Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لقاح "أكسفورد" ضوء في عتمة الجائحة

تأتي إجازة استخدام الحقنة المضادة لكورونا في وقت غرقت الأقاليم البريطانية الأربعة في إحدى أحلك مراحل أزمة كورونا

في ظل تفاقم إصابات كورونا وحالات الدخول إلى المستشفيات في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، تنعم البلاد بأمل جديد بعد الموافقة على استخدام اللقاح المضاد الذي طورته جامعة "أكسفورد".

إنها اللحظة التي انتظرها طويلاً وزراء وخبراء صحيون وعامة الناس، وتأتي في وقت غرقت فيه الأقاليم الأربعة (التي تشكل المملكة المتحدة) في أحد أشد قيعان الجائحة ظلمة.

ملفت أن الخبراء الصحيين لدى الحكومة البريطانية اتخذوا خطوة جريئة تمثلت في التوصية باعتماد جرعتين من اللقاح يفصل بينهما 12 أسبوعاً، وليس أربعة أسابيع.

سيتيح ذلك للسلطات توفير اللقاح لأكبر عدد ممكن من الأشخاص خلال يناير (كانون الثاني)- وليس التبكير في تخزين إمدادات من الجرعة الثانية المعزِّزة من اللقاح- ومن ثم تأسيس شكل ما من المناعة لدى السكان.

كانت تلك الخطوة وليدة حاجة ملحة وضرورة فرضهما ظهور فيروس متحوِّر جديد يحصد إصابات ووفيات فادحة في شتى أنحاء البلاد، وقد شدَّد مسؤولون في "أسترازينيكا" AstraZeneca، الشركة البريطانية السويدية لتصنيع الأدوية، على أن الطريقة التي خلصوا إليها ستكون قادرة على تحفيز مستويات عالية من المناعة في الجسم مماثلة للحصانة التي يولدها لقاحا "فايزر- بايونتيك" (الأميركي الألماني) و"موديرنا" (الأميركي).

مر أسبوعان ونيف منذ أن أعلنت الحكومة البريطانية للمرة الأولى رصد نوع جديد من فيروس "سارس- كوف- 2" يُعتقد أن منشأه جنوب شرقي إنجلترا.

منذ ذلك الحين، أخذ المتحور الجديد يوسع رقعة انتشاره، مستأثراً بالغالبية العظمى من الإصابات الجديدة في إنجلترا، فيما راح يؤجِّج طفرة ضخمة من الإصابات وضعت هيئة الخدمات الصحية الوطنية "أن أتش أس" NHS المنهكة أصلاً تحت عبء سلالة أشدّ وطأة.

هكذا، تلقت خدمة الإسعاف في لندن خلال الـ"بوكسينغ داي"، في 26 ديسمبر (كانون الأول) اليوم الذي تلى عيد الميلاد مباشرة، مكالمات هاتفية طارئة مساوية لما وردها من اتصالات في ذروة الموجة الأولى من الجائحة. للأسف، يتلقى المرضى الآن العلاج في سيارات الإسعاف عند وصولهم إلى المستشفيات (لعدم توفّر أسرة شاغرة)، فيما تعود وفيات كوفيد اليومية إلى المستويات التي حصدها أبريل (نيسان) الماضي (خلال ذروة الموجة الأولى).

 

في الحقيقة، ما كان لقاح أكسفورد لينال ترخيصه في وقت أقرب. ولكنه يمهد الطريق أمام المملكة المتحدة لعودة الأوضاع إلى نصابها إلى حد ما، علماً أن أمام الحكومة البريطانية طريقاً طويلاً تقطعه في تدعيم برنامجها للتلقيح.

تذكيراً، بعد ما كان فريق العمل المكلَّف ملف اللقاحات في المملكة المتحدة وعد في البداية بتوفير 30 مليون جرعة بحلول سبتمبر (أيلول) الماضي، قال لاحقاً إن أربعة ملايين جرعة فقط ستكون متاحة في مطلع العام الجديد. بعد ذلك، قال مات هانكوك، وزير الصحة البريطاني، إنّ ذلك الرقم لم يتجاوز 530 ألف حقنة، ما يمثِّل قصوراً كبيراً يدفع إلى طرح تساؤلات عدة بشأن كفاءة هذه الحكومة في توزيع الجرعات التحصينية.

طلبت رئاسة الحكومة البريطانية في "داونينغ ستريت" ما مجموعه 100 مليون جرعة من لقاح أكسفورد، أي ما يكفي لتلقيح 50 مليون بريطاني. ويُتوقع أن يتلقى الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كوفيد- 19 الجرعتين الأولى والثانية بحلول أبريل (نيسان) 2021، على أن يُصار إلى تلقيح بقية السكان على مدى النصف الثاني من العام المقبل.

معلوم أن في عملية التلقيح ضد الفيروس، يكتسي عامل السرعة أهمية بالغة- ولا ريب في أن لقاح "أسترازينيكا" يوفِّر ذلك. خلافاً للقاح المرشح الذي طورته "فايزر" وشريكتها "بايونتيك"، يمكن الاحتفاظ بنسخة أكسفورد المضادة في درجة حرارة الثلاجة العادية، ما يعني أنّ عملية طرح اللقاح لن تعوقها التحديات اللوجستية التي يفرضها تخزين الجرعات ونقلها من مكان إلى آخر في درجات حرارة تحت الصفر.

عوض ذلك، سيكون في مقدور عيادات الأطباء العامين ودور الرعاية الصحية الحصول على ما تحتاج إليه من جرعات والاحتفاظ بالقوارير الزجاجية في الثلاجات المتوفرة لديها حتى ستة أشهر، في كل مرة.

إذا افترضنا أن السلطات ستتحلى بالكفاءة في توزيع إمدادات اللقاح على مختلف أرجاء المملكة المتحدة، يُتوقع أن يتلقى مليونا شخص ضمن صفوف الفئات الهشة جرعتهم الأولى بحلول منتصف يناير.

بعد ذلك، سيتعين على "أسترازينيكا" والحكومة البريطانية كلتيهما تعزيز جهودهما المبذولة في عمليات إنتاج اللقاح وتوزيعه من أجل ضمان إيصاله إلى 25 مليون شخص مُدرجين ضمن قائمة أولويات المملكة المتحدة، في غضون الأشهر الأربعة المقبلة.

النبأ السار، أن تنفيذ قدر كافٍ من عمليات التطعيم ضمن تلك المجموعات سيحول دون وقوع 99 في المئة من وفيات كوفيد- 19، وفق توقعات اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين "JCVI". يعني ذلك، نظرياً، أنه إذا سارت الأمور كافة على النحو المنشود، سيشهد معدل الوفيات والاستشفاء بسبب الفيروس انخفاضاً حاداً بحلول نهاية أبريل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من دون شك، سيسهم ذلك في تخفيف العبء عن كاهل هيئة الخدمات الصحية الوطنية "NHS"، ويمكِّنها تالياً من الشروع، في إطار عملية طويلة الأمد ومتدرجة، مجدداً في تقديم خدماتها الصحية التي واظبت عليها في زمن ما قبل ظهور الجائحة.

ستستأنف الهيئة الصحية إجراء العمليات الجراحية وتقديم العلاجات التي لجأت إلى توقيفها أو تأجيلها؛ وسيحظى الموظفون المرهقون بإجازة للحصول على الراحة البالغة الأهمية بالنسبة إليهم؛ وسيُصار إلى سد النقص في الإمدادات الطبية؛ ومن المأمول أن تنتقل الآلية العامة الخاصة بهيئة الخدمات الصحية البريطانية إلى إيقاع جديد يخوِّلها مواكبة حياة ما بعد الجائحة.

يؤدي لقاح "أكسفورد" دوراً حاسماً في تحويل كل هذه الخطط إلى حقيقة واقعة.

في الحقيقة، تمثِّل المصادقة على نجاعته ومأمونيته من جانب الهيئة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية "MHRA" في بريطانيا نقطة تحول مستحبة جداً في المملكة المتحدة بعد أسابيع من اليأس والمعاناة.

ومع ذلك، لا يجوز أن يكون إقرار استخدام لقاح "أكسفورد" سبباً للتهاون. لا ننسى أن النوع الجديد المتحور من كورونا، الذي يُعتقد أنه أكثر قدرة على الانتقال بين الناس بنسبة تصل إلى 70 في المئة مقارنةً بنظائره، مستفحل في أجزاء كبيرة من المملكة المتحدة. بناء عليه، سيواصل الناس نشر الفيروس والموت، بغض النظر عن الجهود العاجلة التي ترمي إلى تسريع عملية توزيع اللقاح.

في مقبل الأيام والأشهر، على الناس في المملكة المتحدة أن يتعايشوا مع هذه الحقائق. قبل أن تتحسن الحال، سوف تزداد سوءاً. ولكن أشد أوقات الليل ظلمةً تسبق الفجر بلحظات، وبعد التجارب المروعة والنكسات التي شهدتها البلاد في الشتاء الحالي، لدينا الآن الأسباب كافة التي تحملنا على الاعتقاد بأن العام الجديد يمكنه أن يفتح الأبواب لبعض من الضوء.

© The Independent

المزيد من صحة