Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدفع نحو مؤتمر دولي حول لبنان محاولة أخيرة بعد فشل المبادرات المحلية

اكتشف البطريرك الماروني أن الرفض المتكرر للحلول لا علاقة له فقط بأزمة حكومية بل هناك تصميم على إسقاط الدولة

الراعي مستقبلاً عون في بكركي في 7 يناير الماضي (دالاتي ونهرا)

في موقف للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، طالب سيد بكركي (موقع الصرح البطريركي في جبل لبنان) بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان "المنهار". وفي عظته الأسبوعية قال البطريرك، "وضع لبنان المنهار يستوجب أن تُطرح قضيته في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة"، أما الغرض من المؤتمر فحدده بتوفير "ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمسّ بشرعيته، وتضع حداً لتعددية السلاح وتعالج غياب سلطة دستورية واضحة تحسم النزاعات وتسد الثغرات الدستورية والإجرائية، تأميناً لاستقرار النظام وتلافياً لتعطيل آلة الحكم لأشهر وأكثر، عند كل استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة".
وشكّل كلام البطريرك الماروني في توقيته ومضمونه، إعلاناً واضحاً وصريحاً عن فشل كل المبادرات الداخلية في معالجة الأزمة اللبنانية.

هل بدأ مسار التدويل؟

يشرح مقربون من البطريرك الراعي أن "كلامه عن تدويل الأزمة اللبنانية ليس جديداً، وهو يعود إلى عام ونصف العام عندما بدأ بمناشدة أصدقاء لبنان والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة التحرك لمساعدة بلد الأرز قبل أن ينهار، لكن الراعي كان في الوقت نفسه يعطي المجال لتنتظم الحياة السياسية من خلال مبادرات داخلية، وانتظر تشكيل حكومة قادرة وفاعلة على تنفيذ الإصلاحات لإطلاق عجلة المساعدات الدولية، وتأمّل بعودة الجو الوفاقي في البلد، وراهن على قرار صارم لضبط الحدود ووقف التهريب، وأمِل بقضاء مستقل يكشف حقيقة انفجار المرفأ والعاصمة ويحاسب الجهة المنفذة، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق".

ويضيف المصدر ذاته أن "البطريرك الراعي أدرك أن المبادرات الداخلية فشلت ليس لأنها خاطئة، بل لأن المسؤولين والمعنيين لا يريدونها أن تنجح، واكتشف البطريرك خلال الأشهر الماضية أن الرفض المتكرر للحلول التي طُرحت لا علاقة له فقط بأزمة حكومية، بل لأن هناك تصميماً على إسقاط دولة لبنان، ولذلك لم يعد أمامه إلا طرح الصوت وطلب مساعدة الأمم المتحدة، المؤسسة الجامعة، وليس مساعدة دولة أو فريق معيّن".

استشارات دولية وداخلية سبقت الطرح

في هذا السياق، يمكن لمجلس الأمن أن يحدد مؤتمراً دولياً خاصاً بلبنان في حالات أربع، وهي أن تطلب الدولة اللبنانية ذلك، أو أحد الأعضاء الخمس الدائمين في المجلس وهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، أو أن يطلب الأمين العام للأمم المتحدة انعقاد المؤتمر أو مجموعة دول مشاركة في مجلس الأمن (غير دائمة العضوية).

وبحسب ما كشفت مصادر متابعة، فإن البطريرك الراعي عرض فكرة المؤتمر الدولي على بعض ممثلي الدول في لبنان، إضافة إلى الدبلوماسية الفاتيكانية، كما حضر هذا الموضوع خلال لقائه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق يان كوفيتش قبل مغادرته بيروت، كما طرحه مع السفيرة الأميركية اليزابيت شيا، وعُلم أن كوفيتش وشيا تلقفا فكرة المؤتمر الدولي ووعدا بالمساعدة، إلا أن بكركي تدرك تماماً أن طرح المؤتمر الدولي كما الحياد يحتاج إلى تحضير وتخمير وظرف تاريخي وجهد كي يبصر النور. وتقول مصادر بكركي إن "هذا مسار بدأ مع طرح الحياد، وقطع أشواطاً معينة، وسيُصار إلى تكثيف الاتصالات خلال الأسابيع والأيام المقبلة، فإن حصل تجاوب داخلي يُطرح بشكل طوعي، وإلا فعلى الأمم المتحدة أن تجد حلاً، والأمثلة كثيرة على تدخل الأمم المتحدة لمعالجة أزمات مماثلة لأزمة لبنان، حتى ولو من دون موافقة السلطات المحلية، كما حصل لدى تدخل مجلس الأمن في معالجة أزمات شهدتها الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي".

وفي الخامس من يوليو (تموز) الماضي، ناشد البطريرك الراعي المجتمعَين العربي والدولي تحرير قرار الشرعية اللبنانية، وهو اليوم يستعيد العنوان ذاته للمطالبة بتدخل مجلس الأمن لوقف انهيار لبنان. ويصف المقربون من البطريرك، أنه "رسم خط سير سيبقى عليه بانتظام، لأنه متأكد من السقوط إذا غابت المبادرات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الفاتيكان تؤيد وفرنسا متمسكة بمبادرتها

وتؤكد أوساط مقربة من بكركي أن "طرح البطريرك الراعي لمؤتمر دولي من أجل لبنان لم يأت من دون تنسيق مع دوائر الفاتيكان التي يمكن أن تساعد عبر دبلوماسيتها في حضّ الدول المقرّرة في مجلس الأمن على طلب مثل هذا المؤتمر، وفي إشارة واضحة إلى تأييد البابا فرنسيس لموقف البطريرك الماروني. وفي دلالة بيّنة على ترابط الموقفين، تمنى رأس الكنيسة الكاثوليكية خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في الفاتيكان أن "يشهد لبنان التزاماً سياسياً وطنياً ودولياً يسهم في تعزيز الاستقرار في بلد يواجه خطر فقدان هويته الوطنية، والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية". وشدد البابا على ضرورة أن "تحافظ بلاد الأرز على هويتها الفريدة من أجل ضمان شرق أوسط تعددي متسامح ومتنوع، يقدم فيه الحضور المسيحي إسهامه ولا يقتصر على كونه أقلية وحسب".

مصادر قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) لا تعتبر أن المؤتمر الدولي الخاص بلبنان سهل عقده حالياً، فأي مؤتمر من هذا النوع يتطلب حصول حدث كبير، مثل احتلال أو حرب، يستوجب تدخلاً دولياً، وفرنسا لا تعتبر أن هناك احتلالاً في لبنان. وتكشف المصادر أن الدوائر الفرنسية تتواصل بشكل دائم مع دوائر الفاتيكان التي لا تزال تؤيد وتدعم المبادرة الفرنسية، وتعمل جاهدة على تنفيذها، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من عدم نجاح مبادرته، وأكد أن الانتقال سيأتي من زمن الأزمات العميقة والخطيرة، متوقعاً حدوث ذلك.

المؤتمر الدولي دونه عقبات داخلية

من جهة أخرى، لم يخف الوزير السابق منصور بطيش الذي زار بكركي على رأس وفد من "التيار الوطني الحر"، الذي يترأسه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، اعتراضه على فكرة المؤتمر الدولي، ورد باسم التيار من على درج بكركي أنهم مع الحلول الداخلية وضد التدويل.

موقف التيار ينسجم مع موقف "حزب الله" وحلفائه، على اعتبار أن أي تدويل للأزمة اللبنانية لن يكون لمصلحتهم، وحتى عندما غرد عضو "كتلة التنمية والتحرير" (يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري) النائب أنور الخليل، محذراً من وضع لبنان تحت الفصل السابع للأمم المتحدة في حال لم يتلقف رئيس الجمهورية ميشال عون مبادرة بري في شأن الحكومة، فلم يكن تبنياً للتدويل بقدر ما هو تحذير منه.
وكشفت مصادر مقربة من الخليل أن البيان الصادر عن الكتلة تقصّد تغييب أية إشارة إلى ما ورد في تغريدة عضو الكتلة أنور الخليل، وعلّق زميله في الكتلة، النائب قاسم هاشم قاطعاً الطريق على أي طرح من هذا النوع، وقال لـ "اندبندنت عربية" إن "هذه فكرة قد نتفق أو نختلف حولها، لأن مسألة التدويل تشوبها محاذير عدة في ظل المصالح الدولية وتقاطعها وتضاربها، والتي قد تدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها، بخاصة وأن تعقيدات الأزمة الراهنة داخلية وتقف عند حدود المصالح والمكاسب السياسية لهذا الفريق أو ذاك".
في المقابل، أكدت مصادر في حزب "القوات اللبنانية" دعمها لطرح البطريرك الراعي عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، ورأت مصادر "القوات" أن "الكنيسة تحاول رفع الصوت بعدما تبيّن لها وللجميع أن لبنان ليس في أولويات الدول الصديقة الآن، وما عودة الاغتيالات سوى خير دليل على أن القاتل يدرك بأن لبنان منسي".
مع هذا لم يصدر حزب "القوات اللبنانية" بيانا يوضح فيه الموقف من طرح البطريك الراعي.

المزيد من العالم العربي