يُنسَب إلى مارك توين جملة نصها "إن التوقع أمر صعب، لا سيما حين يتعلق بالمستقبل". وثمة خلاف حول أصل تلك المقولة. في المقابل، لا خلاف على الشعور الذي تحمله، فمن يُصدر توقعات حول الأسواق المالية إنما يسلك سبيلاً حتمياً إلى جعل نفسه هدفاً للسخرية.
لكننا جميعاً نُصدر توقعات كتلك. وينجز المتخصصون في التوقعات العاملون في القلب التجاري للندن، ذلك الأمر بطريقة محترفة. وينهض به آخرون منا في شكل ضمني. إن كل شخص يتخذ قراراً حول شراء بيت أو بيعه، إنما يصنع افتراضاً ما حول اتجاه أسعار البيوت ومعدلات الفوائد. وكذلك فإن أي شخص ينتقل من وظيفة إلى أخرى إنما يعتنق تصوراً ما حول أمن الوظيفة الجديدة أو بخلاف ذلك، تصوراً حول أعمال صاحب عمله الجديد. حتى إن قراراً بسيطاً بالشراء المبكر لعملة ما بغرض الاستعداد لقضاء عطلة في الخارج أو عدم فعل ذلك، إنما يعني أنكم تجرون توقعاً ما حول سعر صرف العملة.
واستطراداً، لا تتعلق منفعة التوقعات كثيراً بمعرفة ما سيحدث، لأن أحداً لا يستطيع أن يعرف. بل تكمن المنفعة في وضع نموذج يستطيع الناس أن يدرجوا فيه أفكارهم ويجرون تقييماتهم الخاصة. وفي سياق هذه الروحية، إليكم خمسة توقعات مني لعام 2021.
أولاً، سيصبح الجنيه الإسترليني أقوى، ليصل إلى 1.5 دولار (أو 1.09 جنيه إسترليني بالسعر المسجل اليوم). وسيكون الأمر في أحد أوجهه استجابة لاتفاق التجارة المرافق لـ"بريكست"، بمعنى أنه نوع من تنفس الصعداء بعد تجنب الفوضى. في المقابل، سيكون في شكل مماثل عبارة عن إعادة تقييم أوسع نطاقاً من قبل مديري الصناديق بشأن مدى جاذبية الاستثمارات في المملكة المتحدة. فعشية الاستفتاء على "بريكست" في 2016، سجّل الجنيه 1.49 دولار. لذا، ليس من قبيل المبالغة توقع أنه سيعود إلى تلك النقطة، لا سيما مع الشعور العام السائد في الأسواق بأن الدولار مُقيم بأكثر مما يستحق.
ثانياً، سترفع إعادة تقييم الأصول البريطانية مؤشر "فايننشال تايمز 100" للأسهم، إلى ذروة قياسية جديدة. ولن تحدث إعادة التقييم فجأة، لأن الأسواق لا تعمل عادة بتلك الطريقة. والآن، تسجل معظم أسواق الأسهم مستويات قريبة من مستوياتها القياسية، لكن الأسهم البريطانية تأخرت عنها. في المقابل، بما أن أداء الأسهم البريطانية كان مؤسفاً وفق المعايير العالمية، فإن ذلك يعني أنها تحمل قيمة بالنسبة إلى مشتريها.
ويبلغ عائد ربحها حالياً نحو أربعة في المئة. ويبلغ عائد الربح الخاص بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" الأميركي نحو 1.6 في المئة. ويمكنكم القول إن اقتصاد الولايات المتحدة يحمل فرصاً أفضل مقارنة بنظيره البريطاني، لكن مستوى الفارق في عائد الربح لافت. وإذ تسجل الأسهم البريطانية أدنى مستوى لها، ليس عليها أن تؤدي أداء حسناً جداً كي تتفوق على الأسواق المالية الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثالثاً، أخشى حصول تراجعات حادة في أسهم الشركات الأميركية في التكنولوجية الفائقة. ومجرد طرح الفكرة يثير نزاعاً. فلا أحد يحب المراهنة على انخفاض الأسهم، والشركات المعنية، "أمازون" و"آبل" و"غوغل" وغيرها، شركات رائعة وستستمر على هذا النحو. من ناحية أخرى، بدأت رياح السياسة تهب عليها. وفي حين لا أستطيع أن أرى أن الدعوات إلى تفكيكها ستنجح، إلا أن تلك الرياح المباشرة ستؤدي إلى إعادة التفكير في قيمتها. ثمة فقاعة والفقاعات تنفجر.إذ تساوي شركة "تيسلا موتورز" المتخصصة في المركبات الكهربائية، أكثر من الشركات التسع الكبرى المصنعة للسيارات مجتمعة. وهذا لا يمكن أن يكون وضعاً صحيحاً.
رابعاً، سيكون النمو البريطاني والأميركي أسرع في السنوات المقبلة من النمو في منطقة اليورو. ويعود السبب الرئيس وراء الفكرة إلى النشر الأسرع للقاحات. إذ تسبق المملكة المتحدة أوروبا في هذا المجال بشهرين إلى ثلاثة أشهر، وربما تسبق الولايات المتحدة. واتضح إلى حد كبير أن الانتعاش الاقتصادي المستدام أمر مستحيل، إلى أن تأخذ اللقاح غالبية من السكان. وبمجرد أن يحصل ذلك ستندفع العجلة الاقتصادية. لا أعلم مدى إمكانية تكرّر ازدهار "العشرينيات الهادرة" التي جاءت بعد الحرب العالمية الأولى والإنفلونزا الإسبانية، لكن النصف الثاني من عام 2021 سيشهد ازدهاراً مصغّراً.
لذلك، ثمة سؤال حقاً عن مدى سرعة عودة الأجزاء المختلفة من الاقتصاد العالمي إلى الذروة التي عرفتها نهاية عام 2019؟ أرجح (ورأيي أكثر تفاؤلاً بكثير من التوقعات الرسمية الحالية) أن تقترب المملكة المتحدة كثيراً من هذه الذروة مع حلول نهاية 2021.
خامساً، تبدو الإمكانيات المتاحة أمام أسعار البيوت في بريطانيا أقل تصاعداً. وأتوقع أن ينتهي بها المطاف في شكل عام، عند مستوى أدنى خلال عام 2021 مقارنة بمستوياتها في نهاية 2020. لن يحصل انهيار، بل مجرد سوق راكدة يلجمها التنبه إلى أن الأسعار أعلى مما يتناسب مع المداخيل الحالية في معظم أرجاء البلاد. وفي الأجل البعيد، ستنال الأسعار دعماً من الزيادة السكانية والطلب على مساحات أكثر للعيش. أما في الأجل القريب، فتوقعوا توقّفاً. وإن التوقّف ليس أمراً سيئاً على الصعيد الاجتماعي.
© The Independent