Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يلجأ الأميركيون إلى الحرس الوطني لمواجهة أكبر التحديات؟

تأسس في العام 1636 واحتفظ به بعد تأسيس الولايات المتحدة

قوات الحرس الوطني في واشنطن أضعاف الجيش الأميركي في سوريا والعراق وأفغانستان (أ ف ب)

في واحدة من المفاصل التي سيذكرها التاريخ للحرس الوطني الأميركي، توليه تأمين العاصمة الأميركية واشنطن ومبنى الكابيتول أثناء حفل تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة. فحجم القوات الذي بلغ 25 ألف عنصر، هو خمسة أضعاف حجم القوات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق وأفغانستان. وقد حول واشنطن إلى قلعة عسكرية تحيطها الحواجز الخرسانية والأسلاك الشائكة والأسوار. والهدف من ذلك هو تحقيق أعلى درجات الحماية والاطمئنان للتعويض عن الاختراق الأمني المحرج في مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) الجاري. فما هي مهمات الحرس الوطني؟ ولماذا يلجأ إليه الأميركيون لمواجهة أكبر التحديات؟ وكيف يختلف عن القوات المسلحة الأميركية؟ وهل تمتلك السلطات الفيدرالية حق التحكم فيه أم للولايات فقط هذا الحق؟

كان قرار السلطات الأميركية اللجوء إلى الحرس الوطني بأعداد غفيرة بعد تمكن أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب من اقتحام مبنى الكابيتول، دليلاً على فظاعة الكارثة التي أصابت المجتمع الأميركي بالذهول، ولم يكن هناك من مفر سوى استدعاء 25 ألفاً من عناصر الحرس الوطني الذين جاءوا من ولايات عدة، لضمان تأمين تنصيب بايدن من دون مخاطر، خصوصاً بعد تحذيرات أصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالي، من احتمال وقوع احتجاجات مسلحة في الولايات الخمسين، إلى جانب التهديدات المباشرة ضد واشنطن.

أقصى درجات الحماية

وما زاد من مستوى الخوف، هو فحص مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفات آلاف الأفراد العسكريين من الحرس الوطني، ونجاحه في استبعاد 12 من عناصره للاشتباه في توجهاتهم اليمينية المتطرفة، وسط مخاوف من هجوم من الداخل، خصوصاً بعد اعتقال شخصين عسكريين على الأقل على صلة بالأحداث في مبنى الكابيتول.

ويتضح حجم الجهد الأمني ​​عند مقارنة عدد أفراد الحرس الوطني في واشنطن مع عدد القوات المنتشرة في العراق وسوريا وأفغانستان، نحو 2500 من أفراد الخدمة في العراق، ومثلهم في أفغانستان حسب إعلان وزارة الدفاع، و900 جندي أميركي على الأرض في سوريا.

مقارنة تاريخية

شهدت عمليات التنصيب الرئاسية تاريخياً إجراءات أمنية مشددة، لكن واشنطن لم تشهد عملية بهذا الحجم من قبل. ففي العام 2016 نشرت السلطات ثمانية آلاف عنصر من الحرس الوطني لتأمين حفل تنصيب ترمب، بالإضافة إلى عناصر الخدمة السرية المنتظمة وقوات إنفاذ القانون من الشرطة والوكالات الفيدرالية.

وعلى الرغم من أن الترتيبات الأمنية الحالية في العاصمة تبدو مثيرة للإعجاب، إلا أنها توضح بشكل كبير حجم الانقسام في الولايات المتحدة الآن مع اقتراب بدء الولاية الأولى للرئيس بايدن. غير أن طبيعة عمل الحرس الوطني وتشكيل مهماته وتمويله، تبدو غامضة لكثيرين سواء داخل الولايات المتحدة أم خارجها، فما هو الحرس الوطني؟

من ميليشيات إلى قوة

يعد الحرس الوطني فرعاً خاصاً بين القوات المسلحة الأميركية، ويتمتع بصلاحيات فريدة للتعاطي مع الأزمات المحلية والصراعات الخارجية على حد سواء. وعلى مدى تاريخه الذي يبلغ نحو أربعمائة عام، تحول الحرس الوطني من ميليشيات ذات مهمات فضفاضة في المستعمرات الأميركية القديمة إلى قوة مدربة ومجهزة جيداً من الجنود غير النظاميين المدنيين.

ويخضع الحرس الوطني بخلاف القوات العسكرية النظامية إلى توجيهات حكام الولايات، إذ يُستدعى بشكل عام للتعامل مع حالات الطوارئ، التي تنشأ في أي ولاية، مثل الكوارث الطبيعية، لكن على عكس معظم القوات العسكرية الأخرى، يمكن للحرس الوطني أن يؤدي دور إنفاذ القانون المحلي، ويمكن كذلك إرسال الحرس الوطني في مهمات خارج الولايات المتحدة، وهو ما جرى بشكل متكرر خلال السنوات الماضية.

وبالإضافة إلى الأوامر التي يتلقاها الحرس الوطني من حكام الولايات، يخضع لتوجيهات الرئيس الفيدرالي الأميركي وقادة وزارة الدفاع الأميركية. وهو ما كان سبباً في إثارة الجدل خلال بعض الصراعات في العقود الماضية، إذ نُشر عدد غير مسبوق من أفراد الحرس الوطني في العام 2020 لمساعدة السلطات في معالجة الكوارث الطبيعية ووباء فيروس كورونا والاحتجاجات المناهضة للعنصرية، وقد استدعي مرة أخرى لاستعادة النظام بعدما اقتحمت مجموعات من مؤيدي الرئيس ترمب مبنى الكابيتول. ونُشر عدد غير مسبوق من أعضاء الحرس لتأمين تنصيب بايدن.

تنظيم معقد

يتسم تنظيم الحرس الوطني الأميركي بقدر من التعقيد كونه يتشكل من جزأين، وهما الحرس الوطني للجيش (القوات البرية) والحرس الوطني الجوي، وكلاهما يعد من مكونات قوات الاحتياط العسكرية الأميركية، ولكنهما يختلفان عن احتياطيات الجيش والقوات الجوية. وعلى المستوى الفيدرالي، يشرف مكتب الحرس الوطني على قوات الحرس، ويرأسه جنرال عضو في هيئة الأركان الأميركية المشتركة، وهي أعلى هيئة في القوات المسلحة الأميركية.

عدد قوات الحرس الوطني

يبلغ إجمالي عدد الحرس الوطني حالياً نحو 450 ألفاً، يعملون في 54 إدارة منفصلة تنتشر في الولايات الخمسين، فضلاً عن العاصمة واشنطن وثلاثة أقاليم أميركية أخرى في غوام وبورتوريكو وجزر فيرجن.

ويخدم عديد من أفراد الحرس الوطني في الولايات التي يعيشون فيها بدوام جزئي، بينما يشغلون في الوقت نفسه وظائف في القطاع الخاص. مع ذلك، يلتزم عناصر الحرس الوطني أسبوع تدريب واحد شهرياً، بالإضافة إلى خدمة لا تقل عن بضعة أسابيع في السنة.

لمن يخضع الحرس الوطني؟

باستثناء العاصمة الأميركية واشنطن، التي يخضع الحرس الوطني فيها للسيطرة الحكومية الفيدرالية، تتحكم قيادات الولايات والأقاليم الأميركية في الحرس الوطني للولاية في معظم الحالات من أجل مواجهة الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير والسيول ولمواجهة الشغب. ويمكن للرؤساء الأميركيين تحريك الحرس الوطني في حالات معينة. فقد دعا الرؤساء وحدات الحرس الوطني إلى الخدمة الفيدرالية لمكافحة الأضرار الناتجة من الأعاصير في ولايات أخرى، وفي عمليات تعزيز أمن الحدود، وفي مساعدة العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق.

ومن النادر أن يفرض الرؤساء إصدار أوامر بالتحكم والسيطرة على الحرس الوطني في الولاية أو الإقليم من دون موافقة حاكم الولاية. وعلى سبيل المثال، رفض الرئيس جورج دبليو بوش السيطرة على الحرس الوطني في ولاية لويزيانا في أعقاب إعصار كاترينا بسبب اعتراض الحاكمة كاثلين بلانكو. ويطلب حكام الولايات في بعض الأحيان أن تتولى الحكومة الفيدرالية السيطرة على وحدات الحرس الوطني الخاصة بهم، كما فعل حاكم كاليفورنيا بيت ويلسون أثناء أعمال الشغب التي اندلعت في لوس أنجليس عام 1992.

وفي بعض الأحيان توافق الحكومة الفيدرالية على تمويل أعمال الحرس الوطني، حتى عندما تكون الأوامر الصادرة إليه من الولايات، مثلما حدث مع نشر قوات الحرس الوطني للتعامل مع وباء كورونا، على الرغم من أن تمويل عمليات الحرس الوطني داخل الولاية عادة ما تتم من قبل الولاية.

ما مهمات الحرس الوطني؟

يتولى الحرس الوطني مجموعة من الواجبات، منها عمليات الإغاثة في حالات الكوارث، إذ يُستدعى لحالات الطوارئ في الولاية، مثل نشر مئات من عناصره لمكافحة حرائق الغابات التي اجتاحت الولايات الغربية في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن عام 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستعد الحرس الوطني كل عام للأعاصير التي تضرب بشكل دوري جنوب شرقي الولايات المتحدة، حيث تعامل الحرس عام 2019 مع ثلاث وستين كارثة طبيعية، منها سبعة أعاصير أو عواصف استوائية، وتسعة عشر فيضاناً، واثنا عشر حريقاً.

ويلعب الحرس الوطني كذلك دوراً مهماً في دعم العمليات العسكرية الأميركية في خارج الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، فقد نشر البنتاغون أكثر من مليون من أفراد الحرس الوطني في مسارح العمليات العسكرية بما في ذلك العراق وأفغانستان. وقاتل أفراد منه في كل صراع أميركي تقريباً، حيث ينتشر قرابة ثلاثين ألفاً من الحرس الوطني حول العالم في أي يوم.

ويمكن نشر الحرس الوطني من قبل حكام الولايات لأغراض إنفاذ القانون، إذ قامت ولايات عديدة بتنشيط الحرس الوطني رداً على الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في جميع أنحاء الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد. ونشر البنتاغون قوات الحرس الوطني في العاصمة على مبنى الكابيتول الأميركي، حيث تم إيواء الحرس لاحقاً داخل مبنى الكابيتول. ما أثار مقارنات مع أحداث مشابهة خلال الحرب الأهلية الأميركية.

ومن مهمات الحرس الوطني خلال السنوات الماضية، توفير دعم أمن سيبراني لحكومات الولايات والحكومات المحلية التي تدير الانتخابات، بما في ذلك المنافسات الرئاسية عام 2020 بسبب وباء كورونا. وأدى أعضاء الحرس الوطني واجبات إضافية متعلقة بالانتخابات، بما في ذلك دعم مراكز الاقتراع في بعض الولايات، على الرغم من أنهم يرتدون ملابس مدنية لتجنب تصور المشاركة العسكرية في العملية السياسية.

ويعد 2020 عاماً تاريخياً للحرس الوطني، إذ نُشر قرابة مئة ألف منهم في الولايات المتحدة لمواجهة الكوارث الطبيعية والاضطرابات المدنية ووباء كورونا. وهو رقم يقرب من ضعف الرقم القياسي السابق، الذي سُجل خلال الاستجابة لإعصار كاترينا.

النشأة والتطور

تعود أصول الحرس الوطني إلى الميليشيات التي أنشأتها المستعمرات الأميركية. وانبثقت فكرة هذه الميليشيات عن التقليد الإنجليزي المتمثل في استخدام المواطنين كجنود لتوفير الدفاع المشترك مع القوات النظامية التقليدية. وتأسس الحرس في 13 ديسمبر (كانون الأول) عام 1636، عندما أنشأت مستعمرة خليج ماساتشوستس أول أفواج الميليشيات في المستعمرات. وبعد ذلك، احتفظت الولايات بهذه القوات عقب تأسيس الولايات المتحدة، وهو ما يعكسه التوازن في الدستور الأميركي بين سلطات الولاية والسلطات الفيدرالية في ما يتعلق بالحرس الوطني.

مع ذلك، استمر وضع هذه الميليشيا حتى أوائل القرن العشرين، حين صدر قانون الميليشيات عام 1903، وقد حُول الحرس الوطني من شبكة غير محكمة التنظيم من الميليشيات إلى قوة عسكرية مجهزة جيداً هي القائمة حتى اليوم، وأصبحت كذلك العلاقة بين الولايات والحكومة الفيدرالية أكثر تحديداً.

المزيد من تقارير