Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حلف الديمقراطيات" و"حلف السلطويات"

يمارسون سياسة "اختيار الأزمات التي يواجهونها ويريدون أعداءً ليهزموهم لا قضايا ليحلوها"

اقتحام الكونغرس في 6 يناير الحالي (أ ف ب)

في العقد الأخير من القرن الـ20 سقط الاتحاد السوفياتي. لكن نموذج الحكم السوفياتي الذي قلّدته أنظمة عربية عدة لم يسقط، ولا يزال قائماً في بداية العقد الثالث من القرن الـ21: حكم الحزب الواحد، وإن سمح بوجود أحزاب ملحقة به، بالتالي حكم الرجل الواحد. مشير أو فريق أول، لا أي مدني، يتولى وزارة الدفاع، وفي الجزائر منذ هواري بومدين ثم مع عبد العزيز بوتفليقة وعبد المجيد تبون يتولاها رئيس الجمهورية. واقتصاد "اشتراكي" هجين خليط من "اقتصاد الشلة" و"اقتصاد السوق" و"رأسمالية الدولة". في الغرب الأميركي والأوروبي شاعت نظرية فرنسيس فوكوياما عن "نهاية التاريخ" والانتظار النهائي للنموذج الغربي في "الديمقراطية السياسية واقتصاد السوق". لكن الموجة الجديدة من التحوّل إلى الديمقراطية في بلدان كثيرة، سرعان ما توقفت وانتكست قبل هبوب الرياح المعاكسة.

الصين صنعت أعجوبة اقتصادية في ظل نظام شمولي يقوده "الحزب الشيوعي" بزعامة شي جينبينغ، وصارت قوة عظمى. روسيا عادت برئاسة فلاديمير بوتين إلى نظام سلطوي واستعادت دور القوة العالمية التي تدخلت عسكرياً خارج الحدود وأقامت، كما قال بوتين، علاقات مع العالم العربي أوسع من العلاقات الأيديولوجية أيام الاتحاد السوفياتي. سلالة كيم إيل سونغ الحاكمة في كوريا الشمالية صارت نووية مع الجيل الثالث، الذي يمثله كيم جونغ أون. في تركيا والمجر وبولندا والبرازيل، قويت ظاهرة "السلطوية بالانتخاب" عبر رجب طيب أردوغان، فيكتور أوربان، أندريه دودا، وجاير بولسونارو، الذي أنشأ فريقه "مكتب الكره" ضد "الأعداء الثلاثة: الصحافة، الكونغرس، والقضاء". وفي أفريقيا وأميركا اللاتينية عادت ظاهرة الانقلابات العسكرية والتراجع عن الحد الأدنى من الديمقراطية. في بيلاروس جاء ألكسندر لوكاشينكو قبل 26 سنة من إدارة مزرعة خنازير إلى السلطة تحت شعار: "لا مع اليسار ولا مع اليمين بل مع الشعب"، ولا يزال يحكم بالقمع والتزوير ومساعدة بوتين له بالحرس الوطني. وفي فنزويلا تولى نيكولاس مادورو الرئاسة بعد وفاة هوغو تشافيز، وأكمل قمع المعارضة اليمينية بقمع الاعتراض اليساري والمنتقدين لسوء الإدارة من نجوم تلفزيون وجنرالات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجديد السلطوية، كما يرى كيم لان شيبل الباحث في القانون الدستوري في جامعة "برنستون"، هو "أن الأوتوقراطيين في القرن الماضي كانوا يخرقون الحقوق الإنسانية ويملأون الشوارع بالدبابات، واليوم يأتون إلى السلطة مع القوانين لا مع الرصاص". ويقول إيفان كراستيف رئيس مركز الدراسات الليبرالية في فيينا، إن السلطويين يمارسون سياسة "اختيار الأزمات التي يواجهونها، ويريدون أعداءً ليهزموهم، لا قضايا ليحلوها". قبل الانتخابات الرئاسية في أميركا كتبت مجلة "درشبيغل" الألمانية: "المريض الأميركي صار جاهزاً للسلطوية "من خلال الظاهرة الاجتماعية التي انتخبت دونالد ترمب وقادته إلى البيت الأبيض". بعد الانتخابات وهزيمة ترمب وفشل محاولاته لتغيير النتائج بكل الوسائل، قال الرئيس المنتخب جو بايدن: "لا شيء، لا حتى الوباء ولا سوء استخدام السلطة، يمكن أن يطفئ شعلة الديمقراطية". لكن أستاذتي العلوم السياسية سوزان هايد وإليزابيت ساونذرز كتبتا في "نيويورك تايمز"، أن "الضرر كبير في العمق، وما فعله ترمب ليس وراءنا، والديمقراطية الأميركية ليست عاصية على الكسر".

خلال الحملة الانتخابية كتب جو بايدن مقالاً في "فورين أفيرز"، تحدث فيه عن "إصلاح ديمقراطيتنا في الداخل مع تقوية تحالف الديمقراطيات التي تقف معنا حول العالم". والتزم الدعوة في سنته الرئاسية الأولى إلى "قمة كونية من أجل الديمقراطية"، ثم كرر الالتزام بعد فوزه. وإذا تحقق ذلك، فإن المشهد في السنوات المقبلة سيبدو كأنه استعادة بشكل جديد لصراع المعسكرين الرأسمالي والديمقراطي أيام الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي: "حلف الديمقراطيات" في مواجهة "حلف السلطويات".

لكن الصراع اليوم أو التنافس الدولي صارت له جبهات جديدة إلى جانب بعض الجبهات الماضية عسكرياً وأمنياً واقتصادياً ونفوذاً خارجياً. وبين الجبهات الجديدة سوق التنافس للحصول على "رقاقات" دقيقة جداً للكمبيوتر. رقاقات تتقدم في صنعها دولتان ديمقراطيتان: تايوان في مواجهة الصين، وكوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية. سوق هذه الرقاقات تصل سنوياً إلى 430 مليار دولار، وهي أساسية للثورة الصناعية الرابعة والجيل التكنولوجي الخامس.

ولا أحد يستطيع تجميد التاريخ، ولو تمكن لوقت ما من السير إلى الوراء بدل التحرك والتطور إلى الأمام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل