ما مصلحة حزب الله في استقبال لبنان وزير خارجية فنزويلا؟

من على أرض لبنان قررت فنزويلا، المحاصرة بالعقوبات الأميركية والغربية، تحدي الوﻻيات المتحدة الأميركية. فردّت على زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان بزيارة لنظيره وخصمه خورخي أرياسا إلى العاصمة بيروت.

هذه الزيارة بدت لافتة في شكلها ومضمونها، وﻻ سيما أن جدول أعمالها اقتصر على لقاءات بالقيادات والشخصيات التي تدور في فلك محور إيران وسوريا، وفي مقدمهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. والمفارقة أن وزير خارجية فنزويلا، وهو صهر الرئيس الفنزويلي السابق، التقى رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، في حين رفض رئيس الحكومة سعد الحريري تحديد موعد له، بالتزامن مع توزيع مكتبه الإعلامي خبر الاتصال الذي تلقاه الحريري من بومبيو.

أحرجت زيارة الضيف الفنزويلي لبنان ووضعته في خانة الملحق بسياسة حزب الله الخارجية، المناقضة لمبدأ النأي بالنفس الوارد في البيان الوزاري للحكومة. وهو ما كان حذر منه تكراراً المسؤولون الأميركيون، الذين زاروا بيروت في الفترة الماضية، وآخرهم بومبيو.

سر ارتباط حزب الله بكاراكاس

ﻻ يمكن القول إن علاقة حزب الله بالدولة اللاتينية مرتبطة بوجود جالية لبنانية فنزويلية تقدر بحوالي 300 ألف مغترب، وﻻ سيما أن معظم أبنائها وفق المعلومات من المسيحيين والدروز، بل إن الرابط بين الحزب وكاراكاس هو إيران.

فبين حزب الله وفنزويلا علاقة نشأت منذ حكم الرئيس الفنزويلي الأسبق هوغو تشافيز، وهي امتداد للعلاقة الوثيقة التي تربط فنزويلا بإيران. والجامع المشترك بينهما هو معاداة الوﻻيات المتحدة في إطار منظومة متكاملة مع إيران لمواجهة "الشيطان الأكبر"، وفي إطار الصراع اﻷكبر بين أميركا وروسيا.

فبين إيران وسوريا من جهة وفنزويلا من جهة أخرى ﻻ مصالح اقتصادية أو سياحية أو إستراتيجية، وﻻ تبادل تجارياً وﻻ حاجة لإيران أو سوريا إلى النفط الفنزويلي، وإن كانت فنزويلا الأولى في العالم من حيث الاحتياطي النفطي، بل إن حاجة إيران إلى كاراكاس هي حاجة إلى معبر للأموال بعيداً من المضبطة الأميركية.

بالنسبة إلى طهران، تعد أميركا اللاتينية مصدراً أساساً للأموال بسبب تأمينها سهولة الحركة لشبكات تهريب المخدرات وتبييض الأموال بشكل منظم ومدعوم من الحكم. وهي أيضاً مصدر أساس للمعلومات بالنسبة إلى إيران، إذ يجد الإيراني في المواطن الفنزويلي حليفاً معادياً للغرب من السهل تجنيده.

وتكشف مصادر لـ "اندبندنت عربية" أن فنزويلا تعد المعبر الوحيد والأساس لإيران وحلفائها إلى الدول الأوروبية بغطاء دبلوماسي رسمي، إذ أصدرت السلطات الفنزويلية في الفترة الماضية 15 ألف جواز سفر فنزويلي دبلوماسي منحت إلى إيرانيين وعناصر من حزب الله تمكنوا بواسطتها من الدخول إلى أوروبا من دون تأشيرة دخول.

ملجأ إيران وحزب الله

تستغل إيران عداوة الحكم الفنزويلي لأميركا، وفساده، للتمدد والتهرب من العقوبات الأميركية. وفي مثلث التهريب بين كولومبيا وفنزويلا وأوروغواي، يحضر حزب الله بقوة وهو متورط في اﻻتجار بالمخدرات الذي هو مصدر أساس لتأمين الأموال والتهرب من العقوبات الأميركية.

في العام 2017، خرج إلى العلن تقرير خطير، بعد تسريبه إلى إحدى الصحف الأميركية، عُرف بمشروع كاساندرا، بدأ العمل عليه في العام 2008 من قبل مكتب مكافحة المخدرات في أميركا، يتحدث بالوقائع والوثائق عن حجم تورط حزب الله وإيران بشبكات التهريب وتبييض أموال في مثلث التهريب. لكن التقرير بقي خارج التداول بناء على قرار من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تجنباً لأي تأثير في المفاوضات النووية التي كان يجريها مع إيران حينذاك.

ارتبط اسم حزب الله بعمليات تهريب في فنزويلا. وحصلت في الفترة الماضية سلسلة توقيفات لشبكات كشفت التحقيقات مع عناصرها عن ارتباطها بحزب الله. وكشف مدير المخابرات الفنزويلي السابق، بعد انفصاله عن نظام الرئيس نيكولاس مادورو، عن وجود علاقات متينة بين حزب الله وفنزويلا، وأن حزب الله يدرّب القوات المسلحة الثورية. وقبل فترة أوقف شخص ينتمي إلى حزب الله اعترف بأنه يدير شبكة لتبييض الأموال وتهريب المخدرات إلى الوﻻيات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية.

قد يكون من المفيد بعد كل ما تقدم السؤال: ما مصلحة لبنان الرسمي في استقبال وزير خارجية دولة فاقدة للشرعية في نظر أكثر من 50 دولة، وتتفق على معاقبتها أميركا وأوروبا المتناقضتان في شأن العقوبات على إيران.

وإذا كان التوازن الداخلي اللبناني فرض على رئيس الحكومة استقبال وزير خارجية إيران عندما زار لبنان، فأي سبب دفع رئيس جمهورية لبنان إلى استقبال وزير خارجية فنزويلا؟