ما أن نبدأ في رؤية الضوء في نهاية نفق الجائحة حتى يحل بريكست. فما مدى استعدادنا؟ وهل ستنشر مغادرة الاتحاد الأوروبي الفوضى؟
حسناً، في صدفة غريبة، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه "فايزر" أن لقاحها لكوفيد ينجح، وصلت رسالة إلكترونية إلى صندوق الرسائل الواردة الخاص بي. كان المرسل صديقاً يدير شركته الخاصة للاستيراد، التي تشحن منتجات من آسيا.
"لا أعلم إن كنت على اطلاع على الاختناق الرهيب والتأخيرات في موانئنا. ويعود السبب إلى صرف عدد أكبر مما ينبغي من الموظفين خلال الإغلاق (الحجر) الأول وعدم توظيفهم جميعاً من جديد، ما أدى إلى نقص في العاملين ما أدى إلى نقص في العاملين سواء أكانوا ماهرين أم غير ذلك".
وكتب مؤكداً وجود "التزام صارم بقواعد السلامة المتعلقة بكوفيد-19، ما يجعل عملية الاستيراد ككل تستغرق وقتاً أطول بكثير. وهناك أيضاً تراكم ضخم. وتضررت الموانئ التي تتعامل مع الشحنات الآسيوية– فيليكستاو ولندن وساوثهامبتون– بشكل خاص".
وقال صديقي "النتيجة هي أن السفن لا تستطيع إنزال حمولاتها، ويفرغ كثير منها شحناته في أوروبا القارية ويعيد تحميلها في سفن صغيرة تتجه إلى المملكة المتحدة". وتابع "وفي مثل واحد على ذلك، كان المقرر وصول شحنة كبيرة من أجهزة التنفس يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى فيليكستاو. وتأخر الرسو أسبوعين من دون ضمانات تفيد بأنه سيحصل. وتتجه السفينة إلى روتردام الآن لتفرغ حمولتها، ومن ثم ستعود أجهزة التنفس إلى المملكة المتحدة في سفينة أصغر حجماً. وهي لن تصل على الأرجح قبل أوائل ديسمبر (كانون الأول)".
دققتُ في روايته وتبين بكثير من الثقة أن موانئنا الكبيرة المخصصة للحاويات، لا سيما فيليكستاو، تشهد أزمة. لكن وسائل الإعلام السائدة لم تنشر شيئاً يُذكَر عن الموضوع. وكل ما استطعت العثور عليه كان مقالاً واحداً في "الفايننشال تايمز" بتاريخ 19 أكتوبر (تشرين الأول):"تأخيرات في فيليكستاو تطلق دعوات لتدخل حكومي". ووجدت مقالاً واحداً في "ذيس إيز ماني" يعود إلى سبتمبر (أيلول) قائلاً "مهزلة فيليكستاو: فوضى في أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في بريطانيا تلوح بأزمة محتملة للشركات الصغيرة مع تسبب نقص الموظفين بسبب فيروس كورونا بتأخيرات".
وأكد لي صديقي أن الوضع ساء أكثر منذ صدور هذه المقالات. وسأل إذا كنت أعتقد أن النقص في التغطية يعود إلى تمني الحكومة على وسائل الإعلام ألا تفتح الموضوع، أو إلى الخوف من إطلاق موجة إقبال على الشراء بسبب الذعر في وقت بدأ فيه الناس بالفعل في التموين. وأجبت بأنني أشك كثيراً في ذلك. ففي ضوء الخيار بين المؤامرة وسوء الإدارة، أختار دائماً الخيار الثاني، على أساس أن الحكومة لا تستطيع تنظيم الخيار الأول.
كذلك ثمة أدلة كثيرة على وفرة الشكاوى والغضب الكبير في صحافة قطاع الشحن البري والبحري وفي مواقعه الإلكترونية المتخصصة.
ما يحصل هو كما يقول صديقي. وأبرز المشاكل هي فرض قواعد للسلامة لمكافحة الفيروس ونقص العمالة، مما أدى إلى عدم حصول شركات النقل البري والشركات الأخرى على مواعيد مناسبة لإفراغ حاوياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أمثل الأوقات، الأكثر ازدحاماً تقليدياً، لا يتوفر ببساطة ما يكفي من المواعيد. وهذا دفع الشركات إلى تحمل تكاليف إضافية للتخزين في الموانئ. ولجأ بعضها إلى استخدام خدمات الشحن الجوي الأعلى تكلفة للالتفاف على الموانئ البحرية البريطانية.
وفي القطاع هذا، يوجه سيل من السخرية إلى المستشار الجديد لفيليكستاو، كريس غرايلينغ. فوزير النقل السابق– مانح العقد البالغ 13.8 مليون جنيه إسترليني (18.19 مليون دولار) لشركة عبارات لم تكن تملك أياً منها– يتقاضى 100 ألف جنيه إسترليني سنوياً من الجهة المالكة للميناء في مقابل سبع ساعات عمل في الأسبوع، وفق خانته في سجل مصالح النواب.
وللإنصاف إزاء غرايلينغ، ليست الفوضى من صنعه. لكن المفترض أن توصيفه الوظيفي يشمل التواصل مع الحكومة حول المسائل التي تؤثر في الميناء. وإلى الآن ترفض الحكومة القيام بأي إجراء، معتبرة أن المسؤولين في وزارة النقل يراقبون الوضع. وإذا لم تتنبه الحكومة بالفعل، عليها أن تعي أن 40 في المئة من الحاويات كلها الواصلة إلى المملكة المتحدة والمغادرة إياها تفعل ذلك عبر فيليكستاو. وإذا توقف ذلك الميناء عن العمل بسلاسة، سيتباطأ الاقتصاد البريطاني في شكل مماثل.
وتؤثر مصاعب فيليكستاو في موانئ بريطانية كبيرة أخرى مخصصة للحاويات، مثل ساوثهامبتون، ولندن غايتواي، إذ تحاول التكيف مع السفن المحولة إليها. وهذه الموانئ مزدحمة وبطيئة أيضاً.
ويتخذ فيليكستاو خطوات في محاولة للتخفيف من الاختناق. فقد مدد الميناء ساعات عمله أيام الأحد ويوظف مزيداً من الأشخاص. لكن أوقات المعالجة لا تزال أطول مما ينبغي. وتكثر فترات الانتظار ومشاعر الإحباط والتكاليف الإضافية. وهذا لا يحتسب الأثر في سلسلة الإمداد إذ ينتظر المصنعون وصول المنتجات التي يحتاجونها لصنع منتجاتهم. ويواجه البائعون بالتجزئة أيضاً احتمال فراغ أرففهم وانخفاض مخزونهم– في حين يخرجون في حالات كثيرة من إغلاق آخر ويدخل قطاعهم في موسمه الأكثر نشاطاً وأهمية.
والمقلق كذلك في هذا الشأن أن العملاء وشركات النقل البري ومستخدمي الشحن البحري في فيليكستاو يقولون، إن المشاكل ليست جديدة. وتفيد "بيفا"، وهي الرابطة الدولية لوكلاء الشحن البحري، بما يلي "عانى أعضاء بيفا من سنتين من الخدمة السيئة في الميناء، ونشعر بأن الحاجة تدعو إلى تدخل مستقل من جانب الحكومة".
في هذه الأثناء تقترب نهاية العام من موعد العمل بتنظيمات ما بعد بريكست واحتمال تجمع الشاحنات في طوابير عند موانئنا الرئيسة للشحن البحري. فالموانئ لا تستطيع الآن التكيف مع الظروف الحالية، ناهيكم عن العبء الإضافي. وما قد يحدث مرعب إلى درجة لا تحتمل التفكير.
لقد أبهجني الخبر الخاص باللقاح. وذلك سيعلمني درساً.
© The Independent