Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصريون يطرقون أبواب الرزق بمشروعات متناهية الصغر لا مثيل لها

عربة فول وقعدة شاي وكشك سجاير... أبرز ما يلجأ إليه الباحثون عن حل لأزماتهم الاقتصادية

عربة فول في عرض الصحراء، نَصْــبِة "قعدة" شاي على الطريق الدائري في مصر، زجاجات مياه في إشارة المرور، حلة محشي تمضي من الطابق الثالث إلى الأول، سجائر وحلوى ومياه غازية اليوم في الدقي، وغداً في شبرا، وبعد غدٍ في لاظوغلي والسيدة زينب، وما خفي كان أعظم.

تصرفات الباحثين عن مخرج من شظف العيش مذهلة. أعظم ما في مشروعات المصريين متناهية الصغر جداً هو أنها غير متوقعة، لكن الطلب عليها مذهل كذلك. ففي الطريق إلى العاصمة الإدارية الجديدة، التي يُجرى تشييدها في الصحراء المتاخمة القاهرة، ستجد عشرات المشروعات الصغرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كانت المصارف ومؤسسات التمويل الصغيرة تفتَّق ذهنها عن مشروعات صغيرة وأخرى متناهية الصغر لتقديم يد العون لمن "لم يفتهم الميري" فقط، بل فشلوا في التمرغ في ترابه كذلك، فقد قرر كثيرون وكثيرات أن يمضوا قدماً، ويدشنوا مشروعات متناهية الصغر "جداً".

عربة فول

بقايا عربة خشبية بعجلتين مطلية باللون الأحمر، وعليها عبارات استفتاحية تتراوح بين روحانيات "كل فول وصلي على الرسول"، وكلاسيكيات "لو خلص الفول أنا مش مسئول"، وكوميديا واقعية تشير إلى أن القادم بصدد تناول طبق فول بالخلطة من "فول وفلافل العاصمة".

محمد سليمان، 38 عاماً، صاحب العربة،  قريبٌ لأحد عمال البناء الكثيرين، الذين يشاركون في تشييد مباني العاصمة الجديدة. ولأنه ليس عامل بناء، أو سائق خلاط أسمنت، ولا يتقن سوى عمل الفول والفلافل، فقد وجد في بقايا عربة خشبية فرصة ذهبية. أشار عليه قريبه بفكرة مشروع عربة الفول الصغيرة في هذا المكان غير المعتاد بعد دراسة جدوى سريعة، لكن مجدية.

يقول سليمان: "حين جئت مع قريبي أول مرة قبل نحو عام، كان المكان خالياً تماماً من مصادر بيع المأكولات. صحيحٌ أن بعض الشركات توفر وجبات طعام لعمالها، لكن غالبية العمال الصغار الغلابة يعتمدون على شراء الأطعمة في طريقهم إلى مكان العمل. لذلك أقبل الجميع على ما أقدمه إقبالاً منقطع النظير".

اليوم، يمكن للزائر أن يلحظَ عدداً من المشروعات متناهية الصغر الشبيهة، لكن ما زالت عربة سليمان صاحبة الريادة، حتى إن أطباقه الشهيّة وخلطاته السريّة أدت إلى اتساع قاعدته الجماهيرية، فتجد مهندسين جنباً إلى جنب مع العمال البسطاء، والجميع ملتف حول طبق فول على عربة متهالكة.

سيدة المحشي

العربات المتهالكة ليست السبيل الوحيد لإقامة المشروعات الصغيرة لدرجة عدم إمكانية تمويلها بقرض من البنك، أو دعم من جمعية أهلية.

"حلة وبوتاجاز وأنبوبة غاز وما علمته إياي أمي وحماتي"، هذا هو رأسمال سماح النني، 44 عاماً، والملقبة بـ"سيدة المحشي"، حيث تقطن في منطقة على مشارف محافظة الجيزة اسمها بشتيل.

بدأت النني مشروعها الصغير جدا بحللها (آنية الطبخ) وموقدها. ولأنها معروفة في الأسرة بالمحشي والممبار وكفتة الأرز وغيرها من الأكلات، فقد اقترحت عليها إحدى جاراتها أن ترفع دخل أسرتها بعدما توفي زوجها العامل فجأة، ووجدت أن معاشه الشهري لا يكفي لإعاشتها وأطفالها.

تسويق شفهي

تعتمد النني في الدعاية لما تطهيه على التسويق الشفهي. تقول: "إن عدداً من جاراتها تعملن في تنظيف البيوت لدى أسر ميسورة الحال نسبياً، بالإضافة إلى الأسر العاملة، التي تعتمد سيداتها على الأكل الجاهز المُكلِف"، تضيف: "أتعامل مع نحو 20 سيدة تطلبن مني تجهيز وجبات أسبوعية، وتقوم جاراتي بتوصيل الأطعمة لهن، حيث يعملن في تنظيف هذه البيوت مقابل عشر جنيهات للتوصيل. وأحياناً أتلقى طلبات بتجهيز كمية أكبر من الطعام للعزائم، ولكنها باتت قليلة جداً، لأن الجميع مشغول والأوضاع الاقتصادية لم تعد تسمح بالكثير من العزائم".

قعدة شاي

جموع السائقين الملتفة حول غلاية مياه وأكواب شاي وقهوة مرصوصة على رصيف مواجه لمطعم هنا أو فندق هناك أصبحت مشهداً معتاداً ومعروفاً في مصر، وغالباً يقرر "السايس" (المسؤول عن انتظار السيارات) التقاعد في منطقة عمله الحيوية والمزدحمة، فيشتري غلاية ماء وكميات من الشاي والبن، وربما بضعة عبوات من المأكولات السريعة لزوم تمضية ساعات الانتظار.

"ساعات الانتظار أحياناً تطول لخمس ساعات، وهو ما يستدعي تناول كوب من الشاي أو القهوة ووجبة سريعة خفيفة، وهو ما أقدمه هنا". هنا منطقة متاخمة لأحد المطاعم العائمة في منطقة الزمالك في القاهرة. والمتحدث هو السايس المتقاعد مصطفى إمام، 67 عاماً، وصاحب الغلاية الشهيرة ملتقى سائقي رجال الأعمال ومرتادي المطعم.

الطريف هو أن إمام يعترف أنه لا يحتاج إلى دخل إضافي، إذ إنها "مستورة، ولله الحمد" كما يقر. لكن "قعدة البيت صعبة وها أنا أسلي وقتي، لا سيما بعدما تزوَّج الأبناء والبنات، ولم يعد في البيت سوى الزوجة كبيرة السن".

غسيل السيارات

لكن الزوجة مع المرض هما ما يدفعان "زينهم. م"، 48 عاماً، الذي كان يعمل سائقاً لدى أسرة ميسورة الحال، ثم أصيب في حادث سير ما منعه من معاودة القيادة. دائرة معارف زينهم ومهاراته تنحصر في عالم السيارات، وما غسيل السيارات وتلميعها من الداخل إلا جزءٌ لا يتجزأ من هذا العالم. تمركز زينهم في جراج أسفل العمارة، التي يعمل فيها رب الأسرة التي كان سائقاً لها، العمارة عامرة بالشركات ومكاتب المحامين والمهندسين وعملائهم، وكلٌّ يأتي إلى المكان بسيارته.

يقول: "أقدم خدمة تنظيف السيارة من الخارج فقط، أو الداخل فقط، أو كليهما أثناء ساعات العمل لأصحاب الشركات والمكاتب والعاملين فيها وعملائهم. أعمل وحدي، ورأسمالي دلو ومنظفات وأقمشة للتنظيف. والعائد جيد والحمد لله".

جودة العائد والرضا به تتراوح من شخص إلى آخر. فهناك من يعتبره كافياً ومؤدياً للغرض من وراء مشروع متناهي الصغر، وهناك من يعتبره نقطة بداية لمشروع أكبر قليلاً.

حفظ المقتنيات

 محل السوبر ماركت المواجه لإحدى السفارات في القاهرة وجد العاملون فيه أفكاراً عدة لتنمية الدخل، إضافة إلى الربح الذي يحققه من مبيعات المشروبات الغازية ومنتجات البقالة وغيرها. ولأن دخول السفارة بالهواتف المحمولة والحواسب الآلية الصغيرة ومشتقاتها ممنوع، فقد ابتدع العاملون خدمة ترك هذه المقتنيات من قبل طالبي التأشيرات في مقابل بضعة جنيهات.

كشك سجائر

شرائح المصريين المبتدعين لمشروعات متناهية الصغر ربما تكون مقتصرة على أولئك القابعين على أو أسفل خط الفقر، لكنها بكل تأكيد تعكس أفكاراً مبدعة، حتى وإن كان "كشك السجائر والحلوى"، الذي لم يعد مجرد بناء خشبي محدد المقاسات معروف الأغراض. لكنه شهد في السنوات الأخيرة، تطورات وتغيرات لم تكن على البال. وكم من كشك خشبي صغير حوَّلته السنوات الثماني الماضية إلى مجمع أكشاك، وأشباه أكشاك منشطرة عن الكشك الأم.

المترددون على شارع الميرغني في مصر الجديدة يعرفون جيداً مجمعات الأكشاك التي خرج أغلبها من رحم كشك واحد. أحد أكبر هذه التجمعات يهيمن على ناصية حيوية تشرف على عمارة تحوي مركزاً للأشعات، وآخر للتحاليل الطبية، وثالث لإجراء جراحات العيون السريعة. ولأن المراكز الثلاثة ترتادها المئات من المرضى وعائلاتهم يومياً، فقد تطور الكشك تطوراً يناسب هذه الحركة. الكشك الأصلي نجم عنه آخر متوسط الحجم، وثالث صغير ورابع في طور التكوين. هذا الرابع يشرف عليه ابن عم صاحب الكشك الأصلي -الذي رفض ذكر اسمه- لأنه "ما زال على باب الله".

يقول: "قدمت قبل أشهر من أسيوط بحثًا عن الرزق في القاهرة، وأتاح لي ابن عمي فرصة بيع ساندوتشات جبن وبيض مسلوق". وأنهى حديثه بقوله: "أنا على باب الله بمشروع لا يتجاوز رأسماله مئة جنيه".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات