Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شولتز الناجي الوحيد من فضائح رؤساء أميركا

على الرغم من دوره الرئيس في إنهاء الحرب الباردة ومواجهة أخطاء رؤسائه لكنه أخفق في إحلال السلام في الشرق الأوسط

شولتز ( يمين) خلال حديث عام 1982 مع عدد من أعضاء الكونغرس بينهم الرئيس الحالي جو بايدن ( أ ب)

بعد مسيرة دبلوماسية حافلة بالتحديات، رحل جورج شولتز، وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، عن عمر ناهز مئة عام.

وأصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بياناً يحمل عبارات تأبين مؤثرة قائلاً، "يؤسفني أنني كرئيس، لن أتمكن من الاستفادة من حكمته، كما فعل كثير من أسلافي"، وأشار إلى أن شولتز كان من بين القليلين ممن قدموا الكثير لتشكيل مسار الدبلوماسية الأميركية والنفوذ الأميركي في القرن العشرين.

ووصفه وزير الخارجية الأميركي الحالي، أنتوني بلينكن، بأنه "أسطورة" و "صاحب رؤية"، مشيراً في بيان إلى أن شولتز "ساعد في تحقيق أعظم إنجاز جيوسياسي في هذا العصر، نهاية سلمية للحرب الباردة، وتفاوض على اتفاقيات تاريخية للحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفياتي، كما واصل الكفاح بعد ترك المنصب من أجل عالم خال من الأسلحة النووية. وحث على اتخاذ إجراءات جادة بشأن أزمة المناخ في الوقت الذي اتخذ فيه عدد قليل جداً من القادة هذا الموقف. إذ إنه تمتع برؤية مستقبلية".

وروى البيان، أنه عادة ما كان شولتز يقوم قبل أن يرسل سفراء جدد للولايات المتحدة إلى مناصبهم الخارجية، يدعوهم إلى مكتبه ويوجههم إلى مصغر كرة أرضية في الزاوية، ويسأل "أشر إلى بلدك"، وعندما كان السفير يدير مُصغر الكرة الأرضية ويشير إلى البلد الذي يتوجه إليه، يقوم الوزير بوضع إصبعه بلطف على الولايات المتحدة ويقول " هذا هو بلدك". مضيفاً أن شولتز كان وطنياً، بذل قصارى جهده لتذكير زملائه الدبلوماسيين بأن واجبهم الأول دائماً تجاه الشعب الأميركي.

 

شولتز الذي يوصف بكبير مهندسي الدبلوماسية الأميركية في إنهاء الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفياتي السابق، توفي في منزله في ستانفورد في ولاية كاليفورنيا. وأعلن معهد هوفر، وفاته السبت 6 فبراير (شباط)، وقد كان زميلاً متميزاً وأستاذاً فخرياً في كلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة ستانفورد.

الناجي الوحيد

خدم شولتز الرؤساء الجمهوريين منذ دوايت أيزنهاور وحتى ريغان، إذ كان واحداً من أميركيين اثنين فحسب شغلا أربع حقائب مختلفة في الحكومة الاتحادية، كونه كان وزيراً للخارجية والخزانة والعمل ومدير الميزانية في البيت الأبيض.

 وبعد تقاعده واصل شولتز الكتابة والتحدث حول قضايا تتراوح من الأسلحة النووية إلى تغير المناخ في أواخر التسعينيات من عمره، وأعرب عن قلقه بشأن توجه أميركا خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، قائلاً في مقابلة في مارس (آذار) الماضي، "في الوقت الحالي نحن لا نقود العالم، نحن ننسحب منه".

حمل شولتز سيرة ذاتية ثقيلة إلى البيت الأبيض في عهد ريغان، فقد شغل منصب وزير العمل ومدير الميزانية ووزير الخزانة في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون. وتقول صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه خرج من حروب ووترغيت (فضيحة التجسس على مقرات الحزب الديمقراطي) بسمعته سالمة، بعد أن أظهر احتراماً لسيادة القانون كان نادراً جداً في تلك الحقبة. وعلى رأس وزارة الخزانة، أثار غضب نيكسون لمقاومة مطالب الرئيس باستخدام دائرة الإيرادات الداخلية كسلاح ضد أعداء الرئيس السياسيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكوزير للخارجية لمدة ست سنوات ونصف، كان يُنظر إلى شولتز على أنه صوت العقل في إدارة ريغان التي عجت بالصراعات الداخلية. وفضلاً عن مسيرته في مجال الأعمال والأوساط الأكاديمية حيث كان أستاذ اقتصاد، حقق شولتز نجاحات كرجل دولة وارتبط بعلاقات ودية مع الكونغرس والصحافة، وحظي بدعم قوي من ريغان نفسه. وأشاد به أعضاء في الكونغرس لمعارضته بيع أسلحة لإيران واعتبار ذلك حماقة. وكان بيع الأسلحة لطهران حجر الزاوية في فضيحة "إيران كونترا" التي خيمت على فترة ريغان الرئاسية الثانية.

وخلال الثمانينيات، هيمنت فضيحة "إيران-كونترا" على عناوين الصحف الأميركية، حيث عمدت الولايات المتحدة سراًإلى شحن أسلحة إلى إيران كفدية للحصول على مساعدة طهران في الإفراج عن رهائن أميركيين يحتجزهم "حزب الله"في لبنان، وكان كل من مستشار الأمن القومي جون بويندكسترو رئيس وكالة الاستخبارات المركزية بيل كيسي يعلمان أن العائدات من بيع الأسلحة ستستخدم في تمويل متمردي"الكونترا"في نيكاراغوا، وهو ما يمثل خرقاً للحظر الذي فرضه الكونغرس آنذاك.

وقد خلفت الفضيحة أزمة سياسية للرئيس ريغان، غير أن شولتز اتخذ موقفاً مناوئاً لرئيسه، وشجب تلك المعاملات السرية التي أُخفيت عنه.

الحرب الباردة

ورتب شولتز الاتصالات الأولى بين ريغان والنظام السوفياتي منذ عام 1983، وحضر مع نائب الرئيس جورج بوش الأب جنازة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي قسطنطين تشيرنينكو في عام 1985.

والتقى في هذه المناسبة الزعيم الجديد للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، الذي كان يعد معتدلاً، ورأى فيه انفتاحاً لتعزيز الحوار بين القوتين المتنافستين. وقال شولتز للصحافيين "غورباتشوف مختلف تماماً عن أي زعيم التقيت به".

واجه نهج شولتز مع غورباتشوف شكوكاً عميقة من وزير الدفاع الأميركي كاسبار واينبرغر، ورئيس وكالة المخابرات المركزية بيل كيسي، لكن ريغان منحه الثقة. وبحلول عام 1987،وقع ريغان وغورباتشوف معاهدة القوات النووية متوسطة المدى. وسرعان ما بدأ الاتحاد السوفياتي في التفكك بعد أن بدأ غورباتشوف إصلاحات ليبرالية ونمت المعارضة.

أشاد شولتز بالحلفاء الأوروبيين، وبخاصة ألمانيا الغربية، الذين تحدوا الاحتجاجات الشعبية ضد نشر صواريخ الناتو في الثمانينيات. وقال في لقاء عام 2015 في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، حيث أمضى حياته المهنية بعد الحكومة، "كان على السوفييت أن يروا ذلك وأن يدركوا أننا كنا أقوياء، وأن دبلوماسيتنا كانت قائمة على القوة".

مكافحة الإرهاب

تعرضت الولايات المتحدة لهجمات إرهابية متكررة في سنوات حكم ريغان، ففي أكتوبر (تشرين الأول) 1983، وقع أسوأ هجوم انتحاري استهدف مقر مشاة البحرية في مطار بيروت الدولي، وأسفر عن مقتل 241 أميركياً، كانوا أُرسلوا إلى لبنان كقوات حفظ سلام، بينما حاولت الولايات المتحدة وفشلت في التوسط في اتفاق بين قادة إسرائيل ولبنان وسوريا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

وقد اقترح شولتز إستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، "إجراءات وقائية ضد الإرهابيين قبل أن يشنوا الهجوم"، كما قال في خطاب ألقاه في يونيو (حزيران) 1984. في حين لم تستحوذ الفكرة على اهتمام كاف في ذلك الوقت، لكنها أصبحت أحد مبادئ "الحرب على الإرهاب" خلال حكم الرئيس جورج دبليو بوش.

شولتز-مبارك

بحسب أرشيف الصحافة الأميركية، التقى شولتز في فبراير (شباط) عام 1988 بالرئيس المصري الراحل حسني مبارك، في رحلة وصفتها صحيفة "لوس أنجليس تايمز" بأول نجاح لرحلة مكوكية إلى الشرق الأوسط حيث وصف مبارك مقترحاً أميركياً جديداً للسلام بأنه "واعد".

 وكان المقترح الأميركي يستهدف عقد سلام شامل في الشرق الأوسط، إذ قال شولتز في تعليقات صحافية وقتها "نسعى إلى سلام شامل في الشرق الأوسط. وهذا يعني أنه يتعين علينا العمل مع جميع البلدان المعنية. علينا النظر في القضايا الأمنية، وعلينا النظر لتطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقهم المشروعة".

وكشف شولتز أن الجولة تمت بناء على نصيحة من مبارك، "حث الرئيس مبارك الرئيس(ريغان) لإيفادي في مهمة إلى الشرق الأوسط. لقد أخذنا بنصيحته". وفي حين قوبلت مبادرة شولتز بالقبول في القاهرة، لم تكن الحال هكذا في إسرائيل، إذ عارض رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير أجزاء مهمة من المبادرة على الرغم من تأييد وزير الخارجية شيمون بيريز، كما لم يستطع شولتز لقاء الملك حسين الذي كان في رحلة علاجية في لندن.

وظل الشرق الأوسط وأميركا الوسطى، هما المنطقتان اللتان أخفق فيهما وزير الخارجية الأميركي الراحل لإحلال السلام،على الرغم مما بذله فيهما من جهود شخصية كبيرة.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة