Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة امرأة مكسوة بالحرير والذهب مدفونة في مقبرة لندنية منذ 1600عام

قبرها يمثل الضريح الأعلى مقاماً بين أضرحة لندن الرومانية المكتشفة حتى الآن

ريشة فنان تعيد تجسيد قبرٍ، حديث الإكتشاف، لسيدة أرستوقراطية من العصر الروماني، مدفونة في لندن (متحف لندن للآثار)

نجح علماء الآثار، بعد 21 عاماً من البحث والتنقيب، في جمع الشذرات المبعثرة لقصة استثنائية تتعلق بامرأة رومانية من علية القوم الأرستقراطيين، كانت دفنت في لندن منذ أكثر من 16 قرناً.

وتُظهر الأدلة المتينة التي توصل العلماء إليها، والتي نشرت اليوم، أن السيدة ربما كانت بالفعل من طبقة أعيان عاصرت السنوات الأخيرة لبريطانيا الرومانية.

وعن هذه المرأة قال الدكتور روجير توملين، الخبير البارز بتاريخ بريطانيا الرومانية ومؤلف الدراسة الأساسية حول التاريخ البشري والاجتماعي للحقبة المذكورة، المنشورة بعنوان "بريطانيا رومانا" Britannia Romana، إن "من الجائز أن تكون السيدة زوجة أحد آخر حكام بريطانيا الرومان". إذ من الواضح أن ضريحها، الموجود في مقبرة سبيتالفيلدس عند طرف لندن الشمالي، يمثل الضريح الأعلى مقاماً الذي يعثر عليه من الحقبة الرومانية المتأخرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت الأبحاث العلمية التي أجريت ضمن الاكتشاف الأثري، أن السيدة دفنت وهي ترتدي ثوبًا جميلاً مصنوعاً من حرير مصدره الصين، وخيطان من ذهب خالص تشكل 97 في المئة من مجمل خيطانه. إلى هذا، فقد ضمت ثيابها الجنائزية أيضاً نطاقاً واحداً، على الأقل، من القماش الصوفي الذي بدا أنه صبغ بلون أرجواني. والأرجواني، كما هو معروف، يمثل اللون الذي اقترن في العادة بالمقام الإمبراطوري أو الأرستقراطي. ويرى الخبراء أن الصباغ المستخدم في تلوين ثوبها كان على الأرجح الأغلى ثمناً في العالم القديم كله، كما يرجح أن يكون مصدره نوعاً من الأصداف (القواقع) البحرية، المستخرجة من شرق البحر الأبيض المتوسط، التي كانت تستخدم لإنتاج الصباغ المخصص لأثواب الأباطرة والأعيان. هذا وأظهرت تحاليل النظائر المشعة التي تناولت أسنان سيدة سبيتالفيلدس أنها كانت قد نشأت في روما.

والسيدة المدفونة في تابوت من الرصاص الخالص موضوع داخل ناووس حجري ضخم، خاضت رحلتها إلى العالم الآخر مصحوبة ومجهزة بأفخر مستلزمات القبور. وتضمنت هذه الأغراض قارورتي عطر، على الأقل، مصنوعتين من الزجاج القاري: هما وعاءان مخروطيان، طولهما 41 سم، ويتراوح قطرهما بين 2،5 و5،5 سم، مصنوعان من زجاج عديم اللون بالغ الرقة سماكته 1 ملم. وإلى جانب هاتين القارورتين ثمة وعاء زجاجي أسطواني الشكل، عديم اللون، زاهي الزخرفة، طوله تقريباً 25 سم، وقطره 3 سم، وهو نموذج لم يسبق العثور على مثيل له من قبل في مختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية. ونموذج الوعاءين (القارورتين) هذين ضما على الأرجح زيوت مطيبة، كما جُهز نموذج الوعاء الأخير بعود طويل (لقياس العمق) يبلغ طوله 24 سم، صنع من حجر الجيت شبه الكريم (الذي استخرج من مقالع وجدت في المنطقة التي تعرف اليوم بـ"ويتباي" Whitby في يوركشاير).

كما كشفت أعمال البحث والتنقيب والتحليل أن رأس السيدة في القبر استراح على وسادة مُلئت بأوراق شجر الغار. ومن شبه المؤكد أن تكون أوراق الشجر المذكور استورِدت من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. وكشفت الأبحاث العلمية أيضاً أن حبوب الصنوبر والفستق استخدمت لتطييب الأجواء داخل تابوتها.

وفي السياق ذاته قال مايكل مارشال، الاختصاصي في الآثار الرومانية بمتحف لندن للآثار (MOLA)، المؤسسة التي ترعى اكتشاف وحفريات سبيتالفيلدس، إن "وجود هذه السيدة في مقبرة سبيتالفيلدس، يظهر أن لندن، حتى في أواخر حقبة بريطانيا الرومانية، كانت جزءاً لا يتجزأ من شبكات اقتصادية وسياسية ذات قيمة عالية". أضاف "الأشياء الموجودة في قبرها تظهر السبل التي كان علية القوم النخبوييون مثلها، الذين يتمتعون بقدرة واسعة على الحركة والتنقل، يستخدمونها لإبراز سلطانهم ورقيهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان تقرير مؤلف من 215 صفحة بالألوان، يتناول عمليات البحث والتنقيب التي دامت عقوداً في المقبرة، ويضيء على الهياكل العظمية وأغراض القبور التي عُثر عليها، نشر اليوم من قبل متحف لندن للآثار MOLA.
لكن أحد جوانب الأحجية الذي تبقى طي الغموض في هذا الاكتشاف، يتمثل في هوية السيدة ذات المقام العالي نفسها، المدفونة في سبيتالفيلدس. إذ إن ناووسها الحجري لا يضم أي كتابات تُعرف بها، وليس ثمة أي كتابات أخرى مرفقة بالضريح، ومن المرجح أن يكون شاهد قبرها سرق قبل قرون عديدة، ليكون واحداً من تلك الأحجار التي نهضت بعمائر لندن في القرون الوسطى، أو أدخِلت في دعائم سور المدينة في تلك الحقبة. بيد أن الأدلة الأثرية التي باتت بأيدي العلماء اليوم قد تكون كافية لتمكين المؤرخين من استكشاف عدد من الاحتمالات المتعلقة بهوية السيدة. إذ إن النمط الفاخر جداً لثيابها الجنائزية، والصباغ الأرجواني المرجح لثوبها، وناووسها الحجري، وأغراض قبرها المتميزة، وحقيقة نشأتها في روما، هي كلها أمور تشير إلى أن عائلتها كانت على الأرجح من مقام الأعيان أو الفرسان. فقبرها هذا من دون منازع، يمثل القبر الأرفع مقاماً بين القبور التي عثر عليها في لندن الرومانية. كما أن عدد أفراد هذه النخبة الرومانية التي تنتمي إليها السيدة، كان محدودًا جداً خلال الحقبة الرومانية الأخيرة في لندن. لذا فإنه من الممكن أن تكون المرأة إما زوجة حاكم "فلافيا القيصرية" Flavia Caesariensis (المنطقة البريطانية التي تضم اليوم "ميدلاندز الإنجليزية" English Midlands، و"شرق أنجليا" East Anglia، و"جنوب إنجلترا" Southern England، إلى شمال نهر التايمز) أو، ربما، زوجة أحد القادة العامين لبريطانيا الرومانية (الذي كان يطلق عليه لقب "فيكاريوس بريطانياروم" vicarious Britanniarum، أي الحاكم العام الروماني في بريطانيا).

وتُظهر أنماط الأغراض التي عثر عليها في القبر، وغيرها من الأدلة، أن السيدة توفيت على وجه التحديد في العقد الرابع أو الخامس بعد سنة 360 ميلادية. وبالنسبة إلى حكام بريطانيا العامين في ذلك الوقت، الذين يبلغون نحو عشرة أو أكثر قليلاً، فإننا لم نتوصل إلا إلى أربعة أسماء منهم. أما زوجات أولئك الحكام من منتصف القرن الرابع إلى نهايته في بريطانيا الرومانية، فأسماؤهم تكاد تكون مجهولة.

ومن نساء هذه الحقبة، ثمة سيدة تدعى ناميا بودينتيلا، وهي تمثل نمط شخصيات النساء التي تزوجها حكام بريطانيا الرومان. وزوج ناميا، فلافيوس سانكتوس، تزوج امرأة من النبلاء من عائلة أعيان. وكان سانكتوس هذا حاكماً لبريطانيا في منتصف القرن الرابع. واليوم تمكن علماء الآثار والمؤرخون من جمع الشذرات المبعثرة لقصة حياة سيدة سبيتالفيلدس.

وتقول القصة إنها ولدت على الأرجح (ونشأت بالتأكيد) في روما في منتصف القرن الرابع الميلادي، وعانت في سن الرابعة أو الخامسة، ولفترة قصيرة (لكن على نحو جدي)، من مرض أدى مؤقتاً لإيقاف نمو ميناء أسنانها (الأمر الذي اكتشفه وحدده علماء الآثار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المرجح أن يكون خطيبها الذي يفترض أنه من علية القوم أيضاً، قد تزوجها وهي في منتصف سن المراهقة، ويرجح أنه كان يكبرها بضعف عمرها. وبدا أنها رافقته إلى لندن (إذ يرجح أنه عين في مركز حكومي مرموق هناك، ربما منصب حاكم أو "فيكاريوس" بريطانيا).
لكن، بعد سنتين أو ثلاث من وصولها إلى عاصمة بريطانيا الرومانية (لندن)، كما يُفترض، توفيت وهي تلد طفلًا كما يُعتقد (أو جراء واحد من الأمراض التي كانت شائعة آنذاك، مثل مرض السل أو التيفوئيد، أو الكوليرا، أو الحمى القرمزية). ومن المحتمل أن تكون وفاتها حصلت في الربع الأخير من القرن الرابع، أو ربما حتى في العقد الأول من القرن الخامس.
وهذه الفترة كانت محورية في تاريخ بريطانيا، كونها مثلت مساراً لنهاية الحكم الروماني لبريطانيا سنة 410 ميلادية. وقد انهارت حينذاك في بريطانيا الحكومة الرومانية قبل عدة أجيال من تمدد انهيارها إلى غرب أوروبا القارية. حيث أسهم ذاك الفارق الزمني بدوره في تشكيل التاريخ البريطاني والإنجليزي، على نحو مختلف عن ما حصل في باقي أنحاء القارة الأوروبية.

والأسماء الآتية، هم من بين الحكام واللاعبين السياسيين الآخرين الذين ربما تكون سيدة سبيتالفيلدس زوجة أحدهم:

أليبيوس الانطاكي، حاكم بريطانيا من عام 361 تقريباً إلى عام 363. أسهم في إعادة الوثنية مؤقتاً إلى الإمبراطورية الرومانية.

سيفيلوس، حاكم بريطانيا في سنة 369 تقريباً، الذي طهر بريطانيا مؤقتاً من المجتاحين البرابرة.

كريسانثوس حاكم بريطانيا، الذي كان حاكماً رومانياً في إيطاليا قبل إرساله إلى لندن.

فيكتورينوس، حاكم بريطانيا الذي قد يكون فعلاً الحاكم الأخير الذي عينه الرومان على عرش بريطانيا.

يبقى مرشح محتمل آخر في أن يكون زوج سيدة سبيتالفيلدس، وهو واحد من الشخصيات الأربع في بريطانيا، الذين أعلن كل واحد منهم نفسه إمبراطوراً على البلاد إبان حقبة الفوضى بين العامين 383 و407 ميلادي.       

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات