Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصرية هناء عطية تتوسل الحلم لكسر قسوة الواقع

"رمادي" رواية الشخصيات الملتبسة بين الحقيقي والزائف

السرد في المنطقة الكائنة بين الواقعي والخيالي (غيتي)

تقول الكاتبة المصرية هناء عطية أن أعمالها تقع دائماً في المنطقة الكائنة بين الواقعي والخيالي، فهي تستعير من الواقع بعض الشخصيات الحقيقية، أو المرجعية بلغة النقد، وتقوم بإعادة تأليفها، إضافة إلى الشخصيات المبتدَعة أو "الورقية"؛ بمصطلح جيرار جينيت، وهذا ما نراه في روايتها "رمادي"، الصادرة عن دار "بيت الياسمين" في القاهرة.

أولاً، عنوان الرواية معبر عن هذه المنطقة الأثيرة، الواقعة بين المتخيل والحقيقي؛ المنطقة "الرمادية" التي تجمع بين الأبيض والأسود، أو بين الخير والشر والصدق والكذب والإخلاص والخيانة. وقد انسحبت هذه الثنائيات على ما طرحته الكتابة من قضايا تأتي في مقدمتها ثورة يناير التي اخترقها الأدعياء والمتآمرون في مقابل مَن ضحوا بأرواحهم في سبيل أهدافها.

تقول الساردة؛ تعبيراً عن ذلك إنها ظلت تحدق في تلك السيدة التي رأتها في ميدان التحرير بعد أن كانت "دلوعة النظام ومؤسساته وعلاقتها الأخطبوطية بكل البلاد والأنظمة وغموضها وكتابتها الزائفة". وهي مجرد نموذج من نماذج كثيرة من المثقفين الذين امتنعوا عن النزول للميدان في أيام الثورة الأولى ثم "أصبحوا يتكلمون عن الكرامة"، بعد أن "امتلأت كروشهم من عطايا السلطة".

بين العام والذاتي

وهذه إحدى المناطق الرمادية التي جمعت بين الحقيقي والزائف في معترك الثورة التي كانت قادرة على الفرز في نهاية المطاف. ثم يأتي هذا الوصف صريحاً عند ذكر "سترات" جيل الستينيات؛ في إشارة إلى وقوف بعضهم على الحياد حين تقول "يقفز إلى رأسها أدباء الستينيات وهم يقفون في الميدان معاً. كانت تراهم وفوق أجسادهم سترات بلون واحد أقرب إلى الرمادي". حدث الثورة إذن هو الحدث الأكبر لكنه ليس الوحيد حيث يتداخل مع الأحداث الاجتماعية – العائلية تحديداً – والذاتية التي تخص الشخصية الرئيسة "ندى". واللافت هو ذلك التماثل بين الحدث الكبير والأحداث التي تدور في فلكه. فـ"ندى" التي تعاني من الكبت العاطفي والجنسي مع زوجها "محمود"، تتوازى مع كبت الحريات العامة الذي يعاني منه الجميع. تقول في ذلك، بضمير الغائب من خلال السارد الخارجي: "تفكر ندى في محمود، وكيف أصبح ذلك الجدار الهائل بينهما، وكيف حاولت أن تذيب ذلك الجليد وهي تدفع بجسدها إليه بلا جدوى؟ منذ كم من الأعوام كفَّ جسدها عن الرغبة؟ بل تشعر أحياناً أنه مفصول عنها. لا تشعر إلا بآلامه وعلل تلاحقت واحدة بعد أخرى عليه".

والحقيقة أن تيمة "الجسد المحروم المعتل" تعد مركزية، إذ افتتحت بها الساردة الرواية حين عرضت لمرض الأم التي "كانت ممددة هناك موصولة بالأنابيب وشاشة أعلى الفراش تفضح موتها الوشيك".

و"ندى" تعاني من عتامة عينيها التي تحول دون الرؤية الواضحة وتجعل الآخرين يبدون أمامها كالأشباح، والأمر نفسه – أمر الحرمان الجنسي – ينطبق على "علية" – صديقة "ندى" – بعد أن تركها زوجها ليرتمي في أحضان فتاة صغيرة.

كما نجد تيمة الظلم في علاقة "أحمد" والد "ندى" مع شقيقه "إبراهيم" الذي سلب كل مدخرات أخيه، و"راح يلهث وراء المشروعات التي ثارت حولها الشبهات بعد أن فاحت رائحتها". وتيمة "القهر" الذي تعرضت له الخالة "فتنة" على يد الجدة "زبيدة"؛ الأمر الذي جعل الأولى تبدو كالخادمة حتى "تبددت صحتها وتضخم كبدها وانتعشت آثار البلهارسيا في كل جسدها".

إيقاع سريع

هذه الحالات تتوازى مع حالات الظلم والقهر وتجريف الثقافة على المستوى العام. هذا التجريف الذي قام به شخص مثل "عبود" من خلال الأدوار الخفية التي منحتها السلطة له وتهميشه المغضوب عليهم وتلميع السفهاء والمنتفعين.

وكما ذكرنا، فإن الكاتبة تمزج بين الشخصيات الحقيقية والمتخيلة، ونجد ذلك حين تذكر: أنور كامل اليساري وصاحب مجلة "التطور" في الأربعينيات، وأحمد فؤاد نجم الشاعر الشهير، ومحسنة توفيق الفنانة المعروفة، وغيرهم كثيرون.

ولا شك في أن هذا التقاطع بين العام والخاص جعل حركة الأحداث متراوحة بين المستشفى – حيث ترقد الأم – والميدان بحشوده الثورية والبيت بأجوائه المقبضة، كما جعل إيقاع الأحداث سريعاً متنقلاً من مشهد إلى آخر، وربما يرجع ذلك إلى خبرة الكاتبة في كتابة السيناريو وما به من مونتاج وقطع مفاجئ ورصد المفارقات بين المستشفى – على سبيل المثال – وما بها من مرضى وموتى، والمقهى المجاور لها وما بها من مسرحيات كوميدية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويظل الحلم هو المنقذ الأساسي من كابوسية الواقع حين تحلم الساردة كثيراً بأنها "شجرة"، أو تحلم بأنها "شهرزاد تحكي بلغة غريبة لشهريار الذي كان يرتدي قناعاً أيضاً وسروالاً من الجينز الساقط أسفل خصره"، أو تهيؤاتها حين تغمض عينيها فترى رجلاً "وسط المطر يختفي وجهه من ذاكرتها، يقف أسفل الشرفة المطلة على حوش البيت، يرسل إليها مشاعره المشتعلة".

هو حلم تعويضي لها عما تستشعره من حرمان عاطفي أو استحضار صورة أبيها – الذي كان الأقرب إليها – بعد موته كأنها تود أن يبقى بجانبها دائماً ليساندها وسط ما يعترض حياتها من آلام وإحباطات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة