Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع مستوى التحدي وحسابات الربح والخسارة في الصراع بين أردوغان وصهره

سلسلة التغييرات التي أجراها الرئيس التركي أتت مدفوعة بالرغبة في الحد من النزف في الشعبية الانتخابية

أشارت التقارير التي قُدمت لأردوغان إلى أن حزبه خسر 3 في المئة من الأصوات في أكتوبر (أ ف ب)

تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول هزيمة سياسية له عندما فاز أكرم إمام أوغلو في انتخابات بلدية اسطنبول، لكنه واجه الصدمة الأولى في حياته السياسية عندما استقال صهره بيرات ألبَيْرَقْ، الذي كان وزيراً للخزانة والمالية، "بسبب مشاكل صحية".

والحقيقة أنه لم تكن هناك مشكلة صحية في واقع الأمر. وللأسف، لم تستطع وسائل الإعلام التركية نشر خبر الاستقالة لمدة 24 ساعة، لأنها كانت تخشى الرئيس. وبطبيعة الحال لم يطلع الرأي العام التركي على هذا الحدث المهم، إلا من خلال وسائل الإعلام العالمية.

فمن هو بيرات ألبيرق الذي صَدم أردوغان بل وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم؟ وما نوع المعلومات والأسرار في حوزته والتي تكفي لتصيب أردوغان بهذه الصدمة؟ هذان هما السؤالان المهمان اللذان بدأ الجميع يبحث عن جواب شافٍ لهما.


صداقة قديمة

بادئ ذي بدء، يستمد ألبيرق سمعته وقوته من والده صادق ألبيرق الذي تعود صداقته القوية مع أردوغان إلى حوالي 40 سنة خلت.

وكان صادق ألبيرق من الشخصيات البارزة في صفوف الإسلاميين، بخاصة في الثمانينات والتسعينات، ويعتبر نفسه في طليعة منظّري الإسلام السياسي في تركيا. ولكن بسبب موقفه المتغطرس هذا، كان الصحافيون والكتاب في الحقل الإسلامي ينظرون إليه نظرة سلبية.


صعود سريع

وتطورت هذه الصداقة بين صادق ألبيرق وأردوغان إلى مصاهرة فَتحت الأبواب لبيرات ألبيرق على مصراعيها، بخاصة بعدما تزوج إسراء ابنة الرئيس أردوغان. ولم تكن الأنظار لتتوجه إليه إلا بعد هذا الزواج "الميمون".

وإلى جانب المعلومات الصحافية، تيسر لي الاطلاع على جوانب من حياة بيرات من خلال صديق لي كان يعمل معه في الشركة ذاتها، فروى لي قصة صعوده السريع في سلم الشركة التي التحق بها موظفاً في قسم الإعلان والتسويق الخارجي.

ولم تمض سنة ونصف السنة على ذلك، حتى ساعدته مصاهرته لأردوغان على أن يحقق صعوداً صاروخياً في الشركة ويتقلد منصب رئيسها التنفيذي. وذلك على الرغم من أنه لم يحقق نجاحاً جاداً في الشركة، ولم يكن يملك خبرة ومعرفة سابقة بالاقتصاد سوى شهادة الماجستير الذي حصل عليها في أميركا.
 

سيطرة إعلامية

وخلال الفترة ذاتها، وبدعم قوي من أردوغان، تم تعيين شقيقه سَرهات ألبيرق، وصياً على المؤسسات الإعلامية، بما فيها شركات التوزيع والإعلانات. وأصبحت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة رهن إشارته في كل ما تنتجه وتنشره.

ثم أنشأ سرهات ألبيرق فريقاً مختصاً بشؤون وسائل التواصل الاجتماعي، يتشكل من متصدين اشتهروا فيما بعد بفريق بيليكان (Pelikan) أي البجع، استطاع من خلالهم السيطرة والضغط على شخصيات بارزة ومهمة من خلال الابتزاز على وسائل التواصل.

جدير بالذكر أن هذا الفريق الذي شكله الأَخوان بيرات وسرهات ألبيرق، هو الذي أطاح بأحمد داود أوغلو من رئاسة الوزراء، بعدما لوحظ أنه يسعى إلى الاستقلالية في صفوف حزب "العدالة والتنمية".
 

تراكم الفشل
 

ولنعد إلى الحديث عن الصهر بيرات ألبيرق، الذي دخل البرلمان من باب حزب "العدالة والتنمية". وفي تلك الفترة عُيِّن وزيراً للطاقة والموارد الطبيعية في الحكومة التي كان يرأسها أحمد داوود أوغلو في عام 2014.

وتم تفسير هذا على أن أردوغان اختار صهره بيرات "ولياً للعهد" بدلاً من ابنه بلال الذي قام بتنحيته من المجال السياسي.

علماً أنه بعدما تحول النظام في تركيا إلى رئاسي، طلب بيرات من أردوغان أن يوليه وزارة الخزانة والمالية، ولم يمانع الأخير.

ولعل السبب في ذلك هو أنه كان يحمل مشاعر سلبية تجاه وزير الاقتصاد السابق علي باباجان الذي كان يحظى بسمعة طيبة بين الناس وتنظر إليه الجماهير على أنه العقل المدبر خلف النجاحات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية في بداياته.

وكان الصهر يظن في نفسه أنه إذا تقلد هذا المنصب فسيدير الاقتصاد بشكل أفضل من باباجان ويطمس سمعته الطيبة. لكنه فشل فشلاً ذريعاً بسبب مغامرته التي قضت على طموحاته المستقبلية. وكان ذلك القرار أكبر خطأ استراتيجي ارتكبه بيرات ألبيرق في حياته السياسية.

ولو أنه تولى منصب نائب الرئيس أو وزارة الخارجية، لتجنَّب مخاطر عدة واختار طريقاً سهلاً يوصله إلى أهدافه السياسية. إذ كان شقيقه سرهات يستحوذ بالفعل على 95 في المئة من وسائل الإعلام، فكان يمكن أن يحصل على ما يحتاجه من الترويج والدعاية دون عوائق. ولكن ذلك لم يتحقق، وفشل في الملف الاقتصادي، فارتفع الدولار خلال فترة وزارته بنسبة 87 في المئة مقابل الليرة التركية، بينما ارتفع التضخم بنسبة 33 في المئة.

وارتفع سعر الدولار مقابل الليرة التركية، بعدما كان عند 4,53 ليرة تركية، في اليوم الذي تولى فيه منصبه، ليصل إلى 8،46 ليرة اعتباراً من يوم الجمعة 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وتسبب هذا الوضع في تدني شعبية حزب "العدالة والتنمية" بشكل ملحوظ.

وأشارت التقارير التي قُدمت لأردوغان إلى أن حزبه خسر 3 في المئة من الأصوات في أكتوبر (تشرين الأول) وحده، فأدرك بالتالي أنه بحاجة إلى تغيير ما، ليس لإصلاح الاقتصاد، ولكن لوقف خسارة الأصوات.

وفي هذا إطار، أقال محافظ البنك المركزي مراد أُويْسال، وعيَّن مكانه ناجي أغبال الذي كان وزيراً. ويُعرف أن مراد أويسال المُقال صديقٌ مقرب جداً من بيرات ألبيرق، في حين أن ناجي أغبال هو من الذين يختلف معهم ألبيرق.

وبطبيعة الحال عندما أُجرِيتْ هذه التغييرات دون علمٍ من بيرات، انزعج بشدة واستقال واختفى عن الأنظار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بروز الخلافات

ولم يكن أردوغان يتوقع الاستقالة بهذه الطريقة ما جعله مصدوماً ومندهشاً، فهذه هي المرة الأولى التي تطفو فيها الخلافات في أسرته وحزبه على السطح بهذا الحجم.

كما كان لافتاً تعيينه لطفي ألفان وزيراً للمالية والخزانة مكان بيرات الذي كان على خلاف معه.

وبينما تقف السيدة الأولى أمينة وابنتها إسراء إلى جانب بيرات ألبيرق في الوقت الحالي، لا يزال أعضاء حزب العدالة والتنمية يعانون من تبعات الصدمة.

ومن الجدير بالذكر أن وزير الداخلية سليمان صويلو هو أحد أكثر أعضاء الحزب الذين سُعدوا بهذه الاستقالة. فالخلاف بينه وبين بيرات، عميق ويُرجعه البعض إلى أن صويلو كان أول من لَفَتَ نظر أردوغان إلى أن صهره متورط في علاقة حب ممنوعة مع امرأة أخرى غير زوجته.

وبالفعل، يتسابق فريقان مواليان للرجلين على زرع رجالهما في المواقع المهمة في كل من الحزب والدولة.

ويُعرَف سليمان صويلو أيضاً بأنه ممثل الدولة العميقة في الحزب.

ومَن أراد المزيد من المعلومات حول الخلاف بينهما فله أن يراجع مقالي المنشور بتاريخ 8 يونيو (حزيران) الماضي، بعنوان "الأزمة الثانية في حزب العدالة والتنمية".

جانب إيجابي

إلا أن لهذه الاستقالة جانب إيجابي لتركيا، حيث إن الدعوى القضائية الجارية في أميركا بشأن بنك "هَالْكْ" تطال أسماء بارزة تركية من ضمنها بيرات البيرق وفريقه. وبالتالي أصبحت هذه التغييرات في صفوف الحكومة والمناصب العليا في الدولة بمثابة رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن القادمة، مفادها "إننا نستطيع التعامل معكم في المرحلة المقبلة".

لكن قضية بنك "هَالْكْ" لن تَجد حلاً لدى الأميركيين بمجرد اتخاذ خطوات رمزية، بل أن القضية، حسب أصدقائي الذين تابعوا كل جلسات المحاكمة في الولايات المتحدة، تطال جرائم كبيرة على رأسها تسويق النفط الذي كانت "داعش" تبيعه في الأسواق، وغسيل الأموال الإيرانية، والتآمر مع مستشار الأمن القومي الأميركي السابق مايكل فلين مقابل رشاوي باهظة، من أجل نقل بعض معارضي أردوغان من الولايات المتحدة إلى تركيا بطرق غير قانونية. وبالتالي فلن يستطيع ألبيرق أن يتفلت بمجرد الاستقالة من منصب الوزارة، من عواقب هذه الجرائم التي تعتبرها القوانين الجنائية الأميركية بمثابة "تشكيل عصابة".

من جانب آخر، ألحقت هذه الاستقالة ضرراً كبيراً بسمعة حزب العدالة والتنمية الذي دخل الأجواء الانتخابية، وهو يفقد الأصوات باستمرار. كما أضرت بأردوغان الذي ظهر وكأن لا يستطيع السيطرة على أفراد أسرته.

نعم، لم يكن بيرات ألبيرق شخصية سياسية قوية، لكنه كان في الوقت نفسه صهر الرئيس أردوغان ويُعتَبَر وريثَه. ومن شبه المؤكد اجراء بعض التغييرات في الحكومة، لكنني واثق من أن ذلك سيكون مجرد تغيير شكلي.
كان بيرات هو الشخص الذي يسيّر شؤون أردوغان غير الرسمية ويعرف الكثير من أسراره الخطيرة، لذلك لن يغامر بشطبه بالكامل، بل أنا متأكد من أنه سيحاول إيجاد صيغة سلمية لهذا الوضع.

لكن هناك حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي أن الأيام المقبلة حبلى بتحديات عصيبة تنتظر أردوغان.

المزيد من الشرق الأوسط