Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب يبدي استعداده لشطب السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب

هل ترضخ الخرطوم لضغوط المحكمة الجنائية بتسليم المطلوبين في جرائم دارفور؟

وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري يلتقي المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا خلال زيارتها إلى العاصمة الخرطوم (أ ف ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، إن الولايات المتحدة سترفع اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب بعد أن تدفع حكومته الجديدة ملايين الدولارات للأميركيين من ضحايا الإرهاب، وذلك في موقف تاريخي داعم للحكومة السودانية الساعية لطي صفحة عقود من مقاطعة المجتمع الدولي للبلاد.

وكتب على تويتر، "وافقت حكومة السودان الجديدة، التي تحرز تقدماً كبيراً، على دفع 335 مليون دولار للأميركيين من ضحايا الإرهاب وعائلاتهم. بمجرد إيداع المبلغ سأرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. أخيراً، العدالة للشعب الأميركي وخطوة كبيرة للسودان".

وتعليقاً على إعلان ترمب، كتب رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك على حسابه الرسمي على تويتر "ونحن على وشك التخلّص من إرث النظام المباد أؤكد أننا شعب محب للسلام وشعبنا لم يدعم الإرهاب".

وأكد حمدوك أن هذا التصنيف كلف السودان وأضر به، مضيفاً "إننا نتطلع كثيراً إلى إخطاره الرسمي للكونغرس بذلك"، في إشارة إلى ترمب.

واعتبر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان أن ما أعلنه ترمب ينطوي على تقدير للشعب السوداني، وكتب على تويتر "هذه الخطوة البناءة لإزالة اسم السودان من قائمة الدول التي ترعى الارهاب يتأكد فيها التقدير الكبير للتغيير التاريخي الذي حدث في السودان ولنضال وتضحيات الشعب السوداني".

 

السودانيون يحتفلون

وأورد "تلفزيون السودان" الرسمي أن رئيس الوزراء أكد تحويل المبلغ المالي الذي وضعه الرئيس الأميركي شرطاً ليصدر الأمر التنفيذي. ونقل التلفزيون عن حمدوك قوله "تم تحويل مبلغ التعويضات إلى الولايات المتحدة الأميركية".

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أن العشرات خرجوا إلى شوارع الخرطوم وهم يلوحون بأعلام السودان ويهتفون بشعار الثورة السودانية "حرية سلام عدالة" وذلك احتفالاً بإزالة اسم البلاد من القائمة.

وسارع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الإثنين إلى الترحيب بإعلان ترمب. وكتب بوريل على تويتر أن "النية التي أعلنتها الولايات المتحدة لسحب السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب لها أهمية بالغة".

وقال الناشط جون برندرغاست الذي أسس مع الممثل والناشط الأميركي جورج كلوني منظمة "ذي سنتري" لمكافحة تبييض الأموال التي تؤجج النزاعات في إفريقيا "بهدف دعم آلية الانتقال إلى نظام ديمقراطي تقوده قوى مدنية، على الكونغرس الآن أن يقر التشريع الذي يعيد الحصانة لسيادة السودان ويضع حداً لوضعية السودان المزمنة كدولة منبوذة".

وتمنح القوانين الأميركية الرئيس صلاحية شطب دولة من القائمة السوداء بموجب قرار يمكن للكونغرس الاعتراض عليه في مهلة 45 يوماً. وسيصوّت الكونغرس على منح السودان حصانة إزاء أي مزاعم جديدة.

وقالت إيديث بارتلي المتحدثة باسم عائلات الأميركيين الذين قتلوا في تفجيرات نيروبي إن حزمة التعويضات ستشكل إقراراً بـ"تضحيات دبلوماسيينا في الخارج". وأضافت في بيان نشره البيت الأبيض إن "الضحايا وحلفاءنا الإقليميين الراغبين بأن يصبح السودان داعماً مجدياً اقتصادياً للسلام الإقليمي يعولون على تحرك سريع للكونغرس دعماً لهذه الجهود". 

فاتو بنسودا

من جهة ثانية، تزور المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا السودان لخمسة أيام، وهذه تمثل الزيارة الأولى من نوعها، بهدف التنسيق والتعاون مع السلطات السودانية بخصوص المتهمين الذين صدرت في حقهم أوامر قبض، والتقدم الذي أحرزته في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظر فيها المحكمة، فضلاً عن التعاون بشأن أوامر التوقيف الأخرى، التي أصدرتها المحكمة الجنائية في ما يتعلق بإقليم دارفور، ومدى التزام الجهات ذات العلاقة في البلاد للدفع بهذه القضايا حتى تُحقَق العدالة لضحايا تلك الجرائم.

والتقت بنسودا خلال زيارتها حمدوك، ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وعدداً من المسؤولين والجهات ذات العلاقة، فيما أكد حمدوك خلال لقائهما التزام الحكومة السودانية  تحقيق العدالة كأحد شعارات الانتفاضة السودانية، مبيناً أن التزام السودان ذلك، ليس من الالتزامات الدولية فحسب، وإنما يأتي استجابة للمطالبات الشعبية بإقامة العدالة وتنفيذ شعارات المتظاهرين.

ونوّه حمدوك إلى أن زيارة وفد المحكمة الجنائية للبلاد تعد شهادة على التغيير الذي تحدثه عمليات الإصلاح الشامل في السودان الجديد.

في حين عبّرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية عن سعادتها بزيارة السودان، التي وصفتها بـ التاريخية"، مشيرة إلى أن الهدف من الزيارة هو البحث مع المسؤولين السودانيين حول عمل المحكمة الجنائية الدولية في دارفور، وكيفية تنسيق التكامل بين عمل المحكمة وعمل الجهاز القضائي السوداني، حول موضوعات ذات صلة بدارفور، إضافة إلى كيفية الحصول على تعاون السلطات السودانية في جمع المعلومات ذات العلاقة بقضية المتهم السوداني، الذي سلم نفسه أخيراً للمحكمة الجنائية في أفريقيا الوسطى عبد الرحمن كوشيب.

انتهاكات دارفور

تعليقاً على أهداف هذه الزيارة وما يتوقع أن يحدث بشأن تسليم المتورطين في جرائم الحرب في دارفور، يقول عضو اللجنة السياسية في تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين محمود الشيخ، "بالتأكيد أن زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية، تختص بمناقشة الخيارات الأفضل لمحاكمة المتورطين في جرائم دارفور، من خلال الوصول إلى حلول وسطية في ظل رفض المكوّن العسكري، تسليم الرئيس السابق عمر البشير وأعوانه إلى المحكمة الجنائية، التي غالباً ما تتراوح ما بين محكمة هجين داخل البلاد، أو محكمة في إحدى دول الجوار. فالحكومة السودانية راغبة في المحاكمات الداخلية، لكنها غير قادرة لأسباب عدة، من أهمها عدم تعاون أجهزة رسمية وقيادات عسكرية وسياسية مع هذا الملف، لذلك ستأخذ المفاوضات كثيراً من الوقت للتوصل إلى خيار مناسب". لافتاً إلى أن كون بعض القيادات العسكرية السودانية لديها ضلع أساس في الانتهاكات التي جرت في دارفور، باعتبارها كانت ضمن اللجنة الأمنية في النظام السابق، فهي تخشى أن تتهم بالتورط، فضلاً عن الشرف العسكري الذي يمنع التسليم لمحاكم خارجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "لا شك أن المشاورات في هذا الموضوع لن تقتصر على الحكومة السودانية فقط، بل تشمل أهل الضحايا وغيرهم، بالتالي ستكون الرؤية توافقية بين كل الأطراف، خصوصاً أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية في يدها سلاحان، الأول القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي، وهو تسليم مرتكبي جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية، والثاني يتمثل في رغبة أهل الضحايا بمثول هؤلاء أمام المحكمة الدولية في لاهاي، وهذا الضغط يساعد المدعي العام في الوصول إلى حل مناسب وأفضل، لكن في كل الأحوال تسليم البشير وأعوانه للمحكمة الجنائية ليس هو المطلب الأساس، فالمطلوب إجراء محاكمات عادلة ومرضية لذوي الضحايا".

واستبعد محمود الشيخ، تعاون الجهات المختصة في البلاد مع وفد المحكمة الجنائية، لأن عدم الانصياع للقرار الدولي، يضع الحكومة والشعب أمام مصاعب في غنى عنها، مبيناً أن وصول المدعية العامة للمحكمة الجنائية للمرة الأولى إلى السودان دليل على وجود ترحيب من حيث المبدأ لتسليم البشير والمتهمين في هذه القضية إلى المحكمة الجنائية، لكن في اعتقادي أن المفاوضات والمناقشات تتركز على المكان الذي ستجرى فيه المحاكمات، وإن كانت مسألة التسليم ليس فيها ممانعة على الإطلاق إلا من قبل أنصار البشير، الذين تبدل موقفهم بعد الانتفاضة الشعبية، التي أطاحت به في أبريل (نيسان) 2019، بالتالي إذا خضع البشير وأعوانه للمحاكمة داخل السودان لن يُسمع لأنصاره صوت.

تعزيز الثقة

في المقابل، يشير الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن إلى أن "زيارة المدعية العامة للمحكمة الجنائية للبلاد تعد ناجحة من النواحي كافة، خصوصاً لناحية إرسال رسائل واضحة، تؤكد اتجاه الحكومة السودانية احترام تعهداتها والوفاء بتسليم مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية لمحكمة الجنايات الدولية، ما تعد رسالة جيدة تحسن صورة الحكومة الانتقالية والشعب السوداني في المحافل الدولية، وأيضاً تعزز الثقة بين الحكومة ومواطنيها، لكن في نظري، شاب هذه الزيارة قصور، فكان من المتوقع في مثل هذه الزيارات أن تنظم لقاءات مع الجهات المعنية غير الرسمية لتسمع وجهات نظرها، وهو ما لم يحدث، بل تركزت لقاءات المدعية العامة على الاجتماع مع المسؤولين في الدولة، وكأن الزيارة جاءت لأغراض علاقات عامة فقط".

ولفت إلى أن حضور المدعية العامة للسودان، جاء ضمن أمور وقضايا عدة تتعلق ليس بتسليم البشير فحسب، بل بالبنية المنتجة والمحافظة عليها وشهادة الشهود في جرائم دارفور، لذلك فالإجراء السليم أن تلتقي المدعية بجهات ذات علاقة وصلة بموضوع زيارتها، وإجراء لقاءات مفيدة ومثمرة في إجراءات الدعوى والتحقيق، موضحاً أن اللقاءات الرسمية ليست بالضرورة أن تخدم قضية معقدة مضى على ارتكابها أكثر من 15 عاماً في كل الأحوال. فيما جدد مطالبة هيئة محامي دارفور بصفتها ممثلة قانونية لعديد من ضحايا الجرائم المرتكبة في الإقليم، بتسليم المطلوبين كافة لمحكمة الجنايات الدولية وعلى رأسهم رئيس النظام السابق.

انقسام الموقف السوداني

وفي إطار متابعة "اندبندنت عربية" للموضوع يوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الرشيد محمد إبراهيم أن "هذا الملف الخاص بالمحكمة الجنائية، الذي استمر تحريكه وإثارته من حين لآخر، لا ينفصل عن الأحداث الداخلية في البلاد، فهناك مواقف معلنة من المجلس العسكري قبل التوقيع على الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، تشير إلى عدم تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية، وفي المقابل هناك موقف لقوى "الحرية والتغيير" الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية في إطار اتفاق السلام يطالب بتسليمه، فقد تكون زيارة بنسودا للبلاد مفيدة إذا كان هناك تنسيق بين الأطراف السودانية كافة، وموقف موحد، لكن في ظل الانقسام الواضح فإن وفد المحكمة الجنائية سيستخدمه بطاقة ضغط، وهو المشهد نفسه الذي يحدث في مسألة التطبيع التي تشهد انقساماً بين المكونين المدني والعسكري، وفي النهاية الخاسر هو الوطن". مشدداً على أهمية توافق المكونات السياسية والشعبية والحكومية كافة، لأن الانقسام يؤدي إلى عواقب وخيمة وحالة لا تخدم الأمن القومي.

وتابع إبراهيم، "كما أن السودان ليس عضواً في المحكمة الجنائية، بالتالي فهو يفتقد الإطار القانوني الذي يتم فيه التعاون مع هذه المحكمة، ويبقى السؤال هل ينضم السودان إلى عضوية المحكمة الجنائية؟ وهذا القرار يستوجب توفر شروط من أهمها وجود برلمان يوافق على هذا الإجراء، فالراجح أن المسألة في النهاية عبارة عن بطاقة ضغط ومغازلة أكثر من كونها عميلاً إستراتيجياً. فأنا لا أتوقع تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية لوجود عقبات كثيرة، أبرزها أنه لم يحدث في تاريخ السودان السياسي، أن سُلِم رئيس دولة للقضاء الدولي ما تعد سابقة، كما أن أعراف المؤسسة العسكرية السودانية وتاريخها لا تسمح بالتسليم، فضلاً عن خوف من ردة فعل التيار الإسلامي الذي ينتمي إليه البشير، بالتالي يبقى الخيار هو المثول أمام القضاء السوداني لما يتمتع به من نزاهة أقرب من التسليم للمحكمة الجنائية". منوهاً إلى أن المكون العسكري لديه قدر من الذكاء بعدم تحمسه لتسليم الرئيس المعزول (البشير) للمحكمة الدولية، لأن المسؤولية في جرائم دارفور جنائية قد تشملهم كونهم جزءاً من اللجنة الأمنية في النظام السابق الذي نفذ تلك الجرائم.

جرائم ضد الإنسانية

شهدت ولايات دارفور منذ عام 2003 حرباً بين القوات الحكومية والقوات الموالية لها، وحركات مسلحة. واختلفت أسباب الحرب ما بين الصراع على المرعى والماء وأماكن الإقامة، وأسباب سياسية، وأخرى تتعلق بالإهمال التنموي للإقليم. حيث خلفت أكثر من 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون مشرد من أصل سبعة ملايين نسمة تقريباً في الإقليم، وفق الأمم المتحدة.

وفي 2005، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أزمة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في أعقاب تحقيق أجرته لجنة التحقيق الدولية لدارفور التابعة للأمم المتحدة، التي تبين لها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في الإقليم. وأصدرت تلك المحكمة مذكرات اعتقال بحق أربعة مسؤولين في الحكومة السودانية من بينهم البشير.

ووُجهت إلى البشير خمس تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تشمل القتل والإبادة والنقل القسري والتعذيب والاغتصاب، وتهمتان بارتكاب جرائم حرب تعمُّد توجيه الهجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أشخاص مدنيين لا يشاركون في القتال، والسلب والنهب، وثلاث تهم بارتكاب الإبادة الجماعية عن طريق القتل والتسبب بأذى جسدي أو أذى عقلي جسيم، وتعمُّد فرض أوضاع حياة على كل مجموعة مستهدفة لتدميرها جسدياً. وزُعم أن هذه الجرائم ارتُكبت بين عامي 2003 و2008.

وتعد دارفور من أكبر ولايات السودان، إذ تبلغ مساحتها 493 ألفاً و180 كيلو متراً مربعاً، فيما تحدها أربع دول هي ليبيا من ناحية الشمال الغربي، وتشاد غرباً، وجنوب السودان من الناحية الجنوبية، وأفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي. وأسهم هذا الموقع في إطالة أمد الصراع في الإقليم، في ضوء التداخل مع الدول المجاورة، والصراعات التي شهدتها هذه الدول، فيما تضم تركيبتها السكانية قبائل أفريقية وأخرى عربية، بعضها مستقر والبعض الآخر من البدو الرحل الذين يمتهنون الرعي.

المزيد من متابعات