Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اعتاد أردوغان التخلي عن حلفائه؟

رغبة في مزيد من السلطة تقوم على تنحية أي منافس محتمل

اتهم رجب طيب أردوغان حليفه السياسي السابق فتح الله غولن بتدبير انقلاب ضده عام 2016 (أ ف ب)

في أواخر أبريل (نيسان) 2016، وبينما كان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في رحلة عمل إلى قطر، أصدرت اللجنة التنفيذية لدى حزب العدالة والتنمية، بإيعاز من الرئيس رجب طيب أردوغان، قراراً بإلغاء صلاحيته في تعيين مسؤولي الحزب في الأقاليم، وهو ما يعد انتقاصاً من سلطاته. ولم تمر أيام، حتى أعلن أوغلو أنه لن يرشح نفسه في انتخابات رئاسة الحزب التي أجريت في مايو (أيار) من العام نفسه، ليرحل أيضاً عن رئاسة الوزراء بعد انتخاب رئيس جديد للحزب الحاكم. 

الخلاف بين أردوغان وأوغلو يعود إلى سنوات ماضية، وربما منذ فوز الأول بالرئاسة عام 2014، حيث كان وقتها الثاني رئيساً لحزب العدالة والتنمية ورئيساً للوزراء. وهناك العديد من التقارير الصحافية السابقة التي تحدثت عن العلاقة المضطربة بينهما نتيجة اختلافات الرؤى السياسية أو اختلاف الشخصيتين، وإن كانت أيديولوجيا واحدة تجمع الرجلين. لكن إبعاد أوغلو عن الحزب الحاكم، لم يكن المرة الأولى التي يقوم فيها أردوغان بالانقلاب على أحد أقرب حلفائه السياسيين. 

حركة غولن

قبل ذلك بسنوات قليلة، انقلب أردوغان ضد أتباع حركة رجل الدين التركي فتح الله غولن، حليفه السياسي السابق الذي ساعده في الوصول إلى السلطة وتوطيد شعبية حزب العدالة والتنمية. وفي عام 2014، أقر البرلمان التركي بأغلبية من أعضاء الحزب الحاكم، قانوناً يقضي بإغلاق آلاف المدارس التي تديرها جماعة "خدمة" التابعة لغولن.

ليس ذلك فحسب، فعندما وقعت محاولة الانقلاب العسكري، المزعومة، في 15 يوليو (تموز) 2016، اتهم أردوغان حليفه السابق المقيم في الولايات المتحدة، بالتآمر لتدبيره ضده، وقام بعد ذلك بإغلاق مئات من المؤسسات التعليمية التابعة لـ"خدمة"، وأقال آلاف المعلمين وقبضت أجهزة الأمن التركية على عشرات الآلاف من الأكاديميين والصحافيين والعسكريين والسياسيين بزعم ارتباطهم بجماعة غولن أو المشاركة في المؤامرة المزعومة. 

إضافة إلى اتهامه بتدبير الانقلاب، اتهمت الحكومة التركية غولن عام 2013 بالتآمر لتدبير فضيحة فساد لتشويه سمعة أردوغان. وتزعم أنقرة أن المدارس التابعة لغولن جزء من شبكة سرية استخدمتها حركته لبناء معاقل والتغلغل في المؤسسات ومحاولة إنشاء دولة موازية. 

وقبل ذلك، انقلب أردوغان على أستاذه نجم الدين أربكان، عندما انشق عن حزب الرفاه الإسلامي، في التسعينيات وذهب لتأسيس حزب العدالة والتنمية.

الصراع على السلطة

القاسم المشترك بين ما سبق من تحولات شهدتها سيرة أردوغان السياسية، هو الرغبة الجامحة في مزيد من السلطة مع تنحية أي منافس محتمل. فأردوغان، 66 عاماً، يعتبره المراقبون واحداً من أكثر السياسيين الموهوبين الذين عرفتهم تركيا على الإطلاق، حيث صعد من حي فقير في إسطنبول إلى أعالي السلطة، ونجح في ما فشل الآخرون في هدمه من نظام الحكم الطبقي الصارم في تركيا وإبعاد الجيش عن الحياة السياسية. 

بالنسبة إلى أوغلو، فإن الاهتمام الدولي الذي حظي به أثار غضب أردوغان، كما أن الأخير لم يكن يقبل أي معارضة لسياساته الداخلية. وتحدث العديد من المراقبين الأتراك عن أن "أردوغان كان يشك بشدة في مساعي أوغلو الحصول على مصداقية دولية من خلال تعاملاته مع الاتحاد الأوروبي ومحاولاته للقاء باراك أوباما (الرئيس الأميركي الأسبق)". كما كان معروفاً أن أوغلو أقل حماسة تجاه طموحات أردوغان الخاصة بتحويل تركيا إلى نظام رئاسي، الأمر الذي يعني استحواذ الأخير على سلطات واسعة، وهو ما تم بموجب التعديلات الدستورية المثيرة للجدل التي مُررت عام 2018، مقابل تقويض سلطة رئيس الوزراء، الذي كان يعتبر بموجب الدستور أقوى منصب.

وبحسب عمر تاسبينار، الخبير في شؤون تركيا لدى "معهد بروكينغز" للأبحاث السياسية في واشنطن، فإنه "لا يوجد انقسام أيديولوجي كبير بين أردوغان وأوغلو"، مشيراً إلى أن الخلاف الذي دب بينهم قبل سنوات ماضية هو "صراع على السلطة"، حيث عمل الأول من أجل الولاء والدعم الكاملين لسلطته الرئاسية، في حين أظهر الثاني مقاومة طفيفة من أجل الحفاظ على الضوابط والتوازنات لحماية دوره كرئيس للوزراء وقتها. 

ووفقاً لجونتر سيوفيرت، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، الذي نشر دراسة عن "خدمة"، فإن الحركة التي يقودها غولن تتمتع بسمعة طيبة، لا سيما في الولايات المتحدة "لأنه يُنظر إليها على أنها تيار إصلاحي في الإسلام يدعم التعليم العلماني والحوار بين الأديان". 

وهناك الملايين من أتباع غولن في جميع أنحاء العالم. ووفق تقارير صحافية، فإن ألمانيا وحدها تضم نحو 300 ناد وما لا يقل عن 12 مدرسة خاصة تروج تعاليمه.

ويقول الباحث الألماني، إن حركة غولن استهدفت خلال السنوات الماضية إضعاف الحكومة الإسلامية المحافظة بقيادة أردوغان، لأنها شعرت بالتهديد منها، ومن ثم فإن التعاون الذي جمع بينهما في الماضي من أجل إضعاف النخبة ذات التوجه العلماني في البلاد، تحول إلى صراع محتدم على السلطة بين المعسكرين. ومنذ عام 2013 أو ربما قبل ذلك بسنوات قليلة، بدأ أردوغان في تطهير مؤسسات الشرطة والقضاء من أتباع غولن عبر عمليات اعتقال أو إقالة. 

افتراق وانتقام 

وفي تصريح خاص قال أيكان إردمير، العضو السابق في البرلمان التركي والمدير الحالي لبرنامج تركيا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مركز أبحاث سياسية في واشنطن، إن "أردوغان جمع طوال حياته المهنية بين الحماسة الأيديولوجية للإسلاموية والبراغماتية التي تهدف إلى تحقيق القوة الشخصية والثروة. فعلى مدى العقدين الماضيين، لم يفترق أردوغان عن العديد من حلفائه فحسب، بل طاردهم بهدف الانتقام أيضاً".

ولطالما قدم أردوغان تركيا نموذجاً للديمقراطية الإسلامية، لكنه بات يهاجم مؤسساتها بضراوة في سعيه لتوطيد سلطته. وتقول تقارير منظمات حقوق الإنسان، إنه استغل سلطاته لسجن المعارضين السياسيين، بما في ذلك تسعة أعضاء من البرلمان الكردي وعشرات من مسؤولي الحزب الكردي، فضلاً عن 70 ألف طالب وناشط وعشرات الآلاف من أفراد الجيش والموظفين العامين، وحظر المظاهرات، في حين يخضع الوصول إلى التلفزيون الوطني لرقابة شديدة.

ومن غير المفاجئ أن مؤشر "وورد برس" لحرية الصحافة لعام 2018 وضع أنقرة في المرتبة 157 من بين 180 دولة حيث تأتي بعد رواندا، فثلث الصحافيين المسجونين في العالم، معتقلون في تركيا. كما أُغلق أكثر من 180 وسيلة إعلامية وفقدان ما يزيد على 2500 صحافي وعاملين آخرين في الإعلام لوظائفهم.

وفي سنواته الأولى كرئيس للوزراء، حقق أردوغان تقدماً اقتصادياً كبيراً، ومع ارتفاع الدخل بشكل حاد ارتفعت شعبيته كذلك. لكن منتقديه- وحتى بعض المعجبين به- يقولون إنه انغمس في محاربة أعدائه، الحقيقيين والمتصورين، لدرجة أنه ضل طريقه حتى أصبح مشتتاً بسبب أوهام "العظمة الإمبراطورية" وألحق أضراراً بالغة بالمؤسسات الضرورية لديمقراطية فاعلة.

عناصر الإخوان

ربما لا يستثنى من ذلك استضافة تركيا لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية في العديد من الدول العربية، ممن فروا من مصر منذ سقوط حكم الجماعة عام 2013. وتمتع كثير من أولئك الفارين بحماية أردوغان الذي لم يتوان في إعلان دعمه ودفاعه عنهم في مقابل هجومه على الحكومة المصرية، وتكرر رفعه إشارة رابعة، التي اتخذها عناصر الجماعة رمزاً لهم بعد تفريق المتظاهرين الذين كانوا يعتصمون في مسجد رابعة العدوية في القاهرة احتجاجاً على عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من منصبه في 3 يوليو 2013. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن، في الأسبوع الماضي، أفادت تقارير صحافية بأن تركيا قبضت على نحو 23 من عناصر الجماعة المقيمين فيها لتواصلهم مع دول أخرى لتأمين ملاذات آمنة لهم بالتنسيق مع التنظيم الدولي للإخوان ومن دون استشارة الحكومة التركية. ورفضت طلب آخرين بمنحهم الجنسية. 

ويعتقد بعض المراقبين أن الرئيس التركي ربما يحاول استخدام تلك العناصر المطلوب بعضها من قبل السلطات المصرية في استرضاء القاهرة أو بعض دول المنطقة بعد سنوات من العداء، خصوصاً أنه يواجه عزلة إقليمية لا سيما في سعيه للحصول على حصة من غاز شرق المتوسط وسط أزمة اقتصادية كبيرة في الداخل.  

وقال النائب التركي السابق، إنه "بالنظر إلى مصير حلفائه السابقين، يمكن للمرء أن يجادل بأنه من الآمن أن تكون معارضاً لأردوغان من أن تكون حليفاً له. لذلك، من الممكن أيضاً أن يدير ظهره لبعض حلفائه من الإخوان المسلمين، على الرغم من أنه لن يتخلى أبداً عن نظرته الإسلامية". ويشير في هذا الصدد إلى سعي أردوغان بالفعل لإعادة تفسير علامة رابعة، حيث يدعي الآن أن لا علاقة لها بالإخوان المسلمين، لكنها ترمز إلى أمة واحدة وعلم واحد ووطن واحد ودولة واحدة.

التودد للقوميين

ويقول إرديمير "تزامن هذا التخلي عن إشارة رابعة مع ابتعاد أردوغان عن بعض حلفائه الإسلاميين لصالح القوميين المتطرفين في تركيا". ويضيف "كما يوضح هذا التحول، فإنه عندما يتعلق الأمر بمصالحه الشخصية، فقد أثبت أردوغان أنه مرن للغاية ليس فقط في اختياره الحلفاء التكتيكيين، ولكن في تفسيره للأيديولوجيا الإسلاموية أيضاً. لن يكون مفاجئاً أن يتخلى عن بعض حلفائه من الإخوان المسلمين إذا شعر أنهم لم يعودوا يخدمون مصالحه الشخصية". 

وعلى الصعيد السياسي الداخلي، يواجه أردوغان ضعفاً في مقابل خصومه السياسيين، فبعد ما أثار حفيظة الجزء الأكبر من أكراد تركيا والليبراليين، وقوض دعائم قاعدته المتدينة قديمة العهد، ازداد اعتماده على القومية المجردة للبقاء في الحكم. ويستخدم الرئيس التركي خطابات قومية مثيرة عندما يتحدث عن جيرانه مستخدماً في ذلك الخطة التوسعية "الوطن الأزرق"، التي يسوق لها مع رجال حكومته بين القوميين الأتراك. 

ويضع مبدأ "الوطن الأزرق" أهدافاً للسيطرة التركية ترتكز على جانبين، يتعلق الأول بمصادر الطاقة، وهي البحار الثلاثة التي تحيط بتركيا، البحر المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، بينما الجانب الثاني إستراتيجي، ويشمل البحر الأحمر وبحر قزوين وبحر العرب، بما في ذلك الخليج العربي. ويعتمد تنفيذ هذه الإستراتيجية على الهيمنة البحرية التركية في هذه المناطق، بما في ذلك السيطرة على مكامن النفط والغاز. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات