Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط مصدر أمان مالي للعالم ومهدد لبيئته

وزير الطاقة السعودي: مواجهة الاحتباس الحراري عن طريق التخلص من النفط أمر غير واقعي

التغيّر المناخي يعتبر قضية حاسمة (أ ف ب)

معضلة حقيقية يعيشها العالم بين استخدام النفط والغاز الطبيعي، اللذين لا غنى عنهما للتنمية الاقتصادية في الدول النامية والمتقدمة؛ كونهما يشكلان أفضل مصدر اقتصادي موثوق وعملي للطاقة، إلا أنه من جهة أخرى فإن استخدامهما في مجال الطاقة يُسهم إلى حد كبير في زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، الذي يؤدي إلى التغير المناخي، والذي يُعد قضية حاسمة في عصرنا، اليوم، فالآثار العالمية للتغير المناخي واسعة النطاق، من تبدُّل أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إضافة إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد خطر الفيضانات الكارثية، ولا شك أن الأمر سيكون أكثر صعوبة وتكلفة في المستقبل إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية.

وأعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الاثنين 26 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، خلال مشاركته في قمة سنغافورة للطاقة، أن "على العالم أن يبحث كل الخيارات لتخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في حربه ضد تغير المناخ، لكن التخلص من النفط والغاز سيكون بعيد المنال، وغير واقعي. ينبغي أن تكون هناك دراسة لكل الخيارات، لتخفيف الانبعاثات لمكافحة تغير المناخ".    

وحذر وزير الطاقة السعودي من أن عدم الامتثال، والالتزام يمكن أن يقوض اتفاق "أوبك+"، مستدركاً "دعونا لا نركز على الوقود الذي نختاره، بل كيف يمكننا التخفيف والتكيف مع هذه الحقائق من دون إظهار أي تفضيلات".

لا غنى عن النفط 

يرى الكاتب الاقتصادي وعضو مجلس الشورى السعودي (البرلمان) فهد بن جمعة، أن "العالم لن يستغني عن استخدام النفط والغاز والفحم، وخاصةً طاقة النفط التي لها استخدامات متعددة، منها النقل، والصناعات التحويلية، وغيرهما. وكما يُقال عن الفحم سابقاً ولاحقاً، ها هو يُقال عن النفط منذ فترة، وحتى الآن، إما لجهلٍ أو لأسبابٍ تنتقص من قوة الاقتصادات النفطية التي تنفق إيراداتها على التنمية الاقتصادية وتنويع اقتصاداتها". وأضاف ابن جمعة أن "استخدامات الطاقة النظيفة (الذرية) والمتجددة (الشمسية، والرياح، والكهرومائية...) لتوليد الكهرباء، واستخدامات أخرى، لا نستطيع أن نستنتج منها أن العالم سيستغني عن النفط، على أنه سلعة ناضبة بعد عقود من الزمن، أو بسبب نمو مساهمة الطاقة النظيفة والمتجددة المتواضعة، أو لأنه يؤثر سلباً على البيئة، وهذا لم يحدث للفحم الأكثر ضرراً على البيئة من النفط".

ويوضح تقرير للوكالة الدولية للطاقة الصادر في أغسطس (آب) 2020، أن "مزيج إمدادات الطاقة، وخاصة الوقود الأحفوري، لم يتغير إلا قليلاً على مدى 47 عاماً (1971 - 2018)"، كما أن اتجاهات إنتاج استهلاك الطاقة خلال الفترة ما بين 1973 و 2018، تؤكد أن العالم ما زال يعتمد بقدر كبير على النفط والغاز، على الرغم من التقدم الذي أحرزته مصادر الطاقة المتجددة، لذلك استهلك العالم من النفط ما يعادل 48.2 في المئة، من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة في 1973، وبعد 45 عاماً تراجعت هذه النسبة بـ8.6 في المئة فحسب، وإلى 40.8 في المئة، في عام 2018، ولم تصبح مصادر الطاقة المتجددة بديلاً كاملاً للوقود الأحفوري. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تابع البرلماني السعودي "لو نظرنا إلى إمدادات الطاقة العالمية في عام 1973، لوجدنا أن مساهمة النفط والغاز والفحم، بلغت 46.2 في المئة، 16 في المئة، و24.5 في المئة، على التوالي، بينما بلغت مساهمتهم 31.6 في المئة، و22.8 في المئة، و26.9 في المئة، في عام 2018 على التوالي. وما يثير الدهشة هو نمو مساهمة الفحم بـ2.4 في المئة، من إجمالي الإمدادات العالمية، وهذا يبرهن على أن النفط ما زال يمثل الجزء الأكبر من مزيج الطاقة العالمية، ما يتعارض مع شائعة استغناء العالم عن النفط، أو أن العالم سيبقى من دون الوقود الأحفوري مستقبلاً، بل من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 112 مليون برميل يومياً بحلول عام 2040". 

واعتبر أن العالم "لن يستغني عن النفط، وسيبقى يوفر المزيد من إمدادات الطاقة بأكثر من مصادر الطاقة المتجددة، حتى في عام 2040، على الرغم من تراجع حصة النفط في هذا المزيج بمليون طن من النفط المكافئ بين عامي 2030 و2040، كما جاء في توقعات الوكالة الدولية للطاقة للعقود المقبلة في إطار ما تسميه سيناريو السياسات المُعلَنة، وسيناريو التنمية المستديمة".

النفط وتغيُّر المناخ

يُعد غاز ثاني أكسيد الكربون أحد أكبر المساهمين في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى تسخين الكوكب، ويتم إطلاقه عبر حرق الوقود الأحفوري، أي "النفط، والغاز، وكذلك الأسمنت". ووفق تقرير للأمم المتحدة نُشر عام 2018، حول غازات الاحتباس الحراري، فإن المتوسط العالمي لتركيزات ثاني أكسيد الكربون بلغ 407.8 جزء في المليون في عام 2018، مرتفعاً من 405.5 جزء في المليون في عام 2017.

وتتخطى هذه الزيادة بقليل معدل الزيادات السنوية خلال العقد الماضي، وثاني أكسيد الكربون المسؤول عن ثُلثَي الاحتباس الحراري في الكرة الأرضية.

ويأتي الميثان في المرتبة الثانية بعد ثاني أكسيد الكربون في ترتيب الغازات المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد ارتفعت مستوياته في الغلاف الجوي بنحو 150 في المئة منذ الثورة الصناعية. ويمكن لكبح انبعاثات الميثان أن يقدم فوائد سريعة لكوكب الأرض.

وفي هذا المجال، قال المهندس عبد الرحمن النمري في مقال نشرته جريدة "الاقتصادية" السعودية "ليس لديّ شك أن ظاهرة الاحتباس الحراري حقيقة، وأن التغير المناخي تحدٍ كبير، وأن للغازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون والميثان علاقة بالاحتباس الحراري، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقتنع بأن هذا التحدي متعلق بقطاع دون الآخر، أو بدول دون أخرى، بل هو تحدٍ عالمي يجب أن يتصدى له الجميع دون استثناء، وبلا انتقائية لمسبباته، وبلا تسييس لهذا الملف، وأن يُشار إلى النفط بإصبع الاتهام، ويُغضّ الطرف عن الفحم، فذلك تناقض. كيف لا ومن المثبت علمياً أن التلوث الذي يسببه الفحم أكبر بكثير مما يسببه النفط؟ هل الدول الصناعية الكبرى في العالم خارج هذه المعادلة؟ هل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ ينفي ارتباط الوقود الأحفوري بظاهرة الاحتباس الحراري؟ أم أن هذا الانسحاب بسبب بزوغ نجم النفط الصخري؟ الوقود الأحفوري والنفط على وجه الخصوص، سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها". وأضاف النمري أن "تغير المناخ مسؤولية الجميع، وليس حكراً على جهة، وهناك مَن يعمل من أجل القضية، وهناك مَن يعمل لتسييسها والاستفادة منها".

مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ

في سياق متصل، أعلنت عشر شركات عالمية في مجال لنفط والغاز في عام 2017 عن رصد مبلغ مليار دولار لإنشاء صندوق استثماري على مدى عشر سنوات بشأن المناخ، وذلك "لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض". الشركات الأعضاء في هذه المبادرة هي: "أرامكو" السعودية، و"بريتيش بتروليم"، و"رويال داتش شل"، و"ستيات أويل"، و"توتال"، ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، و"إيني"، و"بيميكس"، و"ريلاينس إندستريز"، و"ريبسول".

وقال رؤساء الشركات العشر في بيان مشترك، إن "إنشاء صندوق يعكس مبادرة شركات النفط والغاز بشأن تغير المناخ وعزمنا جميعاً على الاستخدام واسع النطاق لتقنيات ستُحدِث تغييراً ملموساً من شأنه أن يساعد في التصدي لتحديات تغير المناخ. وعلى الجانب الشخصي، فنحن ملتزمون بضمان اضطلاع شركاتنا بدور أساسي، من خلال التعاون مع الجهات والكيانات الأخرى ذات العلاقة، في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وفي الوقت نفسه تلبية احتياجات العالم من الطاقة".

اتفاقية باريس للمناخ

ولمواجهة مشاكل انبعاث الغازات الدفيئة، وقَّعت 194 دولة على اتفاق أُطلق عليه اسم "اتفاق باريس للمناخ 2015"، ويهدف إلى البحث في كيفية إيجاد الحلول للتكيف مع تلك الغازات والتخفيف من حدة ضررها على البيئة، والنظر بجدية للآثار الواضحة للتغيرات المناخية، والحد من ارتفاع الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، حيث إن متوسط درجات الحرارة العالمية ارتفع بمقدار 0.85 درجه مئوية في الفترة بين عامَي 1880 و2012.

واعتُبر "اتفاق باريس" أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وأهم البنود التي نصَّ عليها هو وقف ارتفاع حرارة الأرض والاحتفاظ بها أقل بدرجتين مئويتين قياساً على عصر ما قبل الثورة الصناعية وتكثيف الجهود لتقليلها إلى 1.5 درجة مئوية، إضافةً إلى تقليص شدة انبعاث الغازات المسبِبة للاحتباس الحراري، وذلك بالحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة، وإعادة تشجير الغابات.

وتعهَّد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها "دون درجتين مئويتين"، قياساً على عصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ"متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية"، ويفرض ذلك تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.

وتتم كل خمس سنوات مراجعة لمساهمات الدول المشاركة، والتي تُعد اختيارية، وستُجرى أول مراجعة إجبارية للمساهمات في تقليل انبعاث الغازات في عام 2025. ويتطلب الاتفاق من الدول المتقدمة تقديم مساهمات أكبر في سبيل خفض الانبعاثات، بينما يتعين على الدول النامية "مواصلة تحسين جهودها في التصدي للاحتباس الحراري في ضوء أوضاعها الوطنية".

ويُلزم الاتفاق الدول الغنية بتقديم مئة مليار دولار سنوياً، بدءاً من عام 2020 للدول النامية والفقيرة، وذلك لمساعدتها في تمويل اختيار الطاقات البديلة والطاقة المتجددة.

كورونا يسهم في الحد من تلوث المناخ

ذكر معهد بوتسدام الألماني لأبحاث تأثير المناخ، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، أن "الإجراءات التي فرضتها حكومات الدول، والتي تضمنت إغلاق الحدود، وحظر التجول، والقيود الأخرى على الحركة، تسببت في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 1.6 مليار طن في الفترة من يناير (كانون الثاني) حتى يونيو (حزيران) الماضي مقارنةً بالفترة نفسها عام 2019.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد