Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرار لمجلس البصرة ينعش آمال الطامحين بجعلها اقليماً

في العام 1921 وقَّع الوجهاء والأعيان عريضة تطالب بالاستقلال السياسي ولكن وزير المستعمرات البريطانية ونستون تشرتشل رفض الطلب

مجلس محافظة البصرة في إحدى جلساته (اندبندنت عربية)

ما إن أصدر مجلس محافظة البصرة الذي يُعد أعلى سلطةٍ تشريعية ورقابية محلية قراراً رسمياً بالمضي قدماً في سبيل تحويل المحافظة اقليماً حتى عاد الجدل بشأن المشروع الى صدارة المشهد السياسي العراقي.

قرار مجلس المحافظة صدر خلال جلسة استثنائية، ونال موافقة 20 عضواً من أصل 35 عضواً، وإذا لاقى القرار استجابة الحكومة الاتحادية فإنه يمهد لتنظيم استفتاء جماهيري في المحافظة يؤدي الى جعلها اقليماً، في حال اكتسب المشروع تأييد ما لا يقل عن 50% من الناخبين. ولا يعني قرار المجلس تقديم طلب جديد الى الحكومة الاتحادية لتأسيس الاقليم، وانما المطالبة بتفعيل طلبين سابقين مجمَّدين بإرادة اتحادية منفردة، أحدهما يعود الى العام 2014، والآخر الى العام 2010.

تسبب قرار المجلس بحروب كلامية بين مؤيدين ومعارضين للمشروع. المعارضون يعتقدون أن تأسيس الاقليم يؤدي بالضرورة الى انفصال البصرة، وبالتالي تجزئة العراق وتقسيمه، بينما يرى المؤيدون أن الاقليم هو المخرج الدستوري والقانوني الوحيد من نفق المركزية المشددة، مع تأكيدهم أن الاقليم لا يعني الانفصال. وأنه يُمكِّن البصرة من التمتع بنصيبٍ عادل من خيراتها الوفيرة، فهي تنتج بحدود ثلاثة ملايين برميل يومياً من النفط الخام، لكنها لا تحصل إلا على نسبةٍ ضئيلة من عائدات تصدير النفط، وسكانها يُعانون استشراء ظاهرة البطالة، وتفاقم أزمة السكن، وضعفاُ مزمناً في الخدمات الأساسية.

محافظة أخرى على الطريق ذاته

وقد فتح قرار مجلس محافظة البصرة شهية محافظات أخرى لتأسيس أقاليم، منها محافظة ذي قار التي قال عضو مجلسها عبد الأمير سالم إن "طلباً قدمته الى رئاسة مجلس المحافظة للعمل من أجل إنشاء اقليم ذي قار أو الاتفاق مع محافظة البصرة على تأسيس اقليم الجنوب".

الحراك السياسي والجماهيري باتجاه مشروع الاقليم يتصاعد في البصرة بوتيرة متسارعة، فبعد شهرين على تأسيس (منتدى البيت البصري للثقافة الفيدرالية) الذي يضم العشرات من أنصار الاقليم، تم الاعلان قبل أيام قليلة عن انبثاق تجمع سياسي آخر تحت عنوان (رابطة اقليم البصرة)، وليس من المستبعد أن تشهد المحافظة خلال العام الحالي ظهور المزيد من الروابط الجماهيرية، والتجمعات السياسية التي تسعى الى تحقيق مشروع الاقليم.

وبحسب العضو المستقل في مجلس محافظة البصرة كريم شواك المالكي فإن "القوى السياسية أدركت أن المزاج العام في البصرة مع جعل المحافظة اقليماً، ولذلك بدأت بعض القوى السياسية التي لا تؤمن بالنظام الفيدرالي تركب الموجة من خلال اعلان تأييدها لمشروع الاقليم"، مبيناً أن "أكثر قادة الكتل السياسية في العراق لا يتمنون رؤية البصرة اقليماً، لكن معظمهم لا يجاهرون برفضهم، وبعضهم أظهر تأييداً محدوداً بقصد مجاملة البصريين".

وأشار المالكي الى أن "مجلس المحافظة عندما قرر تفعيل مشروع الاقليم فإنه فعل ذلك استجابة لضغوط جماهيرية متنامية، والمشروع، في حال نجاحه، يؤسس لتحويل محافظات أخرى الى أقاليم"، معتبراً أن "أهم عقبة تعترض المشروع هي أن العقلية السياسية العراقية لا تعترف بالفيدرالية على الرغم من أن العراق شهد بعد العام 2003 تشريع دستور وقوانين تُكرس التحول الى النظام الفيدرالي".

صلاحيات وامتيازات

وتفيد المادة (119) من الدستور العراقي بأن "لكل محافظةٍ أو أكثر الحق بتكوين اقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بإحدى الطريقتين: طلبٌ من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم، أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم". أما المادة (120) من الدستور فقد ثبتت حق الاقليم بوضع دستورٍ له بشرط ألا يتعارض مع الدستور الاتحادي، وتأسيس مجلس وزراء يحكم الاقليم، وإنشاء قوى أمنية لحماية الاقليم، وافتتاح مكاتب للإقليم في السفارات العراقية.

وفي ضوء المادتين الدستوريتين شرَّع مجلس النواب في العام 2008 (قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم)، والذي حدد بشكلٍ تفصيلي خطوات تأسيس الأقاليم ومراحلها، وجعل إرادة سكان المحافظة الفيصل في القبول أو الرفض. فلا اقليم ما لم يوافق عليه أكثر من نصف الناخبين في المحافظة خلال استفتاء حر تتولى تنظيمه بشفافية المفوضية العليا للانتخابات.

من جانبها، قالت عضو مجلس النواب عن البصرة زهرة حمزة البجاري إن "البصرة لا خيار أمامها للتخلص من الظلم والتهميش إلا أن تكون اقليماً"، مضيفة أن "البصرة تمتلك المؤهلات كافة لتكون اقليماً قوياً ضمن العراق الواحد، ولم تعد تتوافر مبررات واقعية لتأخير اجراءات تنفيذ المشروع، خاصة بعد تحرير المحافظات التي كانت محتلة من قبل تنظيم داعش".

عريضة تاريخية

ويرى مراقبون أن الشعور بالظلم الممزوج بإحساس عميق بالتفوق النسبي نتيجة وفرة الثروات، سيبقى يلهم الطامحين بتأسيس اقليم البصرة، وهو الدافع ذاته الذي شجع المئات من وجهاء البصرة وأعيانها في العام 1921 على توقيع وتقديم عريضة الى الحكومة البريطانية طالبوا فيها بمنح البصرة حكماً ذاتياً أقرب ما يكون الى الانفصال من الفيدرالية.

ومما جاء في العريضة التاريخية "لا يرغب أهالي البصرة في شيء غير الخير لأهالي العراق، ولا شيء أحب إليهم من أن يسيروا وإياهم جنباً الى جنب على اسلوب تعود منه الفائدة على الفريقين، وعلى العالم عموماً، ولكنهم يعتقدون بأنه لا يمكن الوصول الى هذه النتيجة إلا بمنح البصرة استقلالاً سياسياً"، وجاء الرد على العريضة من وزير المستعمرات ونستون تشرشل عندما قال ضمن خطاب في مجلس العموم البريطاني "طلب البعض منا فصل البصرة عن العراق، ولا نرى هذا الأمر ممكناً".

ويفيد الباحث السياسي النرويجي د. ريدر فسر في آخر صفحة من كتابه (البصرة وحلم الجمهورية الخليجية) الصادر عام 2008 في ألمانيا، بأن "الحركة الفاشلة لانفصال البصرة في العام 1921، بكل تعقيداتها وتخبطاتها، تظل ذات جدوى وأهمية الى حدٍ كبير، فهي تقدِّم العِبر والدروس "لإقليميي" الوقت الحاضر، وتوضح أن البصرة يجب أن يُسمع صوتها في حوارٍ يجري في الميادين العامة"، معتبراً أن "الدولة العراقية إذا أعيدت صياغتها ككيانات فيدرالية غير طائفية، فإن من شأن ذلك أن يساعد على إزالة بعض الضغوط المكثّفة عن مركز السلطة المنفرد في بغداد، ويقلل من إمكانات الصراع العنيف حول العاصمة المشتعلة في نظام مثقل بالمركزية".

 

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي