Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من المستفيد من "المشاجرة" بين أردوغان وماكرون؟

الرئيسان الفرنسي والتركي يحاولان كسب بعض المصالح السياسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب/ غيتي)

تحولت التوترات التي كانت تعيشها العلاقات بين تركيا وفرنسا على مدى عامين إلى أزمة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في الأيام الأخيرة. 

والواقع أن ماكرون في الأشهر الأولى من انتخابه تمكن من إقامة علاقة جيدة مع أردوغان، ولكن اعتقال الصحافي الفرنسي لوب بوريا أثناء مروره من العراق إلى تركيا عام 2017، أدى إلى نشوب أزمة حادة بين البلدين.

وتم الإفراج عن هذا الصحافي بعد اتصال هاتفي أجراه ماكرون بأردوغان.

ونشب التوتر بين تركيا وفرنسا مرة أخرى عندما أطلقت القوات التركية عام 2018 عملية "غصن الزيتون" في بلدة عفرين السورية. وفي هذه المرة أيضاً حرص البلدان على التصرف ضمن القواعد الدبلوماسية، وتم تخطي هذه الأزمة.

ولكن عندما اندلعت الأزمة بين البلدين في الشأن الليبي، وعندما انحازت فرنسا إلى جانب أثينا التي تفاقمت بينها وبين أنقرة الأزمة بعدما أرسلت تركيا سفينة "عروج ريس" للتنقيب عن المحروقات إلى جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، لم تحافظ تركيا وفرنسا على أسلوبهما السابق، بل فضَّلَا التراشقَ الكلامي عبر الوسائل الإعلامية، بدلاً عن اتخاذ لغة دبلوماسية هادئة، على الرغم من أنه تمت إدارة هاتين الأزمتين أيضاً بأسلوب إدارة الأزمة بين "بلدين"، ما يعني تدخل المؤسسات المعنية لكلا البلدين بعيداً عن الشخصنة.

أزمتان جديدتان حصلتا بعد ذلك بين الرئيسين، وسأحاول شرح أسباب التوتر الذي تم تصعيده بشكل متعمد بين الرئيسين. 

فقبل ما يقرب من ثلاثة أشهر شهدت العاصمة اللبنانية أحد أفظع الأحداث في تاريخها عندما انفجرت مادة كيميائية في مرفأ بيروت قيل إنها تخص "حزب الله" أدت إلى مقتلِ المئات وإصابة الآلاف، فضلاً عن التدمير الكبير الذي أصاب جزءاً كبيراً من العاصمة ما يحق أن نسميها مأساة إنسانية.

وفي محاولة لزيادة نفوذهما وتحقيق أهدافهما السياسية في المنطقة، قام كل من ماكرون وأردوغان بمحاولة استخدام أو استغلال هذا الحدث المؤلم في لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلَّق أردوغان على زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت قائلاً "إن هدف ماكرون وأضرابه من تلك الزيارة هو إقامة الهيكل الاستعماري من جديد، وأما نحن فنؤدي واجبنا الإسلامي". وبدلاً من هذه التعبيرات كان باستطاعة الرئيس التركي أن يستخدم أسلوباً يلائم الأعراف الدبلوماسية، ويكتفي بالقول "إن دولتنا تقوم بواجبها الإنساني"، لكنه اختار هذه اللهجة بشكل متعمد، وضرب على وتر "الاستعمار" وكأنه يحاول أن يعيد إلى الأذهان التناقض بين "المسلمين والصليبين"، وذلك لتوظيف هذه المأساة في سبيل طموحاته في "الخلافة".

وبعبارة بسيطة نقول: بينما كان اللبنانيون يسعون من أجل التعافي من تلك الكارثة دخل الرئيسان في سباق للحصول على مكسب سياسي من ذلك المشهد الحزين.

والأمر الآخر هو قضية قطع رأس المعلم الفرنسي صمويل باتي على خلفية عرضه رسوماً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، والتي لا تزال في طليعة الأخبار العالمية. 

وقد تسببت تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن حرية التعبير إثر ذلك باستياء بالغ لدى العالم الإسلامي.

وبعد تصريحات ماكرون قال أردوغان في نهاية الأسبوع "لا أدري ما مشكلة ماكرون مع الإسلام والمسلمين؟ إن ماكرون يحتاج إلى علاج قدراته العقلية". وإثر هذه التصريحات اللاذعة، زاد أردوغان الجرعة، ودعا إلى مقاطعة البضائع الفرنسية.

وبدا أردوغان كأنه يتعمد مواصلة هذه النبرة الحادة، بهدف توظيف الأزمة في ترسيخ الصورة التي يريد أن يضعها في الأذهان من كونه وريث "الخلافة العثمانية"، و"صوت العالم الإسلامي"، لينجح بهذه الطريقة في التلاعب - ليس بعقول الأتراك فقط - بل بعقول سائر المسلمين في أقطار الأرض.

وبينما كانت الأنباء حول قتل المعلم الفرنسي لا تزال ساخنة تناقلت وسائل الإعلام حادثاً غريباً، حيث أعلن الفرنسي من أصل تونسي إدريس سي حميدي، المتهم بالإرهاب، على "تويتر" عن تقديمه طلب اللجوء السياسي إلى تركيا قائلاً "بعد إغلاق المساعدات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان، أطالب رسمياً الرئيس رجب طيب أردوغان، بالسماح لي ولعائلتي باللجوء السياسي إلى أنقرة".

والأدهى من ذلك أن مصلحة الهجرة التركية ردت على تغريدةِ سي حميدي، وطلبت منه تقديم المستندات اللازمة، بحسب وكالات الأنباء. 

وليس من المتصوَّر في الظرف الحالي أن تقوم مؤسسة تركية بالرد على طلب فرنسي متهم بالإرهاب من دون الحصول على إذن من أردوغان.

يُذكر أن سي حميدي هذا قد دعم وأيد جريمة ذبح المعلم الفرنسي، ودعا لذبح كل من يدعم المعلم، فقامت السلطات الفرنسية بإلقاء القبض عليه في العمليات الأمنية الواسعة التي شنتها على منظمات متطرفة، وأعلنت أن الحكومة قررت إغلاق مؤسسة "مدينة البركة" التي اتهمتها بنشر أفكار إرهابية.

وكانت هذه المؤسسة تقوم بنشاطاتها في تركيا في بلدة ريحانية الواقعة على الحدود التركية - السورية بالتعاون مع جمعية "هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات" (IHH) التركية. 
ومن الجدير بالذكر أن جمعية (IHH) كانت هي الجهة المنظمة لسفينة "مافي مرمرة" الشهيرة.

ومن الواضح أن حكومة حزب العدالة والتنمية بهذه الخطوة، تهدد بشكل غير مباشر فرنسا والاتحاد الأوروبي، وتتوقع أن تجني منها بعض المصالح السياسية، ولكن أعتقد أن ماكرون أيضاً يستفيد من هذه التهديدات، حيث إن حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يتزعمه فشل في الانتخابات المحلية في يونيو (حزيران) الماضي في مدن مهمة، مثل باريس، ومرسيليا، وليون، ولم يفُز برئاسة المجالس المحلية إلا في ثلاث مدن فقط.

وإذا أضفنا إلى ذلك فشله في إدارة الأزمة التي سببها وباء "كوفيد-19"، فسنفهم مدى حاجته إلى خلق توتر يساعد على رفع مستوى شعبيته.

ويبدو أن ماكرون وجد ضالته في المشاجرة مع شخص مثل أردوغان، لرفع شعبيته لدى الفرنسيين اليمينيين والقوميين والمحافظين، وبالمقابل، كانت هذه فرصة نادرة لأردوغان أيضاً.

ومهما تحدث المسؤولون الأتراك عن المقاطعة فإن هذا لا يتجاوز مقاطعة شكلية، وخير دليل على ذلك استمرار تركيا في صفقة طائرات "إيرباص"، وشراؤها اللقاحات والأدوية المهمة، وإنشاء جسر على مضيق الدردنيل. 

وللأسف، لا يتوانى أردوغان عن استغلال مثل هذه الحالات على حساب الدين.

وباختصار، نقول إن المستفيد الأكبر من الأزمة بين أردوغان وماكرون هو أردوغان وماكرون، وليس غيرهما.

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة