ستيفان توماس، مبرمج ألماني المولد يعيش في سان فرانسيسكو، لديه تخمينان متبقيان لمعرفة كلمة مرور تساوي 220 مليون دولار، ستسمح له بفتح محرك أقراص ثابت صغير، يُعرف باسم المفتاح الحديدي أو "أيرون كي"، الذي يحتوي على المفاتيح الخاصة لمحفظة رقمية تحتوي على 7002 "بيتكوين".
وعلى الرغم من انخفاض سعر العملة الرقمية بشكل حاد، فإنه لا يزال مرتفعاً بأكثر من 50 في المئة عن الشهر الماضي فقط، عندما تجاوز أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 20 ألف دولار. وتكمن المشكلة، بحسب القصة التي أوردتها صحيفة "نيويورك تايمز"، في أن توماس فقد منذ سنوات الورقة التي دوّن فيها كلمة المرور لمفتاح "أيرون كي" الخاص به، الذي يمنح المستخدمين عشرة تخمينات، قبل أن يصادر محتوياته ويشفّرها إلى الأبد. ومنذ ذلك الحين، جرّب ثمانية من أكثر صيغ كلمات المرور شيوعاً، لكن من دون جدوى. يقول توماس: "كنت أرقد في سريري وأفكر في الأمر، ثم أذهب إلى الكمبيوتر ببعض الاستراتيجيات الجديدة، لكنها لم تنجح، وفي كل مرة أشعر باليأس".
70 طلباً يومياً للمساعدة
عملة "بيتكوين"، التي كانت تعمل بشكل غير عادي ومتقلب لمدة ثمانية أشهر، جعلت كثيراً من مالكيها أغنياء للغاية في وقت قصير، حتى في الوقت الذي دمرت جائحة كورونا الاقتصاد العالمي. لكن الطبيعة غير العادية للعملة المشفرة تعني أيضاً أن كثيراً من الأشخاص محرومون من ثرواتهم، نتيجة فقدانهم كلمات المرور لمفاتيح محافظهم من العملة الرقمية أو نسيانها. لقد أُجبروا على المشاهدة، إذ ارتفع السعر وانخفض بشكل حاد، وهم عاجزون عن جني ثروتهم الرقمية.
ومن بين 18.5 مليون "بيتكوين" الحالية، يوجد نحو 20 في المئة، أي ما قيمته حالياً نحو 140 مليار دولار، لا تزال في محافظ مفقودة أو عالقة بطريقة أخرى. ووفقاً لشركة بيانات العملة المشفرة تشيناليسيس، التي تقدم خدمة استرداد المحافظ، وتساعد في العثور على المفاتيح الرقمية المفقودة، فإنها تلقت 70 طلباً يومياً من أشخاص أرادوا المساعدة في استعادة ثرواتهم، أي ثلاثة أضعاف الطلبات التي حصلت عليها قبل شهر.
يتحدث مالكو "بيتكوين"، الذين حُظّروا من محافظهم، عن أيام وليالٍ لا تنتهي من الإحباط، لأنهم حاولوا الوصول إلى ثرواتهم. وامتلك الكثيرون العملات المعدنية منذ الأيام الأولى لعملة "بيتكوين" قبل عقد من الزمان، عندما لم يكن لدى أحد ثقة بأن العملات المشفرة ستكون ذات قيمة.
يقول براد يسار، رجل أعمال في لوس أنجليس ولديه عدد قليل من أجهزة الكمبيوتر المكتبية التي تحتوي على آلاف من عملات "بيتكوين" التي أنشأها أو استخرجها خلال فترة الأيام الأولى للتكنولوجيا، إن العملة التي يمتلكها تساوي الآن مئات الملايين من الدولارات، إلا أنه فقد كلمات المرور الخاصة به منذ سنوات عدة، ووضع محركات الأقراص الثابتة التي تحتوي عليها في أكياس محكمة الإغلاق، بعيداً من الأنظار. ويضيف للصحيفة "لا أريد أن أتذكر كل يوم أن ما لدي الآن هو جزء بسيط مما يمكن أن أفقده".
الفكرة المركزية لـ"بيتكوين"
تُعدّ المعضلة تذكيراً صارخاً بالأسس التكنولوجية غير العادية لعملة "بيتكوين"، التي تميزها عن الأموال العادية وتمنحها بعضاً من صفاتها الأكثر خطورة، إذ باستخدام الحسابات المصرفية التقليدية والمحافظ عبر الإنترنت، يمكن للبنوك مثل "ويلز فارغو" والشركات المالية الأخرى مثل "باي بال" تزويد الأشخاص بكلمات المرور لحساباتهم، أو إعادة تعيين كلمات المرور المفقودة.
لكن، "بيتكوين" ليست لديها شركة لتوفير كلمات المرور أو تخزينها. وقال منشئ العملة الافتراضية، وهو شخصية غامضة تُعرف باسم "ساتوشي ناكاموتو"، إن الفكرة المركزية لـ"بيتكوين" كانت السماح لأي شخص في العالم بفتح حساب مصرفي رقمي والاحتفاظ بالمال بطريقة لا يمكن لأي حكومة منعها أو تنظيمها.
أصبح هذا ممكناً بفضل بنية "بيتكوين"، التي تحكمها شبكة من أجهزة الكمبيوتر التي وافقت على اتباع برنامج يحتوي على جميع القواعد الخاصة بالعملة المشفرة. يشتمل البرنامج على خوارزمية معقدة تجعل من الممكن إنشاء عنوان، والمفتاح الخاص المرتبط به، الذي لا يعرفه إلا الشخص الذي أنشأ المحفظة.
ويسمح البرنامج أيضاً لشبكة "بيتكوين" بتأكيد دقة كلمة المرور للسماح بالمعاملات، من دون رؤية أو معرفة كلمة المرور نفسها. باختصار، يتيح النظام لأي شخص إنشاء محفظة من دون الحاجة إلى التسجيل في مؤسسة مالية أو إجراء أي نوع من التحقق من الهوية.
وقد أدى ذلك إلى جعل عملة "بيتكوين" شائعة لدى المجرمين، الذين يمكنهم استخدام الأموال من دون الكشف عن هويتهم. كما أنها جذبت الناس في دول مثل الصين وفنزويلا، حيث تشتهر الحكومات بمداهمة أو إغلاق الحسابات المصرفية التقليدية. لكن بنية هذا النظام لم تأخذ في الحسبان مدى سوء قدرة الأشخاص على تذكّر كلمات المرور الخاصة بهم وتأمينها.
وقال ديوغو مونيكا، المؤسس المشارك لشركة ناشئة تدعى "أنكوراج"، التي تساعد الشركات على التعامل مع أمن العملات المشفرة، "حتى المستثمرون المتمرسون كانوا غير قادرين تماماً على القيام بأي نوع من إدارة المفاتيح الخاصة". بدأ مونيكا الشركة عام 2017 بعد مساعدة صندوق تحوط في استعادة الوصول إلى إحدى محافظ "بيتكوين" الخاصة به.
خسائر المفاتيح الخاصة
يحكي ستيفان توماس تجربته، أنه انجذب إلى "بيتكوين" جزئياً، لأنها كانت خارج سيطرة بلد أو شركة. عام 2011، عندما كان يعيش في سويسرا، حصل على 7200 "بيتكوين" من قبل أوائل المتعصبين للعملة الرقمية كمكافأة لإنجاز فيديو رسوم متحركة "ما هو بيتكوين؟"، الذي يشرح آلية عمل العملة الافتراضية، التي جذبت عدداً كبيراً من الناس إلى التكنولوجيا. في ذلك العام، فقد المفاتيح الرقمية للمحفظة. ومنذ ذلك الحين، ومع ارتفاع قيمة العملة وانخفاضها لم يتمكّن من الحصول على المال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخسر غابرييل آبيد، 34 سنة، رائد أعمال من بربادوس، نحو 800 "بيتكوين"، تساوي الآن نحو 25 مليون دولار، عندما أعاد أحد الزملاء تنسيق جهاز كمبيوتر محمول يحتوي على المفاتيح الخاصة بمحفظته عام 2011. ويقول إن هذا لم يضعف حماسته وإنه قبل "بيتكوين"، لم يكن هو وزملاؤه من سكان الجزر قادرين على الوصول إلى المنتجات المالية الرقمية ذات الأسعار المعقولة، مثل بطاقات الائتمان والحسابات المصرفية المتاحة بسهولة للأميركيين.
وأضاف، في باربادوس كان حتى الحصول على حساب "باي بال" شبه مستحيل، موضحاً أن الطبيعة المفتوحة لـ"بيتكوين" أتاحت له الوصول الكامل إلى العالم المالي الرقمي للمرة الأولى. وتابع "تكمن المخاطرة في أن أُكوّن بنكي الخاص بمكافأة القدرة على الوصول إلى أموالي بحرّية، وأن أكون مواطناً في العالم، وهذا يستحق كل هذا العناء".
بالنسبة إلى آبيد وتوماس، فإن أي خسائر ناتجة من سوء التعامل مع المفاتيح الخاصة جرى تخفيفها جزئياً من خلال المكاسب الهائلة التي حققاها على عملة "بيتكوين" والتي تمكّنا من الاحتفاظ بها. وكانت 800 "بيتكوين" التي فقدها آبيد في 2011 جزءًا صغيراً من الرموز التي اشتراها وباعها منذ ذلك الحين، مما سمح له أخيراً بشراء قطعة أرض مساحتها مئة فدان من الأرض المطلة على المحيط في باربادوس مقابل أكثر من 25 مليون دولار.
وقال توماس إنه تمكّن أيضاً من الاحتفاظ بما يكفي من "بيتكوين" وتذكّر كلمات المرور، لمنحه ثروات أكثر مما يعرف ماذا يفعل بها. عام 2012، انضم إلى شركة ريبيل الناشئة للعملات المشفرة، التي تهدف إلى تحسين العملة الرقمية، وتمت مكافأته بعملة الريبل المحلية، والمعروفة باسم إكس آر بي، التي ارتفعت قيمتها.
وبالنسبة إلى كلمة المرور المفقودة و"بيتكوين" التي يتعذر الوصول إليها، فقد وضع توماس المفتاح الحديدي أو "أيرون كي" في منشأة آمنة، في حال توصّل المشفرون إلى طرق جديدة لاختراق كلمات المرور المعقدة، قائلاً إن إبقاءها بعيداً يساعده على محاولة عدم التفكير في الأمر. "وصلت إلى نقطة قلت فيها لنفسي دعها تكون أمراً من الماضي، فقط من أجل صحتك العقلية".