Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة الرياض: غابت تقاليد "العشرين" وحضرت الجائحة

التنافس الدولي لإيجاد اللقاح بدا إيجابياً لكن في ظل الانقسامات التي تعصف بالقوى العظمى لا يخلو الواقع من خطر يتهدد الدول الفقيرة

بعد سلسلة من الاجتماعات والتحضيرات على مدار العام، عقدت قمة "العشرين" السبت 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، في العاصمة السعودية الرياض، بحضور قادة 20 دولة تتحكم بنحو 80 في المئة من الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تترقب فيه الشعوب حلولاً جذرية للخروج من أزمة كورونا، التي عطلت عجلة الاقتصاد، وأدت إلى خسارة الملايين وظائفهم.

وعلى الرغم من أن الوباء قطع الطريق على تقاليد القمة السنوية، مغيباً المصافحات والاجتماعات الثنائية، فإن هذه التغييرات الطارئة لم تسلب التجمع أهميته، بل على العكس تماماً، فقد زاد الترقب لمشاركات القادة النافذين وسط آمال بأن يسهم اتحاد الحكومات والمنظمات الأممية في إيقاف نزيف المال والأرواح المستمر، منذ خروج الوباء العالمي عن السيطرة في مارس (آذار) الماضي.

دعوة لمعالجة الأخطاء

 في خضم التحديات التي يواجهها العالم، شدد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في كلمة الدولة المستضيفة لقمة "العشرين"، على معالجة مواطن الضعف التي ظهرت في أزمة كورونا التي وصفها بـ"الصدمة غير المسبوقة"، وذكّر بمخرجات القمة غير العادية في مارس الماضي، التي أسهمت بما يزيد على 21 مليار دولار لدعم الجهود العالمية للتصدي للفيروس، وضخت أكثر من 11 تريليون دولار لدعم الأفراد والشركات.

 

وبينما يشتد التنافس بين الدول والشركات، استبشر الملك سلمان بالتقدم في إيجاد لقاحات وعلاجات لفيروس كورونا، وأكد على أهمية تهيئة الظروف التي تتيح الوصول إليها بشكل عادل وبتكلفة ميسورة لتوفيرها للشعوب كافة، وفي خطابه المتفائل الذي دعا فيه القادة إلى بث الأمل، تطرق الملك السعودي إلى أهمية فتح اقتصادات الدول الأعضاء وحدودها لتسهيل حركة التجارة والأفراد.

اللقاح في ملعب القوى العظمى

ومن رحم الأزمة المالية العالمية ولد منتدى قمة "العشرين"، وبعد أكثر من عقد مضى على تلك الكارثة الاقتصادية، التي بدأت في الولايات المتحدة، ولم تتوقف عند أوروبا وآسيا والخليج، جاءت جائحة كورونا لتمتحن قدرات البشر وجاهزيتهم لظرف مماثل، ومرة أخرى، اتجهت الأنظار إلى الدول الـعشرين، لكن في مشهد عامنا الحالي، تطرأ انقسامات داخلية وإقليمية، تؤجج مخاوف عدم وصول اللقاح إلى الدول الفقيرة، وفي الوقت نفسه تزيد من تنافس القوى العظمى مثل أميركا وروسيا والصين التي تتباهى بتوصلها للقاحات أثبتت فاعلية جيدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد روسيا من أوائل الدول التي أعلنت تقدمها في إنتاج اللقاحات، بعد أن كشف الرئيس فلاديمير بوتين، من مقر إقامته خارج موسكو في أغسطس (آب) الماضي، عن "أول لقاح مسجل لفيروس كورونا في العالم" على حد وصفه، وهكذا دخلت موسكو السباق رسمياً مع دول أخرى من دون سابق تمهيد، قائلة إنها سوف تبدأ الإنتاج في سبتمبر (أيلول).

لكن اللقاح الروسي المعروف باسم "سبوتنيك في" لم يخرج من دائرة الجدل لأسباب عديدة، منها تحفظ منظمة الصحة العالمية لقلة المعلومات الواردة حوله، وعدم نجاح التجارب السريرية في وقت سابق إلا بنسبة بسيطة هي 10 في المئة، ما أثار مخاوف خبراء من أن روسيا قدمت مطامعها السياسية على سلامة اللقاح، وسبب آخر مستجد، هو العشوائية في تحديد العينات من متلقي الجرعات، إذ إن الدقة في هذه الخطوة مهمة للتأكد من صحة نسبة الفاعلية.

واليوم، يبدو أن محاولات إنقاذ الأرواح، انتقلت من المختبرات إلى ميادين صراع سياسي لا طائل منه، ومن أمثلة حرب اللقاحات، ترويج مسؤولين روس للقاح "سبوتنيك في" على أنه متفوق على غيره من اللقاحات الغربية، ما دفع مسؤولين بريطانيين، إلى توجيه سهام الانتقاد إلى موسكو بسبب ما وصفوه بأنه حملة تضليل ضد لقاح "أسترازينيكا"، الذي أطلق عليه بعض الروس اسم "لقاح القرود"، في أعقاب موجة من المنشورات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تروّج إلى أن العقار يمكن أن يحول الناس إلى قرود، في حين نفى الكرملين تلك المزاعم.

حل فعال

 بعد يومين فقط على الإعلان الأخير لشركتي "فايزر" الأميركية و"بيونتيك" الألمانية أن نسبة فاعلية لقاحها بلغت 90 في المئة، قال المنتج الروسي لـ"سبوتنيك في"، إن اللقاح أظهر فاعلية بنسبة 92 في المئة بناء على عدد الأفراد الذين أصيبوا بالفيروس بعد تلقيحهم أو إعطائهم دواء وهمياً، ونقل مركز "جماليا" لبحوث الأوبئة والأحياء الدقيقة، في بيان صحفي عن وزير الصحة الروسي قوله إن النتائج تظهر أن اللقاح "حل فعال لوقف انتشار عدوى فيروس كورونا".

وبعيداً عن التوافق الظاهر الذي ظهر في الاجتماعات الدولية المتعلقة بالجائحة، فإن من صور التنافس السياسي بين قوى مثل أميركا وروسيا والصين، الاسم الذي اعتمدته روسيا للقاحها الأول، "سبوتنيك"، الذي يعد أيضاً اسم أول قمر يصنعه الإنسان، وأطلقه الاتحاد السوفياتي إلى المدار في أواخر الخمسينيات، ما مثل انتصاراً على الولايات المتحدة في السباق التقليدي بين الدولتين للوصول إلى الفضاء، كما أنه لا يخفى تشكيك موسكو بهبوط مركبة "أبولو 11" الأميركية على سطح القمر.

بوتين يتباهى والصين تمد يدها

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أيد في قمة "العشرين"، مشروع القرار الرئيس الذي يهدف إلى "توفير لقاحات فعالة وآمنة للجميع"، وأبدى استعداده لتقديم لقاح "سبوتنيك في" لأي دولة تحتاجه، مشيراً إلى أن بلاده تجهز أيضاً لقاحين آخرين، كما شدد على تزايد الحاجة إلى تخصيص أموال لمكافحة الفيروس، مؤكداً أن صنع مجموعة من اللقاحات هو "هدفنا المشترك، ومن الضروري العمل لتوفيرها للعالم بأسره".

من جهته، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ، أن الصين مستعدة للتعاون مع الدول الأخرى في جهود البحث والتطوير لإنتاج وتوزيع لقاح يساعد في مكافحة كورونا، وأضاف أن أحد أهدافه الرئيسة سيكون التأكد من أن اللقاحات هي "منفعة عامة" للدول النامية، وذكر أيضاً أن منظمة الصحة العالمية بحاجة إلى دعم من مجموعة "العشرين"، خصوصاً من أجل ضمان تقاسم اللقاحات بشكل عادل.

ودفع جينبينغ باتجاه انتهاج فكرة الآليات للسماح بالاعتراف العالمي للاختبارات والنتائج، كما تحدث عن الحاجة إلى متابعة انتهاج التعددية والانفتاح والتعاون على مستوى مجموعة "العشرين"، التي اعتبرها كثيرون بمثابة انتقاد لسياسات "أميركا أولاً" التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وترمب هو الأخر لديه قصة حافلة مع كورونا، إذ جدد في الآونة الأخيرة اتهامه لشركات الأدوية العملاقة بتأخير نتائج اللقاحات بهدف الإضرار بحظوظه الانتخابية، وقال إن شركات الأدوية الكبيرة "أنفقت ملايين الدولارات على إعلانات سلبية ضدي خلال الحملة الانتخابية، التي فزت بها بالمناسبة"، وتابع، "شركة فايزر وغيرها قررت حتى عدم تقييم (نتائج اختباراتها) للقاح كورونا إلا بعد انتهاء الانتخابات، عوض خططها الأساسية بتقييم البيانات في أكتوبر (تشرين الأول)".

واستغل ترمب مشاركته في قمة مجموعة "العشرين" الافتراضية للحديث عما قام به من "عمل مذهل" على حد وصفه، ولم يتطرق إلى الاقتصاد الدولي والتحديات التي تواجهه، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن ترمب الذي يواصل رفض نتيجة الانتخابات الرئاسية، أنه أبدى تطلعه إلى العمل مع نظرائه في المستقبل ولفترة طويلة.

تفاؤل

من جانبه، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تفاؤله بتوافر اللقاح قبل نهاية هذا العام، وذلك في سياق حديثه عن مبادرةACT-A" " التي جمعت نحو 10 مليارات دولار منذ إطلاقها، وهو ما يصب في مصلحة تسريع وتيرة البحث والإنتاج التقني الصحي في العالم، وأكد ماكرون في حديثه أهمية الاستعداد لاختبار مدى جاهزية إنتاج اللقاح على الساحة الدولية ليشمل الجميع، مشدداً على أهمية رسم سياسة واضحة وشفافة مبنية على التعاون الدولي تجاه كيفية الاستفادة من اللقاح.

كما اقترح الرئيس الفرنسي بناء منظومة تدفع بتوجيه جرعات اللقاح نحو البلدان الأقل نمواً لتحقيق مخرجات منظمة الصحة العالمية الداعية لعدالة توزيع اللقاح، مبيناً أن مبادرة كوفكاس "COVAX" التي تعمل لتوفير لقاحات كورونا بشكل منصف، تتيح شراء جرعات من اللقاح نيابة عن الدول الأقل نمواً، إذ جرى جمع 4.9 مليارات دولار أميركي في هذه المرحلة، وما زالت هناك حاجة ملحة لمزيد من المساهمات والتبرعات.

وجاء في مسودة البيان الختامي لقمة مجموعة "العشرين"، أن قادة المجموعة سيتعهدون اليوم الأحد، بتحقيق توزيع عادل للقاحات الوقاية من الوباء فضلاً عن الأدوية والفحوص في أنحاء العالم، حتى لا تحرم منها الدول الفقيرة، بالإضافة إلى تمديد اتفاق تخفيف أعباء الديون عن هذه الدول، وقال الزعماء في مسودة البيان، "لن ندخر جهداً حتى نضمن وصول اللقاحات إلى جميع الناس بشكل عادل وبسعر يمكن تحمله بما يتسق مع التزامات الأعضاء تحفيز الابتكار".

المزيد من متابعات