Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يترقب العالم أزمة مالية جديدة بعد موجة كورونا الثانية؟

محللون اقتصاديون يعلقون على تقرير "النقد الدولي" ويحذرون من خطورة تراكم الديون الحكومية ومن "الأسوأ"

شعار مؤسسة صندوق النقد الدولي (رويترز)

حذّر صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير من أخطار حدوث آثار اقتصادية مزمنة، تظهر على شكل خسائر طويلة الأجل في النمو والتوظيف والمداخيل.  

وتحدث التقرير عن زيادة عجز المالية العامة، وارتفاع الديون بأحجام لم نشهدها طوال العقدين الماضيين في كثير من البلدان، مما يجعل منطقة الشرق الأوسط عرضة لطفرة جديدة في الإصابة بالفيروس، نظراً لأرجحية زيادة حاجات الإنفاق وانخفاض الإيرادات الضريبية، متوقعاً أن يؤدي ارتفاع العجز إلى زيادة حاجات التمويل في المنطقة بنسبة وسيطة قدرها 4,3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

وقال الصندوق إن الأزمة قادت إلى ارتفاع عجز الشركات عن السداد ومخاطر الائتمان في البنوك، مع احتمال أن تبلغ الخسائر 190 مليار دولار أميركي أو خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وقال إذا تُرك الوضع من دون علاج، فإن هذه التطورات قد تهدد الاستقرار المالي، وتفرض قيوداً على المساعي المبذولة لزيادة الشمول المالي. 

تزايد الديون يهدد "الائتمانية"

واستطلعت "اندبندنت عربية" آراء عدد من المتخصصين في الشؤون الاقتصادية والمحللين الماليين، لمناقشة ما جاء في تقرير الصندوق وحمل عنوان، "بناء تعافٍ شامل للجميع في الشرق الأوسط وآسيا الوسط"، ومعرفة ما إذا كانت النبرة التشاؤمية للصندوق لها ما يبررها، ولاستعراض أبرز التحديات التي تواجه الدول العربية في ظل استمرار جائحة كورونا وتفشي موجة جديدة من الوباء في أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فقد حذر المتخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية، ووزير الاقتصاد والتجار اللبناني الأسبق ناصر السعيدي، في تصريحات خاصة "من أخطار نشوب أزمة اقتصادية عالمية جديدة بسبب المستويات المرتفعة للدين في العالم، مع استمرار الركود الاقتصادي وتفشي موجة جديدة من فيروس كورونا". ويرى أن التحدي الأكبر الذي تواجهه حكومات العالم اليوم، "يكمن في تراكم الديون التي تشكل تهديداً حقيقياً قد يقود لولادة أزمات مالية، بوصفها تثقل كاهل البلدان ذات مستويات الدين المرتفع أصلاً، مما يعني أنها ستواجه انخفاضاً متزايداً في تصنيفها الائتماني، وهو ما حدث بالفعل، إذ خفّضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيفات دول عدة، بما فيها دول من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

الصندوق متفائل أم متشائم؟

ويرى السعيدي أن تقرير صندوق النقد كان متفائلاً، فهناك خمس عوامل أثرت في توقعات التقرير، الأول يكمن في التفاعل بين ديناميكيات جائحة "كوفيد-19" وديناميكيات الاقتصادات الإقليمية والعالمية والاقتصادات الفردية، ويعني السعيدي بالفردية أن أزمة كورونا لا تزال في تطور، إذ يشهد العالم اليوم موجة ثانية من الوباء، متوقعاً رؤية المزيد من الموجات القادمة التي تتفاعل مع التنمية الاقتصادية وتؤثر في معدلات التعافي لمختلف الاقتصادات. مضيفاً، "نحن لا نعرف شيئًا عن التفاعل بين كوفيد والاقتصاد ومعدلات التعافي التي لاتزال في بدايتها، بخاصة أن فيروس كورونا جديد بالنسبة لنا، لذلك فإن التفاعل بين الديناميكيات يؤثر في التنبؤ بالمستقبل، وبالتالي هناك قدر كبير مجهول". 

 اضطراب سلسلة التوريد

ويعتقد الاقتصادي اللبناني أن الجانب الثاني "يتعلق باضطرابات سلسلة التوريد، إذ أثرت الجائحة على قطاعات التجارة والسياحة والنقل والخدمات اللوجستية، وحركة الأفراد والبضائع على مستوى العالم، مما يجعل تعافي دولة ما مرتبط بتعافي أخرى، فإذا كان لدينا تعطيل في سلسلة توريد ما فلن يكون من السهولة تغيير الموردين، حتى إذا كان لديك شريك تجاري في بلد آخر، فقد لا يكون من السهل استعادة العلاقة التجارية، وهكذا فإن الاضطراب في سلسلة التوريد يؤثر أيضاً في التعافي، وبالتالي الانتعاش الاقتصادي سيكون حصوله أطول". 

 صدمة الانتعاش

أما الجانب الثالث فيتعلق على حد قوله بهيكل التغيير، "فعندما تكون لدينا دورة أعمال ندرك ما يمكن أن نتوقعه، فقد تؤثر السياسة النقدية والمالية وغيرها من السياسات الأخرى على سرعة الانتعاش وعلى مدى اتساع تأثير الصدمة". وضرب مثالاً على ذلك بما حدث خلال الأزمة المالية العالمية 2008، "يوم رأينا ما فعلته السياسات المالية والنقدية غير المسبوقة، ورأينا أيضا رد فعل الاقتصاد مع مرور الوقت. إن ما يحتمل أن يكون لدينا هنا هو حدوث التغيير الهيكلي، فحتى الآن لا نعرف ما هي الأعمال التجارية التي ستنجو من براثن الجائحة، فالعديد من الأعمال، لاسيما قطاعات الشركات الصغيرة والمتوسطة، قد لا تنجو من هذه الأزمة، وتبعاً لذلك سنرى تغييراً هيكلياً، كما رأينا تأثر قطاعي التجزئة والعقار حتى الآن، وبالتالي فإن صناعات عدة قد لا تنجو، مما سيؤثر في معدلات التعافي في أي دولة".

سرعة التعافي معلقة بالصرامة

أما الجانب الرابع كما يراه المتخصص الاقتصادي، فهو الانتعاش المرتبط بمدى صرامة الإجراءات الحكومية في العالم في مواجهة الوباء، فهو يرى أنه كلما كانت الحكومات أكثر صرامة في الحد من تفشي الأزمة، كان التعافي يسير بشكل أفضل. وأضاف "رأينا ذلك جلياً في الصين عندما أغلقت الحكومة المدن والأقاليم، وحدّت من انتشار الفيروس، وكانت أول الدول التي أعادت فتح اقتصادها مجدداً، لذلك فالصرامة الأكبر في التعامل مع الوباء يقابلها التعافي الأسرع والكلفة والخسائر الأقل". غير أن الوزير الأسبق لاحظ أن هناك تبايناً بين البلدان في ما يتعلق بالتدابير الصارمة في التعامل مع الجائحة، مما يعني أنه سيكون هناك أيضاً تباين في مستويات التعافي بين دول العالم، وهذا يضيف مقياساً آخر لعدم اليقين. وهذا ما فسّر به ما يجري اليوم في أوروبا، "حيث معايير الصرامة متباينة في التعامل مع الأزمة، مما أثر وسيؤثر في المستقبل على معدلات التعافي والتوقعات الاقتصادية". 

ديون غير مسبوقة للحكومات 

ويتعلق الجانب الأخير من العوامل المالية الضاغطة بالديون، إذ برزت التحفيزات المالية في جميع البلدان ضمن جهود التصدي للوباء ومحاولة إيجاد لقاح للفيروس، وكان هناك انفاق كبير على تحسين النظم الصحية في دول العالم، وفقاً لتقويم المتخصص السعيدي، الذي أكد أننا شهدنا إلى جانب ذلك "تحفيزات مالية أيضاً لمساعدة الشركات والأعمال على التعافي، وهذه التمويلات أسهمت في تعظيم الديون في ظل انخفاض مداخيل الأعمال ​​وتراجع العوائد الضريبية في ظل اقتراض الحكومات بمعدلات غير مسبوقة، مما تسبب في تراكم كبير جداً للدين الموجود أصلاً منذ عام 2019 وقبل اندلاع الجائحة، وهذا التراكم قد يقود لولادة أزمة مالية عالمية جديدة".

وكان صندوق النقد الدولي دعا في تقريره الأخير، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى تبني الإصلاحات وتعزيز جهود تنويع الاقتصاد، متوقعاً انكماش الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 5 في المئة هذا العام مقارنة بتوقعات سابقة في يوليو (تموز) بانكماش 5.7 في المئة. 

الاتجاه التحفيزي وليس التقشفي 

من جهته، يدافع عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار"، وضاح الطه، عن تقرير صندوق النقد الدولي، بوصفه يحمل تشخيصاً واستنتاجات مبنية على افتراضات واقعية، خصوصاً في ما يتعلق بأسعار النفط التي تتأثر بانخفاض الطلب جراء الجائحة التي أثرت على الاستهلاك، مما يعني أن الدول النفطية بحسب تحليله هي الأخرى ليست في منأى عن التحديات التي فرضها الوباء.

وقال، "لقد ثبت أن الاتجاه التحفيزي أفضل من التقشفي في توقيت الأزمات، إذ يساعد التحفيز على نقطتين رئيسيتين، أولاهما على زيادة الاستهلاك وهو أمر مهم بالنسبة للاستهلاك الفردي، وثانيهما الاستثمار الرأسمالي، فإذا تمكنا من خلق هذا التوجه فسيكون بإمكاننا خلق حال تعاف أسرع نسبياً مقارنة باتجاه آخر يكون محفوفاً بالمخاطر"، لافتاً إلى أن الاتجاه التحفيزي مع وجود العجز يعتمد على التمويل. 

إصدار السندات خليجياً

ويعتبر الطه أن النقطة الأكثر أهمية تكمن في نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول المنتجة للنفط في المنطقة، وهي ديون وصفها بالمتدنية مقارنة بمعايير الدول النامية، "مما يسمح لهذه الدول بالمزيد من الاقتراض عن طريق إصدار السندات، وسط تدني أسعار الفائدة وتوفر هذه الشريحة من الدول على تصنيف ائتماني مرتفع نسبياً، يضاف إلى امتلاكها صناديق سيادية جيدة مصنفة عالمياً، فيساعد ذلك في خفض معدلات الفوائد للسندات السيادية التي يتم إصدارها لتمويل الموازنات التي يجب أن تبقى طموحة، وتبقى في الاتجاه التحفيزي مع الأخذ في الاعتبار توجيه التحفيز للقطاعات غير النفطية مثل السياحة".

أداء دول الخليج

ويذهب المحلل المالي محمد علي ياسين، إلى أن تقرير الصندوق الثالث من حيث تحديثه لتوقعات العام 2020 و2021، ومع  تركيزه على تقييم التعاطي مع جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية بوجه عام، إلا أنه إذا تعلق الأمر بدول مجلس التعاون الخليجي فإنها ليست سواء، ويمكن تقسيمها إلي جزئين، دول تمتلك فوائض مالية ولديها إنتاج عال من النفط مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر، ودول منخفضة الإنتاج مثل عُمان والبحرين، وبالتالي فإن صلابتها أمام طوفان الجائحة لن تكون في مستوى واحد، مع أنها في المجمل "تعاملت بشكل جيد جداً مع تفشي الجائحة من حيث الوضع الصحي وإجراء اختبارات كورونا كأولوية، بغض النظر عن الأمور الأخرى، ورأينا أيضاً دعم الحكومات الخليجية للقطاع الخاص والمصرفي والصحي".  

ماذا عن عواقب الموجة الثانية؟

ويضيف ياسين، أنه مع انتهاء موجة الإغلاق التي تسبب بها الوباء رأينا تفاوتاً في فتح اقتصادات الدول، فعلى مستوى الإمارات رأينا فتحاً أسرع لإمارة دبي مقارنة بإمارة أبوظبي التي لا تزال مغلقة، وعلى مستوى السعودية رأينا عودة للسياحة الإسلامية مثل مناسك العمرة. إلا أن الخطر الأكبر في نظره "يكمن في تفشي موجة ثانية من الوباء قد تتسبب في إغلاق ثانٍ للاقتصادات، إذ حتى لو كان جزئياً، فسيكون له تداعيات سلبية وخيمة حينها، وستكون توقعات النمو للمنطقة أسوء من تلك التي توقعها صندوق النقد الدولي، ونحن نشهد تفشي موجة ثانية في أوروبا ونشهد عمليات إغلاق تستمر لأسابيع، ونرى تداعيات على الشركات والأعمال، بينما إذا ما استطعنا لجم تفشي الوباء في المنطقة، ونجحنا في تجنب موجة ثانية من الوباء، وتجنبنا الإغلاق الجزئي بعد استبعاد الكلي، فسيكون الاستمرار في عملية التعافي أسرع، وعندها ستتجاوز أرقام النمو الاقتصادية النسب المتوقعة، بخاصة في ظل خفض الإنفاق وتركزه في قطاعات معينة".

ويرجح المحلل أن هناك عاملين مهمين سيكون لهما تأثير في المنطقة، يرتبط العامل الأول بالانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومن سيكون سيد البيت الأبيض، هل هو دونالد ترمب إلى ولاية رئاسية ثانية، أم المرشح الديمقراطي جو بايدن، ومن سيسيطر على مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركي الجمهوريون أم الديمقراطيون، مؤكداً أن "تلك النتائج سيكون لها تأثير في المنطقة وأسعار النفط والدولار، وسيكون لها تأثيرات مباشرة على اقتصادات وإيرادات دول مجلس التعاون الخليجي. أما العامل الثاني فيرتبط بالتوترات الجيوسياسية سواء الحروب أو المناوشات أو المقاطعات، فالمنطقة حالياً هي في قلب التوترات الجيوسياسية، وأي استقرار أو عمليات تهدئة سيكون لها أثر إيجابي على المنطقة واقتصادات دولها، ولكن أي تصعيد أو غياب للاستقرار السياسي في بعض الدول سيكون له أثر مما نتوقعه أو نراه"، لافتاً إلى أن هذين العاملين خارجين عن إرادتنا، ولكن يجب وضعهم في الاعتبار، فقد يكون لهما تأثير في اقتصادات الدول الخليجية، بحسب قوله.

من المبكر رصد الآثار الحقيقية لكورونا

من جانبه، قال الكاتب الكويتي محمد رمضان، إن "ما نراه حتى اليوم لا يعدو كونه آثاراً بسيطة للجائحة"، مشيراً إلى أنه بالنظر نحو الأزمات التي عصفت بالعالم من قبل، نعرف أن المشكلات الكبيرة عادة ما تظهر بعد فترة من الزمن، "لأن تداعيات الأزمة ستظهر على الشركات البسيطة والأسواق بعد فترة من الزمن"، ولذلك فليس مستغرباً النبرة التشاؤمية لتقرير صندوق النقد الدولي، فعلى سبيل المثال في الكويت تم تأجيل سداد أقساط القروض حتى نهاية أكتوبر الحالي لستة أشهر، ويضيف، "من الصعب رصد العملاء المتعثرين، هؤلاء سيبرزون في الفترة القادمة. لم يظهر أمامنا بعد حجم الضرر الحقيقي الناجم عن الوباء".

ويعتقد أنه في الفترة المقبلة ستتمكن البنوك من رصد العملاء المتعثرين، وسيتم تحديد حجم الضرر الواقع، وأيضاً رصد أعداد الشركات التي أفلست بسبب الجائحة، وكذلك تحديد معدل البطالة، وبالنسبة للمنطقة الخليجية، فإن رمضان لفت إلى أن أغلب العمالة في القطاع الخاص من الوافدين، وهذا يعني أن البطالة لن تطال المنطقة الخليجية ولكن دولاً أخرى، أي أن إنهاء خدمات العمالة لدى تلك الدول لن يؤثر في أرقام البطالة، ولكن التأثير سيطال الدول المصدرة للعمالة. 

ويرى أن تقرير الصندوق كانت نظرته شمولية عامة، فظروف كل دولة تختلف عن الدولة الأخرى، وإن كانت هناك عوامل مشتركة، "فعلي سبيل المثال السعودية توجهت لرفع القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المئة خلال أزمة كورونا، في وقت لم تتوجه أي دول خليجية أخرى لرفع القيمة المضافة، كما أقرت عُمان هذه الضريبة وستبدأ قي تطبيقها قريباً، وفي الإمارات بقيت ضريبة القيمة المضافة عند الخمسة في المئة كما هي و لم ترتفع، في حين لم يتم تفعيل هذه الضريبة في كل من الكويت وقطر حتى الآن، وبالتالي نتفهم النبرة التشاؤمية للتقرير، بخاصة أنه في ظل حال عدم اليقين السائدة اليوم".

 واستخلص رمضان من كل ذلك أن آثار وتداعيات كورونا "لا تزال غير معلومة، فيما التقرير بنبرته الراهنة جاء ليحفز الدول باختلاف ظروفها لاتخاذ إجراءات تحد من تفاقم الأزمة الحاصلة، وتجنب حدوث ندوب عميقة في الاقتصادات مستقبلاً". 

المزيد من اقتصاد