Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المفاوضات النووية... كيف تستغلها إيران لتعزيز النفوذ؟

حذّر مراقبون من أن جلوس طهران مع القوى الدولية يمنحها مكانة أكبر من دون مقابل

الموقعون على الاتفاق النووي بمبنى الأمم المتحدة بفيينا في 14 يوليو 2015 (أ ف ب)

إن كان هناك أمر سعت إيران إلى إنجازه بشدة خلال السنوات الماضية، فهو التمكين من كل نفوذ محتمل يبعث على تشتيت القوى الدولية في نواح عدة، مما يمنحها مزيداً من الأوراق عند الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات النووية، للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يعرف بـ "الاتفاق النووي" الذي انسحبت منه واشنطن في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018، وخرقت طهران بنوده.

عندما تم عقد الاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015، تركزت الانتقادات على الثغرات والعيوب التي شابته، ففي مقابل فوائد مالية هائلة للاقتصاد الإيراني، تغاضى الاتفاق عن دفع إيران إلى تبني سياسة إقليمية أكثر مسؤولية بدلاً من أنشطتها المزعزعة للاستقرار، والتي تعتمد بشكل رئيس على كسب النفوذ الإقليمي من خلال جماعات الوكلاء المسلحة في دول المنطقة، وهو الأمر الذي ثبت تمادى طهران فيه خلال السنوات الماضية، كما لم يقض الاتفاق بنهاية البرنامج النووي الإيراني بل حدد المدة، مما يعنى عودة إيران بعد انقضاء فترة الاتفاق لاستئناف أنشطتها النووية، إضافة إلى عدم تناوله قضية الصواريخ الباليستية، وهى الأمور التي يرغب الرئيس الأميركي جو بايدن في معالجتها عبر اتفاق نووي جديد أوسع وأكثر شمولاً.

سلوك أكثر سوءاً

وفي حين تستهدف إدارة بايدن خوض المفاوضات مع إيران، مستندة إلى ما تملكه من إرث ثقيل من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة السابقة، فإن طهران تستند إلى سلوك أسوأ كثيراً مما كانت عليه في أعقاب الاتفاق النووي، على الرغم من وعود إدارة ترمب بأن استنزاف خزائن طهران سيجعلها أقل قدرة على تمويل وكلائها، وشنّ الهجمات أو استئناف الأنشطة النووية، بحسب قول المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، بريان أوتول، الذي عمل مستشاراً كبيراً لمدير مراقبة الأصول الأجنبية المعني بتنفيذ برامج العقوبات الاقتصادية. وبدلاً من ذلك، أثبتت إيران مرة أخرى أن معاناة شعبها وتدمير اقتصادها المحلي ليس لهما تأثير كبير في تمويلها للإرهاب وتطوير الصواريخ الباليستية، والعمل على زعزعة الاستقرار الإقليمي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وواصلت إيران تصدير النفط على الرغم من حملة إدارة ترمب لدفعها إلى وقف الصادرات، بل زادت صادراتها من خلال صفقات المقايضة مع فنزويلا وغيرها من تكتيكات التهرب من العقوبات، مما منحها تدفقاً مهماً للدخل خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة، وإن كانت الإيرادات لا تزال منخفضة بشكل حاد منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية العام 2018.

على الصعيد النووي، رفعت إيران مطلع 2021 نسبة تخصيب اليورانيوم في محطة "فوردو" النووية إلى 20 في المئة، وهو أعلى مستوى وصلت إليه قبل تنفيذ الاتفاق النووي. وبينما يحتاج تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المئة أو أكثر ليصل إلى "درجة صنع الأسلحة"، فإن نسبة 20 في المئة تعني تقليص الوقت نحو إنتاج سلاح نووي.

هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة اتخذتها طهران للتراجع عن التزاماتها النووية بموجب الاتفاق، ويبدو أنها تهدف إلى منحها نفوذاً في المفاوضات مع الولايات المتحدة، وتهدئة الانتقادات الداخلية لإصرار الرئيس حسن روحاني على البقاء في الاتفاق. ويُنظر عموماً إلى جميع خطوات إيران التي تنتهك الالتزامات النووية على أنها قابلة للتراجع، لكنها تزيد التوترات بشكل كبير وتجعل الوضع أكثر تقلباً.

 

توسيع النفوذ الإقليمي

على صعيد الأمن الإقليمي، فخلال العام 2019 يُعتقد أن إيران ووكلاءها كانوا وراء هجمات استهدفت ست ناقلات نفط، وأسقطوا اثنتين من الطائرات المسيّرة الأميركية، كما استهدفوا البنية التحتية للنفط السعودي، وهو الأمر الذي لم يتوقف حتى العام الحالي، إذ شهدت الأيام الماضية تصاعداً مطرداً للهجمات التي تتعرض لها السعودية بواسطة الطائرات المسيّرة، وأعلنت قوات تحالف دعم الشرعية اليمنية بقيادة السعودية، الأربعاء، أن مطار أبها الدولي تعرض للاستهداف، متهمة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم.

وقد أعلنت جماعة أنصار الله الحوثية، المتحالفة مع إيران، مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف مطار أبها السعودي. وذكر يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الجماعة أنها استخدمت أربع طائرات مسيرة في الهجوم.

كما استهدف وكلاء إيران في العراق مواقع عسكرية أميركية بالصواريخ الباليستية في 8 يناير (كانون الثاني) 2020، رداً على مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فضلاً عن الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد.

وباستثناء طائرة مسيرة أميركية أعلنت طهران إسقاطها في يونيو (حزيران) 2019، بزعم أنها اخترقت المجال الجوي الإيراني، تنفي إيران مسؤوليتها عن أي من هذه الاعتداءات السابقة، بينما أعلنت جماعة الحوثي في اليمن مسؤوليتها عن عديد من الاعتداءات التي استهدفت السعودية.

 

وتواصل إيران تعزيز وجودها في العالم العربي عبر التنظيمات العربية التي تقاتل بالوكالة عنها. فعلى سبيل المثال، ظهرت في العراق فصائل جديدة موالية لإيران، ليزيد بذلك العدد الكبير أصلاً من الميليشيات الوكيلة. وبحسب المتخصص في الشؤون الإيرانية لدى معهد واشنطن، فراس إلياس، فإن اللافت هو تأسيس حركة "عهدالله"، فالجماعات العاملة بالوكالة لا تزال تطالب بإخراج القوات الأميركية من العراق، ومن المرجح أن يراقب كل من العراقيين وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين بعناية كيفية تعامل بايدن مع هذه النقطة التي تمثل مصدر توتر مستمر. وفي مطلق الأحوال، إيجابية كانت أم سلبية، من الواضح أن أية خطوات جديدة قد يتخذها الرئيس الأميركي في تعاملاته مع إيران، ستؤثر بشكل مباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى التي استطاعت فيها إيران إنشاء موطئ قدم لها، ومما يزيد الأمور تعقيداً الانتخابات الرئاسية في إيران، المقررة في يونيو (حزيران) المقبل، فمن المرجح أن تتخذ حكومة الرئيس حسن روحاني موقفاً أكثر تشدداً من المفاوضات بالنظر إلى الانتقادات الداخلية حول فشل الاتفاق النووي في تحقيق الفائدة الاقتصادية المرجوة، وإذا خلف روحاني رئيس أكثر تشدداً، فإن أية احتمالات للتوصل إلى اتفاق حقيقي قد تتبخر سريعاً.

خطوات حذرة

هذا الواقع السابق سرده يعني أن الولايات المتحدة ستجلس إلى مائدة المفاوضات مع إيران بنفوذ أقل مما كانت عليه عام 2015. بخاصة أن إيران تفاخرت سابقا بوضوح باستغلالها للملف النووي لتعزيز نفوذها، حيث تجد نفسها على طاولة مفاوضات تضم الدول الكبرى. وقد تحدث مسؤول الملف النووي الأسبق سعيد جليلي بوضوح:" من فنون دبلوماسيتنا أننا حولنا التحديات الغربية إلى فرص، وأرغمناهم على التخلي عن المواجهة إلى التفاوض، حتى في القضايا الإقليمية غير النووية."

وفي حديث إلى "اندبندنت عربية"، حذّر كبير الباحثين لدى المجلس الوطني للعلاقات العربية - الأميركية في واشنطن، والأستاذ لدى مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، ديفيد دي روش، من أنه إذا لم تكن هناك فرصة معقولة للنجاح في المفاوضات مع إيران، فإن جلوسها إلى مائدة المفاوضات مع القوى الدولية سيمنحها مكانة أكبر من دون مقابل يستفيد منه الغرب، ففي حين أن إجراء المفاوضات أمر جيد ومحايد، فإنه يعزز صورة إيران ونفوذها.

ويقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني والمؤسس المشارك لمجموعة "سيرتم" للاستشارات السياسية في جنيف، جميل سودا، إن توسيع النفوذ الإقليمي يقع في جوهر سياسات الأمن القومي لإيران، لذا فإنها استمرت لفترة طويلة في استخدام نهج المسار المزدوج من الدبلوماسية والقوة جنباً إلى جنب، لتخليص نفسها من الخضوع لأي وضع غير مؤات لها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف أن القضية الأساسية ليست إذا ما كان جلوس إيران إلى طاولة المفاوضات مع القوى الدولية سيعزز نفوذها في المنطقة، وإنما القضية المركزية تدور حول نطاق أية مناقشات ومفاوضات مستقبلية بين إيران والقوى الدولية، فلطالما جادل منتقدو اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة بأن الاتفاق لا يذهب بعيداً بما يكفي لمعالجة نفوذ إيران المزعزع لاستقرار المنطقة، بل إنه يقوي طهران من خلال رفع العقوبات، وبالتالي فمن الضروري التوصل إلى اتفاق أشمل.

وبقدر ما يرغب المتشددون في إيران في تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم، فإنهم يريدون المزيد أيضاً، وتعويض ما خسروه اقتصادياً على مدى السنوات الأربع الماضية بسبب العقوبات الأميركية القاسية. ويرى المراقبون أن كل يوم يوفر لهم مزيداً من الوقت لتطوير قدراتهم النووية بشكل أكبر، إما كوسيلة ضغط للمحادثات المستقبلية، أو لتحقيق اختراق حتمي لأسلحتهم النووية.

دول الخليج

جزء من استراتيجية بايدن في المفاوضات المستهدفة هو إشراك دول المنطقة، وتحديداً دول الخليج العربي، وهو ما كشف عنه الرئيس الأميركي في مقابلة مع الصحافي توماس فريدمان مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ففريق بايدن يرغب في مشاركة مزيد من الدول في تلك المفاوضات بحيث لا تشمل الموقّعين الأصليين على الصفقة وحسب، (إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي)، إنما أيضاً جيران إيران العرب، لا سيما السعودية والإمارات.

ولطالما أبدت دول الخليج تحفظات قوية على الاتفاق النووي، ويرجع ذلك أساساً إلى ثلاثة أسباب، أولها اعتبار أن الاتفاق يؤخر إيران لكنه لن يمنعها من الحصول على قدرات نووية، وثانيها أنه لم يعرقل تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول الجوار وطموحاتها في أن تصبح اللاعب المهيمن في المنطقة، وثالثها وهو الأهم، أن خطة العمل الشاملة المشتركة أدت إلى تفاقم سلوك السياسة الخارجية الإيرانية من خلال رفع العقوبات، والإفراج عن أصول مجمدة بمليارات الدولارات وتعزيز اقتصادها، وكل ذلك سمح لإيران بتعزيز قدراتها الدفاعية وزيادة توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة. وفي ضوء الآثار اللاحقة منذ الاتفاق، أصبحت دول الخليج تتطلع للتشاور معها بشكل كامل في ما يتعلق بالمفاوضات مع إيران، لأنها تتأثر بشكل أساسي بأي اتفاق مستقبلي، بحسب سودا.

ويرى دي روش أنه يتعين على دول الخليج أن تحسب احتمالات نجاح المفاوضات في ضوء أهداف أمنها القومي، ومع ذلك فإذا وافق الغرب على التفاوض مع إيران كنظير، فإنه ينصح دول الخليج العربي بالمشاركة أيضاً، على الأقل لتعزيز دورها كدول نظيرة لإيران، ويجب أخذ اعتباراتهم تجاه لأمن القومي في الحسبان.

 

وعند النظر تحديداً إلى المشاركة السعودية في المفاوضات التي تتطلع إليها الإدارة الأميركية، والتي ذكرها بايدن في مقابلته مع فريدمان، يرى مراقبون أهمية أن يكون للرياض رأي فاعل في أية مسألة تتعلق بإيران، إذ سيؤثر ذلك في أمنها القومي ومصالحها الإقليمية.

وقد قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد تعرض سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد إلى هجوم من قبل متظاهرين في يناير (كانون الثاني) 2016، ولم تُستعد العلاقات الدبلوماسية منذ ذلك الحين، ولطالما اتهمت السعودية إيران بالتدخل في الشؤون العربية، وترى أن إيران حريصة على الهيمنة على المنطقة، وبالتالي فهي تشكل تهديداً مباشراً لأمن الرياض.

ولا ترى السعودية أية مؤشرات على حسن نيات النظام الإيراني الذي يواصل شن هجمات بالطائرات المسيّرة عبر وكلائه في اليمن، على البنية التحتية الرئيسة في السعودية، بحسب دي روش، فمن الواضح أن السعوديين لا يرون أساساً مثمراً لانطلاق مفاوضات ثنائية في هذه المرحلة، خصوصاً أن المتشددين الذين يزيدون سيطرتهم على الدولة الإيرانية ينظرون إلى أية محادثات من هذا القبيل، في الوقت الحالي، على أنها استجداء وليس حواراً بين الدول النظيرة.

ويعتقد مراقبون أنه بينما قد يكون بايدن وإيران مستعدين لإبرام اتفاق جديد، فإن تفاصيل القضايا المتعلقة بالاتفاق ستشكل عقبات أمام عملية التفاوض. ويقول إلياس إن من شأن خطوات معالجة التوتر في العراق، وكسب تأييد حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وتوفير فرصة للنهوض الاقتصادي في إيران، أن تؤدي كلها إلى اتفاق يفضي إلى علاقات أقل توتراً بين إيران والعالم، علماً بأن كل عامل من هذه العوامل هدف متحرك، لكن في ظل اللحظة الراهنة، قد يبدو أي اتفاق شامل مماثل لهذا التصور بمثابة حلم بعيد المنال.

المزيد من تقارير