كيندال تايلور حذراً من أنه في حال "استمرارها في تقديم الحقائق والتحليلات التي تختلف عما يريد الرئيس سماعه، لا سيما في قضايا بارزة مثل روسيا وكوريا الشمالية، فإنّ تأثيرها سوف يتضاءل".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات