Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح محاولات إحياء مشروع اتحاد المغرب العربي؟

غيابه يضيّع على اقتصادات البلدان الخمسة اثنين في المئة من الناتج الداخلي لكل دولة

يشكل نزاع الصحراء أهم عائق في وجه قيام اتحاد فعلي بين الدول المغاربية (غيتي)

شهدت المنطقة المغاربية منذ بداية القرن الـ20، مبادرات عدة تهدف إلى خلق تعاون بين بلدانها الخمسة. وعلى الرغم من قيام اتحاد المغرب العربي خلال ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل كياناً شكلياً لم تنتج منه أي مبادرات تدعم الاندماج المغاربي.

تعثّر سياسي

وأكد سياسيون أن فشل قيام اتحاد مغاربي فعلي يعود إلى أسباب سياسية، الأمر الذي ينسف كل المبادرات الرامية إلى إحياء الاتحاد، إذ اعتبر الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي أن الحديث عن قضية الاتحاد المغاربي أصبح أمراً مملاً، نظراً إلى "كونه يذكّرنا في كل مرة بالفرص الكبيرة التي تضيّعها المنطقة في غياب وجود اتحاد. هناك تقدم هائل في مناطق العالم كافة في اتجاه الاندماج والاتحاد، إلا في المنطقة المغاربية التي تبقى ربما المنطقة الوحيدة التي يغيب فيها التكامل السياسي والاقتصادي".

وأكد أنه بمجرد تولّيه منصب الرئاسة في ديسمبر (كانون الأول) 2011 بدأ التفكير في سبل إعادة إحياء اتحاد المغرب العربي، لكونه كان مقتنعاً بأن تونس مهددة في "مسارها الثوري"، بالتالي كان لا بد لها من حاضنة مغاربية حتى تستطيع أن تعبر تلك المرحلة الصعبة.

وأضاف "لقد قمت بجولة في بلدان المنطقة، مطالباً بإعادة إحياء هذا الجسم المحتضر منذ عام 1994، واقترحت تنظيم اجتماع لقيادات تلك البلدان من أجل تدارس سبل إطلاق فعلي لذلك الاتحاد، وجدت ترحيباً من كل الدول إلا من القيادة الجزائرية، التي كان من الواضح أنها غير راغبة في تلك العملية. حاولت جاهداً إقناع الرئيس الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة عبد المالك سلال لرفع تحفّظات عدة كانت على شخصي وعلى الثورة التونسية، لقد كانوا ينعتوني برجل المغرب في تونس، كما كان لهم تخوّف مشروع من الثورة التونسية، بالتالي كان هناك نوع من الصدّ في وجه كل المبادرات الآتية من هناك".

غياب قيادات 

واعتبر رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبد الإله بن كيران من جهته أن الوصول إلى الوحدة المغاربية يتطلّب قادة تاريخيين لا يسايرون الشعارات التي كانت قبلهم، بل يغيّرون التاريخ ويقفون في وجه الدعوات السلبية. وأعلن أنه لا يمكن توحيد المغرب العربي بإضافة "دولة سادسة"، على حدّ تعبيره.

وأشار إلى أن غياب الاتحاد في المنطقة المغاربية، الذي من شأنه ضمان الحرية الاقتصادية وتنقّل الأفراد، يضيّع على اقتصادات البلدان الخمسة اثنين في المئة من الناتج الداخلي الخام لكل بلد، وهو ما يقدّر بملايين الدولارات.

مقاطعة مغربية

أما وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، فأشار إلى استمرار بلاده في مقاطعة اجتماعات وزراء خارجية دول المغرب العربي (في خضمّ نزاع معبر الكركرات الحدودي)، نظراً إلى غياب خطة عمل لتحقيق حلم المغرب العربي، وسط الظروف التي تعيشها المنطقة، خصوصاً عدم الاستقرار، مشدداً على وجوب وضع تصوّر واضح حول شكل الاتحاد المرغوب فيه.

كما عبّر عن أسفه العميق لاستمرار جمود اتحاد المغرب الكبير، بفعل واقع التفرقة والانشقاق داخل هذه المنطقة، واصفاً بقاء العلاقات المغربية الجزائرية على هذا الوضع بـ "غير الطبيعي وغير المقبول".

وأوضح بوريطة أن تأكيد العاهل المغربي محمد السادس استعداد بلاده للحوار المباشر والصريح مع الجزائر، هو من أجل تجاوز الخلافات الظرفية التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين، واقترح في سبيل ذلك إحداث آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، معلناً انفتاحه على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدّم بها الجزائر، بهدف "تجاوز حالة الجمود التي تشهدها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين".

واقترح الرئيس التونسي الأسبق في سبيل إنجاح قيام اتحاد مغاربي فعلي، أن يرفع السياسيون أيديهم عن المشروع، وأن يوكل إلى المجتمع المدني وإلى برلمانات الدول الخمس، التي عليها اعتماد قوانين خاصة بالحريات الخمس لتسهيل الاندماج، أي حرية التنقّل والعمل والإقامة والتملّك، إضافة إلى الترشح للانتخابات المحلية، وهي الحريات التي اقترح العمل بها ضمن الاتحاد المغاربي خلال ولايته الرئاسية.

العائق الأكبر

ويشكّل نزاع الصحراء أهم عائق في وجه قيام اتحاد فعلي بين الدول المغاربية، في الوقت الذي يعتبر المغرب والجزائر أهم قوّتين اقتصاديتين وعسكريتين يمكنهما أن تشكّلا النواة الأساسية للاتحاد المغاربي، على غرار الدور المحوري الفرنسي - الألماني في قيام الاتحاد الأوروبي، لكن دعم الجزائر لـ"جبهة البوليساريو"، التي تسعى إلى إقامة دولة في منطقة الصحراء، وتمسّك المغرب بمنطقته الجنوبية، كلها أسباب تحول دون وجود صيغة للتفاهم بين البلدين، بالتالي ينسف أي إمكانية لقيام اتحاد مغاربي فعلي.  

وأكد المرزوقي أنه لا يمكن التضحية بمستقبل 100 مليون مغاربي لأجل 200 ألف صحراوي، في حين أن هؤلاء يجدون أنفسهم معزّزين ومكرّمين داخل اتحاد مغاربي وضمن الحكم الذاتي في الدولة المغربية. كما شدّد على ضرورة التركيز على توحيد الدول في هذه المنطقة عوض التقسيم، مبدياً أمله في صعود جيل جديد من الحكام الجزائريين عبر الحراك والديمقراطية، يسعى إلى إنهاء هذه المشكلة وإلى بناء اتحاد المغرب الكبير الذي لن يكون بوجود "جبهة البوليساريو" وبتقسيم المغرب.

ورأى أنه من الضروري "وضع قضية الصحراء جانباً، باعتبارها قضية خلافية من اختصاص الأمم المتحدة، والشروع في بناء الاتحاد المنشود، حينها، وبدينامية البناء والروابط الطيبة بين شعوب المنطقة، سنصل شيئاً فشيئاً لحلّ قضية الصحراء".

نشأة الاتحاد

مسألة إنشاء اتحاد مغاربي طُرحت في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية الذي عقد في مدينة طنجة عام 1958، وضمّ ممثلين عن "حزب الاستقلال" المغربي و"الحزب الدستوري" التونسي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم تبلورت الفكرة بعد استقلال الدول المغاربية من "الاستعمار الأوروبي"، عبر إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية بين هذه الدول، إضافة إلى إصدار بيان "جربة الوحدوي" بين ليبيا وتونس عام 1974 ومعاهدة "مستغانم" بين ليبيا والجزائر و"معاهدة الإخاء والوفاق" بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983.

ثم أُنشئ اتحاد المغرب العربي بصيغته الحالية عقب إصدار "بيان زرالدة" الذي أعلن فيه قادة الدول المغاربية، المجتمعون في مدينة زرالدة الجزائرية عام 1988، رغبتهم الجادة في إقامة الاتحاد وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق أهدافه، ومن ثم أعلن عام 1988 قيام الاتحاد في مدينة مراكش المغربية.

أهداف الاتحاد

ونصّت معاهدة إنشاء الاتحاد على الأهداف التالية: "توثيق أواصر الأخوّة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم بعضاً وتحقيق تقدّم ورفاهية مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها، إضافة إلى المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، فضلاً عن انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، ثم العمل تدريجاً على تحقيق حرية تنقّل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها".

وأشارت وثيقة المعاهدة إلى أن السياسة المشتركة تهدف إلى تحقيق الأغراض التالية:

-  في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.

-  في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.

 - في الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية، خصوصاً لجهة إنشاء مشاريع مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية.

- في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على جميع مستوياته والحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصاً عبر تبادل الأساتذة والطلاب وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات