Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيغوريات يكشفن عن معاناتهن الرهيبة في سجون الصين

"إما أن تخضعن لعملية إجهاض وإلا ستعاني عائلاتكن". هكذا يقال لنساء شينجيانغ، لكن التهديدات المتواصلة لم تردعهن

توقيف إيغوريات بعد محاولتهن دخول إقليم شينجيانغ الصيني (أ ف ب وغيتي)

ذهبت الشرطة قرابة منتصف ليل الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017 إلى منزل غولزيا موغدين، 39 سنة، في غرب إقليم شينجيانغ الصيني، لنقلها إلى المستشفى. كانت موغدين تدرك أن المعاينة الطبية هي الخطوة الأولى في عملية إجبار السلطات الصينية أبناء الأقليات الإثنية، مثل الكازاخ، على دخول معسكرات للتلقين السياسي. وكانت موغدين قد انتقلت إلى كازاخستان للعيش مع زوجها وهو مواطن كازاخستاني. غير أن الشرطة الصينية قد طلبت منها في وقت سابق من العام الحالي أن تعبر الحدود عائدة إلى الصين مع طفليها اللذين أنجبتهما في زواج سابق.

وكانت موغدين قد اكتشفت قبل مجيء الشرطة بخمسة أيام أنها حامل. وأظهر ت المعاينة الطبية فعلاً أنها كانت حبلى. وتقول إن السلطات بدأت في اليوم التالي بممارسة ضغوط عليها كي تجهض جنينها. فقاومت ذلك قائلة إنه ليس بمقدورها إسقاط الجنين من دون الحصول على موافقة زوجها. وفي الشهر التالي، استُدعيت إلى مكتب الإدارة المحلية، حيث أبلغها مسؤول هناك أنها إن رفضت الإجهاض ستتم محاسبة شقيقها على ذلك. ونظراً لخوفها من اعتقال أخيها بسببها، استسلمت موغدين للأمر الواقع، وهكذا خضعت لعملية إجهاض في 5 يناير (كانون الثاني).

وكانت موغدين واحدة من آلاف النساء في إقليم شينجيانغ ممن تستهدفهن الحملة الصينية لدمج الأقليات العرقية باستعمال طرق منها الاعتقال الجماعي، الفصل بين أبناء العائلة الواحدة، فرض قيود على استعمال لغتهم [الخاصة] وممارسة الشعائر الدينية، والعمل القسري، والإجهاض الإجباري المزعوم، والعقم القسري. هكذا يُجبر أبناء الأسرة نفسها على البقاء بعيدين بعضاً عن بعض، علماً أن وثائق حكومية رسمية تُظهر كما يبدو أن الآلاف من الأطفال الإيغور قد تُركوا من دون آبائهم وأمهاتهم، وذلك استناداً إلى دريان زينز، وهو باحث بارز معني بإقليم شينجيانغ.  

وشينجيانغ هو إقليم غني بالموارد الطبيعية، يمتد على مساحة تضاهي مساحة إيران. ويعيش فيه حوالى 11 مليون نسمة من أبناء الإيغور، وهي أقلية تتحدث اللغة التركية، إضافة إلى أقليات أخرى ذات غالبية مسلمة مثل الكازاخ والهوي والتتار. يُذكر أن الحكومة الصينية كانت قد بدأت حملتها متعددة الجوانب عام 2016، وذلك في أعقاب الاشتباكات العرقية والهجمات المتفرقة التي كانت قد هزت المنطقة في سنوات سابقة واتُّهِم الإيغور بشنها. وتقول بكين إن السياسات المذكورة آنفاً ضرورية لكبح الإرهاب والنزعة الانفصالية، إضافة إلى التطرف الديني. لكن يقول الذين غادروا معسكرات الاعتقال، ومجموعات ناشطة في مجال حقوق الإنسان، وممثلو حكومات أجنبية، إنه يتم الاحتجاز بصورة تعسفية لأسباب لا تتعدى تأدية الصلاة، أو السفر إلى الخارج، أو وجود تطبيقات هاتفية محظورة مثل "واتساب" في أجهزة الهواتف الخاصة بهم. ويقدر الخبراء أن ما يزيد على مليون شخص قد زُج بهم في معسكرات الاعتقال منذ بدء الحملة.

ودانت 39 دولة، بينها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، الصين الأسبوع الماضي، بسبب السياسات التي تطبقها في منطقة شينجيانغ. وأثارت الخطوة رداً سريعاً من بكين التي اتهمت هذه الدول بنشر "معلومات كاذبة و(بنشر) "فيروس سياسي" وبالتدخل في شؤون الصين الداخلية.

وفيما تكسب حملة شينجيانغ مزيداً من الزخم الدولي، أخذت محنة المرأة في ذلك الإقليم تحتل موقع الصدارة. فالنساء يُزج بهن في معسكرات الاعتقال، إلى جانب أزواجهن، وإخوتهن، وآبائهن وأولادهن. وأفاد نزلاء سابقون لهذه المعسكرات بأن النساء يتعرضن للضرب وإساءة المعاملة والإكراه على تناول الدواء والخضوع لعمليات تعقيم تجعل كلاً منهن عاقراً.

إضافة إلى ذلك، قامت الحكومة بتعزيز العديد من السياسات المعمول بها في الإقليم، والهادفة إلى خفض معدلات الولادة في أنحاء الإقليم مع تشجيع الإدارات المحلية على زرع أدوات في أرحام السيدات، مثل اللولب الرحمي، وإجراء عمليات تعقيم على نطاق واسع، وذلك وفق ما أورد تقرير نشره زينز في يونيو (حزيران) الماضي. ويُذكر أن 80 في المئة من العدد الإجمالي لكل اللوالب الرحمية المستعملة في الصين، قد زُرعت في إقليم شينجيانغ، مع أن سكانه يمثلون مجرد 1.8 في المئة من مجموع سكان البلاد. ونتيجة لذلك فقد تراجعت معدلات الولادة في شينجيانغ العام الماضي بنسبة 24 في المئة، في حين لم تتجاوز نسبة هبوطها 4.2 في المئة على المستوى الوطني، طبقاً لما تورده الإحصاءات الرسمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في الوقت نفسه، تتصدى نساء إقليم شينجيانغ لبكين بشكل متزايد. وموغدين، هي واحدة من نساء كثيرات من الإيغور والكازاخ اللواتي رفعن أصواتهن في أعقاب فرارهن من الصين، للحديث علناً عن المحنة التي واجهنها هناك، وذلك في محاولة للتشجيع على مساءلة الحكومة الصينية.

وتقول موغدين لموقع "اندبندنت"، "بوسعي التأكيد أنني لا أزال أشعر بألم فقدان (الجنين)، فأنا لم أشفَ منه نهائياً حتى الآن". وهي عادت إلى بيتها في كازاخستان في مايو (أيار) عام 2018، بعد أربعة أشهر قضتها في الإقامة الجبرية، وجه خلالها زوجها أمان أنساغان نداءات إلى الحكومة الكازاخية والسفارة الصينية ومنظمات غير حكومية ولصحافيين، وذلك في إطار جهوده الرامية إلى إطلاق سراحها. ولم تتمكن موغدين من الحمل ثانية، ويسعى حالياً الزوجان إلى مقاضاة الصين بتهمة الإجهاض الإجباري المزعوم.

أما بالنسبة إلى زومرت داوت، وهي سيدة أعمال من أورومتشي، عاصمة إقليم شينجيانغ، فقد كانت زيارة للمستشفى مقدمة لكابوس مخيف استغرق شهرين، تماماً كما حصل مع موغدين. وتقول داوت إنه طُلب منها الحضور إلى مركز الشرطة المحلي أواخر مارس (آذار) عام 2018. وهناك سُئلت عن أسفارها، ومكالماتها الهاتفية، وتحويلاتها المصرفية المرتبطة بالعمل الذي كانت تقوم به مع زوجها الباكستاني في مجال التصدير والاستيراد. واحتُجزت تلك الليلة.

وفي صباح اليوم التالي، نقلوها إلى المستشفى، حيث رأت عدداً من النساء الإيغوريات وقد اصطففن برفقة عناصر من الشرطة، على حدّ قولها. وبعدما أُخذت في المستشفى بياناتها الحيوية، بما فيها تسجيلات صوتية، وعينات دم، وبصمة العين وصور بالأشعة السينية، نُقلت إلى أحد معسكرات التلقين السياسي في شينجيانغ، التي تسميها الحكومة الصينية "مراكز التعليم المهني".

وتقول داوت لـ "اندبندنت"، إنها تشاركت زنزانتها المزدحمة في المعسكر مع 27 امرأة أخرى. وتضيف إنهن كنّ يؤخذن كل يوم إلى "غرفة الصف" حيث يدرسن لغة الماندرين الصينية وأيديولوجية الرئيس شي جينبينغ وهن جالسات على أرض الغرفة الإسمنتية الرطبة. وتتابع "كنا كل يوم نُسأل حين نغادر غرفة الفصل: "هل الله موجود؟". وتزيد "لم أشأ أن أجيب بالنفي في اليوم الأول. وعندها ضربني [الحارس] بهراوة بلاستيكية وسألني "لماذا لا تجيبين؟"، كنت خائفة من أن أُضرب، فقلت "لا، ليس هناك إله". لكن الله بقي في قلبي".

 

وتقاسمت داوت ذات ليلة حصتها من الخبز في العشاء مع سجينة متقدمة في السن كانت تعاني من السكري. وفعلت الأمر نفسه في الليلة التالية. وفجأة، ومن حيث لا تدري، جاء حارسان وأشبعاها ضرباً. وحين صرخت "يا الله!" قال أحد الحارسين "إذا كان ربك عظيماً إلى هذا الحد، ليخلصك". وتوضح داوت أنها أُجبرت على تناول دواء غير معروف، كان له مفعول مهدئ. وتشير إلى أن النساء في المخيم الذي اعتقلت فيه كنّ يُوَزَّعْن على ثلاث فئات، وذلك على أساس التهمة المفترضة: المتدينات، واللواتي سافرن كثيراً، أو لهن أقارب في الخارج، وصاحبات تطبيقات هاتفية محظورة مثل "فيسبوك" أو "واتساب". وكان التدين يعتبر التهمة الأكثر خطورة.

وأُفرج عن داوت بعدما ناشد زوجها الباكستاني مراراً سفارة بلاده ومكتب الأمن العام في أورومتشي لإطلاقها، مهدداً بالتحدث إلى صحافيين أجانب عنها. وغادر الزوجان البلاد مع أولادهما الثلاثة ليستقروا في نهاية المطاف في فيرجينيا بالولايات المتحدة. لكن تقول داوت إن غرامة فُرضت عليها وأُجبرت على الخضوع لعملية تعقيم وذلك قبل مغادرتها شينجيانغ.

وإذ يتعذر التحقق من صحة ما روته موغدين وداوت بشكل مستقل، فما أوردتاه منسجم مع الشهادات التي أفاد بها أشخاص آخرون تمكنوا من الفرار من شينجيانغ. ويخضع الإقليم ذاته إلى رقابة مشددة، فيما يمنع مسؤولو الأجهزة الأمنية الصحافيين الأجانب من التحدث إلى أبناء المنطقة. وأدلت داوت بشهادتها في سبتمبر (أيلول) الماضي خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لأنها أرادت، كما تقول، أن تساعد نساء أخريات يعانين في شينجيانغ من المحنة التي عاشتها هي.

وتقول زُبيرا شمس الدين، وهي منسقة "مشروع الإيغور لحقوق الإنسان" الصينية، إن النساء اللواتي يرفعن الصوت يجسدن الشجاعة والأمل بالنسبة لقضية الإيغور. وتضيف "تريد الحكومة الصينية إعادة هندسة النساء الإيغوريات وذلك من أجل تنفيذ غزو كامل لشعب الإيغور، بيد أن ذلك مهمة مستحيلة [بسبب] شهادات الناجيات من معسكرات الاعتقال". وتتابع "هؤلاء النسوة يتمتعن بشجاعة بالغة. إنهن يحتفظن بكرامتهن حتى الآن".

صوفيا، وهي امرأة من شينجيانغ لم تشأ أن تفصح عن اسمها الحقيقي لأن أوراق إقامتها في الخارج ما زالت تحت الدرس قضت ستة أشهر ونصف الشهر في معسكر اعتقال في مسقط رأسها بشينجيانغ، لأنها كانت قد سافرت إلى كازاخستان. وتصف البرنامج اليومي الذي خضعت له في المعسكر واشتمل على الترهيب والضرب والملل.

وأبرزت صوفيا أمام "اندبندنت" وثائق طبية تفيد بأنها عانت من تورم في أعضاء داخلية تسببت بها صدمة جسدية كانت قد تعرضت لها. وعرضت أيضاً إيصالاً بقيمة 1800 يوان (حوالي 260 دولاراً أميركيا) أجبرت على دفعه ثمناً للطعام الذي تناولته في معسكر الاعتقال. وتقول إن سرد تفاصيل تجربتها يجعلها تشعر بقدر من الألم، لكنها مصرة على المضي في ذلك بهدف حماية نساء أخريات من مواجهة المصير نفسه.

وتوضح صوفيا "ليس بوسعي حتى أن أقول إنني أكره [من اضطهدوني] لأنني عشت بينهم لفترة من الزمن... آمل فقط أن ينتهي ذلك وألا يعاني شخص آخر من ذلك".

(ساهمت دينارا سالييفا في إعداد التقرير)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات