Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النزاع الإثيوبي في إقليم تيغراي يثير مخاوف من تداعيات كارثية على السودان

"على الحكومة السودانية أن تلعب دوراً في رأب الصدع على الرغم من اتهام الخرطوم بدعم التغراي خلال فترة حكم البشير"

مع اعلان مكتب رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد الأربعاء 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، الدخول في مواجهة عسكرية مع إقليم تيغراي، للحيلولة دون زعزعة الاستقرار في البلاد، وذلك بعدما أجرى الإقليم انتخابات محلية في تحدٍ للحكومة الإتحادية التي وصفت التصويت بأنه غير قانوني، تزايدت المخاوف بشأن تداعيات هذه الحرب وأثرها على السودان وأمنه القومي بخاصة تجاه شرق البلاد الذي تشهد مدنه الرئيسة بورتسودان، وكسلا، اضطرابات قبلية منذ فترة طويلة.

وأيّد مراقبون هذه المخاوف مشيرين إلى أن "اتساع الحرب المحتمل سيقود إلى كارثة انسانية على حدود السودان الشرقية، إلى جانب التهديد الأمني وانتشار السلاح، بالتالي لا بُد من تدخل القيادة السودانية لرأب الصدع بين الأطراف الإثيوبية".

تدفق اللاجئين

في هذا السياق، أوضح المحلل السياسي السوداني الدكتور خالد التجاني أن "ما يحدث في تيغراي صراع له جذور قديمة، فالمتابع للشأن الإثيوبي يجد أن أهالي تيغراي متحسبين لهذه الخطوة منذ سقوط نظام الرئيس الإثيوبي السابق منغستو هيلا ماريام، فهذه التطورات ليس جديدة، لكن مَن يقرأ التاريخ جيداً، فإنه يكون على قناعة بأنه من الصعب كسر شوكة هذه القومية (التيغراي) بخاصة أنها حكمت إثيوبيا على مدى 30 سنة، وهي اليوم على أتم استعداد لخوض هذه المعركة، في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مشكلات كثيرة، وصراعات داخل قوميته، الأورومو". ولفت التجاني إلى أن "الوضع في إثيوبيا ليس في أحسن الأحوال، والصراع القائم الآن، مرشح لأن يمتد إلى أقاليم أخرى، إذ أنه من الصعب احتوائه، وسيكون بالغ التأثير على دول الجوار ومنها السودان". وأضاف المحلل السياسي السوداني أنه "مما لا شك فيه، أن المواجهة الدائرة في إقليم تيغراي وباتجاه المنطقة الغربية من الحدود السودانية ستؤثر من الناحية الانسانية، من خلال تدفق اللاجئين الفارين من الحرب، كما حدث في ستينات وسبعينات القرن الماضي. كما يعرّض هذا الصراع الحدود السودانية لحالة من التهديد الأمني ما يتطلب اتخاذ التدابير اللازمة من قبل الحكومة السودانية للمحافظة على حدود البلاد ومنعاً لدخول أسلحة في الوقت الذي يشهد فيه شرق السودان توترات قبلية تسببت بأحداث دموية مرات عدة، بالتالي فإن لهذه الحرب تعقيدات كثيرة انسانية وعسكرية، وقد يجد السودان نفسه متورطاً في حرب لا يد له فيها".

وتابع التجاني "و قد يجد السودان أنه أمام معادلات دقيقة، لذلك عليه أن يتحرك بسرعة لتهدئة الوضع في إثيوبيا والتوصل إلى حل لهذه المشكلة قبل أن يتفجّر الوضع، لأنه من مصلحة الخرطوم استقرار الأوضاع وتهدئتها في إقليم تيغراي حتى لا تؤثر على أمنها القومي، فعلى الحكومة السودانية أن تلعب دوراً في رأب الصدع وتخفيف حدة التوتر على الرغم من أن السودان متهم بأنه دعم قومية التيغراي خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، ما أدى إلى نوع من التوتر في العلاقات مع أديس أبابا". وأكد أن "المطلوب حالياً هو تحرك سوداني سياسي سريع، فضلاً عن تحرك دبلوماسي على مستوىً عالٍ يعبر عن مدى الاحساس بخطورة الوضع. لكن من المؤسف أن هناك بطء من الجانب السوداني في التعامل مع الصراع الأثيوبي، ويرجع ذلك إلى عدم كفاءة الطاقم الحكومي، وعدم احساسه بالعمق الاستراتيجي، اضافة إلى عدم وضوح الرؤية في السياسة الخارجية واضطرابها، وكذلك غياب المؤسسية في التعامل مع الملفات المهمة والتي يتم التحرك فيها بشكل فردي".

اتساع الحرب

في المقابل، حذر الكاتب السياسي الأريتري محمود أبوبكر من تأثير هذا النزاع "من ناحية تهديده لأمن الدول المجاورة، بخاصة السودان، حيث أن اتساع الحرب سيؤدي بالضرورة إلى نزوح كبير للاجئين الإثيوبيين إلى شرق السودان المجاور، الذي يعاني بدوره من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، بعضها ذو علاقة مباشرة بوجود أعداد كبيرة من اللاجئين في الاقليم. كما أن اشتعال الحرب على حدود الشرق السوداني من شأنها مفاقمة الوضع الأمني لجهة انتشار السلاح، لا سيما أن هناك احتمالات موضوعية لامكانية نقل الصراع إلى الحدود الأريترية، وقد تكون المناطق الحدودية المشتركة بين أريتريا وإثيوبيا والسودان، كمنطقة حمرا، مسرحاً للمواجهة المسلحة، مما يضاعف الأزمات الأمنية في الاقليم".
وعبّر أبو بكر عن اعتقاده بأن "القيادة السودانية تملك فرصاً مؤاتية للعب أدوار مهمة في هذه الأزمة، لجهة علاقتها بطرفي النزاع. وقد تكون مبادرة سودانية للوساطة محل ترحيب محلي ودولي، لا سيما وأن لإدارة آبي أحمد  تجربة مع الأزمة السودانية، ودوراً ناجحاً في الوصول إلى اتفاق بين المتخاصمين. كما يرتبط السودان بحدود شاسعة مع اقليم تغراي، وسيكون لاتساع نطاق الحرب تداعيات واسعة على السودان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تاريخ الصراع

وبحسب محمود أبوبكر، فإن "الأسباب الرئيسة لهذا الصراع، وإن بدت مرتبطة بالوضع السياسي القائم، والصراع على السلطة، إلا أن لها جذور تاريخية قديمة، تبدأ من نماذج الحكم التي سادت إثيوبيا الحديثة منذ تأسيسها على يد الملك منيلك، حيث بنى نظاماً شديد المركزية، في وطن متعدد الأعراق والثقافات والديانات، وأرسى دعائم سيطرة ثقافة بعينها، بشكل أحادي، تتمثل في مركزية الثقافة الأمهراوية التي تغولت على الثقافات واللغات والقوميات الأخرى، بإعتبارها ثقافة مركزية حاكمة، وهو ما سار عليه خلفاؤه في الحكم حتى عهد الإمبراطور هيلي سلاسي، وحتى النظام الشيوعي الذي انقلب على الملكية بقيادة منغستو، لم يكن هناك أي استثناء في مسألة تمكين الثقافة ذاتها".
وأضاف أن "هذا النهج دفع بالقوميات الأخرى إلى تشكيل حركات تحرر قومي، تهدف في حدها الأدنى، إلى الخروج من الديكتاتورية الإقصائية وسيطرة الثقافة الواحدة، وفي حدها الأقصى الانفصال بأقاليمها عن الدولة الإثيوبية، من بينها "جبهة تحرير تيغراي"، التي قادت كفاحا مسلحاً وتمكنت من إطاحة نظام منغستوا بمساعدة الثوار الأرتريين، وعلى الرغم من تراجع هذه الحركة عن مطلب الانفصال، بمجرد ضمان قدرتها على حكم إثيوبيا ككل، فإنها تحسبت مبكراً لإمكانية فقدانها للسلطة، فأسست لنظام فيديرالي على أسس قومية أثنية، وضمّنت الدستور الفيديرالي الإثيوبي بنداً ينص على حق الأقاليم في الانفصال".
ولفت إلى أنه "على الرغم من التاريخ النضالي الطويل لحركة التيغراي، في ما يتعلق بحقوق القوميات، فإن تجربتها في الحكم، لم تكن بمستوى تطلعات القوميات الأخرى، في بسط العدل والمساواة في توزيع السلطة والثروة بين مكونات المجتمع الإثيوبي، حيث واجهت بعد 27 سنة من الحكم، ثورةً عارمة قادها شباب قومية الأورومو، ما دفعها إلى الانسحاب من السلطة، لصالح "حزب الأورومو الديمقراطي" الذي كان جزءاً من الائتلاف الفضفاض الحاكم عبر تفاهمات تضمن استمراره، مع تغيير مراكز القوة والنفوذ لصالح الاورومو".

لكن صعود آبي أحمد إلى الحكم وسعيه إلى إدخال تغييرات كبيرة على نموذج الحكم، مستنداً إلى الترحيب الكبير الذي لاقاه من الشعب الإثيوبي والمجتمع الدولي، دفع "حزب التيغراي" إلى الانسحاب من الائتلاف والتقوقع في حاضنته الثقافية والجغرافية بإقليمه، والتحول نحو خندق معارضة النظام، فيما توحدت أحزاب الائتلاف في حزب واحد هو "حزب الازدهار" بقيادة آبي أحمد، ما ساهم في تسعير الخلاف بين الحرس القديم والحزب الجديد الذي ظل يُتهَم بإعادة انتاج النظام المركزي".

سيناريوهات التصعيد والتهدئة

ويعتقد المحلل السياسي الأريتري أن "لكل طرف سيناريوهات عدة لمسار الصراع القائم، فقيادة الـ "تيغراي" تسعى إلى تحييد الجيش النظامي المتواجد في الإقليم، والسيطرة على معداته، فضلاً عن افتعال حرب محدودة تعيد طرح الأزمة السياسية بشكل جديد لاسيما بعد انسداد الأفق بينها وبين الحكومة المركزية، بالاضافة إلى أزمتها المالية بعد تجميد الميزانية، وبالتالي الحرب المحدودة قد تضمن لها التفافاً داخلياً، واهتماماً دولياً، للعودة إلى الحوار السياسي من موقع قوة. أما في حال اتساع رقعة الحرب وفشل التوصل إلى تفاهمات برعاية دولية أو إقليمية، فقد تسعى قيادة تيغراي إلى تفعيل البند 38 من الدستور، لتحقيق هدف الإنفصال، لكن هذا السيناريو مرهون بقدرتها على إدارة الحرب وتوسيع نطاقها، بما في ذلك نقلها إلى الأراضي الأرترية حيث يُعد النظام الحاكم حليفاً لحكومة أديس أبابا".
كما أشارت تصريحات عدة لمسؤولين رفيعي المستوى في إقليم "تيغراي"، إلى إمكانية مواجهة النظام الأرتري، حيث أن الانفصال يتطلب وجود حليف استراتيجي في العاصمة الأريترية اسمرا، يضمن توفير منفذ بحري للدولة الحديثة .
وفي الوقت ذاته، لدى الحكومة المركزية في أديس أبابا ايضاً سيناريوهات عدة، أولها محاربة جبهة الـ "تيغراي" وعزلها من السلطة ومطاردتها، وتنصيب قيادة جديدة مكانها، كما حدث في إقليم الصومال الأثيوبي، وتضمن بذلك بسط سلطة الدولة على الإقليم.
أما السيناريو الثاني فهو إضعاف الحزب الحاكم في الإقليم وتقليم أظافره، ودعم الأحزاب التيغراوية الاخرى (المعارِضة) وإشراكها في الانتخابات المقبلة بما يضمن فوزها على القيادة الحالية المتمردة على المركز في أديس أبابا.

المزيد من العالم العربي