Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أين؟ سؤال متضرري فيضانات السودان في مخيمات الإيواء

حنين يجذب كثيرين من الأهالي الذين يواظبون على زيارة أطلال منازلهم

انحسر فيضان النيل وروافده في السودان، وتراجعت ذروته، لكنه ترك بعضاً منه في منازل ما زالت تغمرها المياه، وخلف وراءه تركة مثقلة من الهموم والأحزان تسكن نفوس الأسر المشردة. حنين يجذب كثيرين من الأهالي الذين يواظبون على زيارة أطلال منازلهم، يراودهم حلم الرجوع إليها قريباً، لكنهم يعودون أدراجهم إلى معسكر الإيواء مع غصة، وفي الذهن سؤال يؤرق كل من يسكن مأوى مؤقتاً، ألا وهو متى موعد العودة إلى الديار؟

الزمن نفسه يبدو وكأنه يجري في غير مصلحة أولئك المنكوبين، فالمدارس ستفتح أبوابها، في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يسبقها استئناف الدراسة للصفين الثامن في مرحلة الأساس والثالث الثانوي في 11 أكتوبر (تشرين الأول)، وفق قرار وزارة التربية والتعليم. ما يعني ضرورة إخلاء المدارس قبل ذلك الموعد، ويعمق الحيرة لدى المتضررين، الذين سئموا الانتظار في المخيمات، ويتوقون إلى العودة إلى منازلهم، لكن كثيراً منها لا يصلح للسكن بوضعه الراهن، ويتطلعون إلى معالجات آنية ببعض المساعدة والعون، لإعادة تأهيل جزء مما تهدم، والعودة للسكن فيها وبدء تأهيلها. أما المنازل التي تهدمت كلياً، فربما يودع أصحابها منازلهم إلى الأبد، إذ اتخذت حكومة ولاية الخرطوم ترتيبات وإجراءات لتنقلهم إلى مناطق أُخرى أكثر أماناً.

على مستوى الولايات الأُخرى، تستمر عمليات الحصر والإيواء، بينما يلعب التكافل المجتمعي دوراً ملموساً في إيواء الأقارب والأُسر الممتدة وصلات الرحم، وفي الحماية الاجتماعية من تشرد الأسر وإيواء المخيمات، بينما تبذل السلطات المحلية جهوداً معززة بإسهامات من الحكومة المركزية، لتخفيف آثار كارثة الفيضانات. وتسعى السلطات إلى تفعيل قانوني، حماية الأنهار والدفاع المدني بمنع العودة إلى السكن في المناطق التي تقع في دائرة خطر الفيضانات ومجاري السيول والأمطار.

بدء خطط التهجير

في هذا الوقت، تتجه السلطات في ولاية الخرطوم إلى نقل مواطني المناطق المتأثرة التي تقع على خط خطر الفيضانات وتتعرض للغرق سنوياً، إلى مناطق آمنة، وفق ما تعهد به والي الخرطوم أيمن خالد نمر. على أن تبدأ المعالجات عقب انحسار المياه، بإعطاء أولوية قصوى لنقل السكان من المناطق التي غمرها الفيضان إلى أخرى آمنة. وبناء على  قرار حكومي سبق كارثة السيول والفيضانات التي ضربت الريف الشمالي للولاية بأسبوعين.

وشُكِلت لجنة دائمة تعمل كآلية متخصصة، تضم كافة الوزرات والوحدات المعنية في ولاية الخرطوم، لمعالجة مشكلات ما بعد كارثة الفيضانات والسيول.

مناطق للترحيل الفوري

كشف وزير التخطيط العمراني المكلف حسن عيسى لـ"اندبندنت عربية"، عن خطة عاجلة قصيرة الأمد، تقضي بالشروع فوراً في ترحيل سكان مناطق سبق وأن خُطّطت بغرض ترحيل سكانها، لأسباب تتعلق بكونها تقع في مناطق عمق حزام خطر السيول والفيضانات، ولا تفيد فيها معالجات الوقاية والحماية، ويتم ذلك استكمالاً لخطط عمرانية كانت قد بدأت في فترات سابقة.

وأعلن عيسى أنه سيتم بصورة فورية ترحيل المتضررين من سكان مناطق ودرملي في شمال الولاية، الذين سبق وخططت لهم مناطق عمرانية سكنية جديدة، لكنهم تأخروا في الرحيل من مناطقهم، غير أنهم نتيجة لكارثية الأضرار التي لحقت بالمنطقة، اقتنعوا بالانتقال. وتجري الترتيبات لمتابعة ذلك خلال ما تبقى من العام الحالي، مع إخضاع بقية أجزاء المنطقة التي لم تتضرر للدراسة.

وأوضح الوزير المكلف أن وزارته بالتنسيق مع وزارة البنية التحتية، تعكف على دراسة خيارات الانتقال ومراحله، وما ينبغي أن يسبقه من دراسات، تأخذ في الاعتبار النواحي والإجراءات والمسوحات الهندسية العلمية، والتفاصيل البيئية والمناخية والطبيعية، بما فيها السلوك الهيدورولوجي المستقبلي المتوقع لنهر النيل وفروعه، في ظل التغييرات المناخية التي يشهدها العالم. وذلك بمشاركة كل جهات الاختصاص من الوزارات والمؤسسات الأُخرى، إلى جانب المنظمات الوطنية والأجنبية المهتمة.

تحديات التكلفة والنسيج الاجتماعي

أضاف عيسى، "تمثل التكلفة المالية الكبيرة لتشييد بنى تحتية جديدة متكاملة من طرق وخدمات صحية وتعليمية وغيرها في مناطق التهجير، أحد أكبر التحديات، فضلاً عن السعي للمحافظة على النسيج الاجتماعي للمهجرين، بحيث يجب ألا ينفصلوا عن بيئهم السابقة. ما يقتضي البحث عن خيارات مناسبة تكون قريبة من مناطقهم الأصلية، مع إعطاء أولوية لإجراء معالجات للقرى التي سبق وخُطّطت، لكنها مع ذلك تأثرت بفيضان هذا العام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأقر الوزير المكلف بأن حجم الكارثة جعل التحدي كبيراً يفوق طاقة الولاية وإمكاناتها المادية، لكن ذلك لن يمنع الحكومة من تقديم ما في استطاعتها وقدرتها المتاحه، مع اعتماد مبدأ الشفافية في إشراك المواطنين في كل مراحل المعالجات، بدءاً بمرحلة الدراسات وصولاً إلى إتمام عمليات الانتقال وإعادة التوطين، مبيناً أن الوزارة تخطط بالشراكة مع وزارتي الري والبنية التحتية واليونسكو للمياه في الخرطوم، خلال الفترة المقبلة لعمل ما يُعرف بكورنيش النيل بهدف حماية عدد من المناطق الحضرية المتضررة، في كل من أم درمان القديمة والجريف غرب وجنوب الخرطوم، التي لا تحتاج إلى تهجير، لكنها تحتاج إلى تعزيز الحماية الذي من شأنه أن يحقق عائداً اقتصادياً. إذ إن الكورنيش يمثل جسراً للحماية ومتنزهاً ترفيهياً في الوقت ذاته.

وعن إمكانية تعويض المتضررين ولو جزئياً، قال الوزيرالمكلف، "التعويض أصلاً جزء من العملية التخطيطية، التي ستُحدد عبرها كل حاجات المعالجة، بما فيها الدراسات والرفع الهندسي المساحي، والاستفادة من تجاربنا السابقة مع الفيضانات، والحصر الدقيق لمناطق الهشاشة المتضررة كلياً. أما المناطق المتأثرة جزئياً فستخضع لمعالجة تهجير جزئي إلى مناطق أخرى مجاورة والتعويض بعد التحديد الدقيق للمتأثرين المستحقين".

جهود ذاتية ومناشدات للإعمار

على الصعيد نفسه، ناشدت منظمة رواحل للتنمية التي تتبنى عدداً من المخيمات في شرق النيل في مناطق أم دوم والعيلفون، عبر "اندبندنت عربية"، المنظمات النظيرة في الداخل والخارج، والخيرين لدعم الأسر التي فقدت مأواها في هذه المرحلة الحساسة، ما بعد مأساة الفيضانات، إذ تحتاج الأُسر المتضررة التي نُقلت إلى المخيمات والمدراس إلى العودة إلى ديارها ومساعدتها في إنشاء غرفة أو اثنتين ومطبخ ومنافع.

وفي مناطق شمال الخرطوم بحري، قال مصعب مبارك عبد الرحمن رئيس لجنة الخدمات والتغيير في منطقة الإزيرقاب، "نخطط لتقديم عون مقدر لعدد 274 متضرراً في المنطقة، وإعادة إعمار مساكنهم التي تهدمت في المناطق التي لا تحتاج إلى تهجير، وستكون البداية تدريجية بالمنازل الأكثر تضرراً وجفّت من مياه الفيضان، إذ لا تزال هناك منازل مغمورة بمياه الفيضان".

وأوضح عبد الرحمن أن اللجنة، (نسبة لارتفاع تكلفة شراء مواد البناء الجاهزة) خطت خطوات كبيرة في إنشاء مصنع للطوب الإسمنتي، وتم شراء الماكينات وتجهيز المكان والحاجات التشغيله، بإسهامات كبيرة من الخيرين في الداخل والمغتربين خارج السودان من أبناء المنطقة، بغرض مساعدة المنكوبين في تأهيل مساكنهم.

وستقوم لجنة أهلية بالإشراف على المساهمة ببناء سور المنزل وغرفة وصالة، لكل أسرة متضررة، وتوفير حمامات جاهزة، نسبة إلى الضرر الكبير الذي لحق بالحمامات البلدية في معظم المنازل لسرعة تأثرها وانهيارها بالمياه، مضيفاً "كل ذلك سيتم بمجهود أهلي، وفي حال وصلت إعانات حكومية سيتحسن الوضع لمساعدة الأُسر المتضررة في إعادة تأهيل منازلها".

البعد الهندسي المستقبلي

 شدد مصدر مسؤول في مصلحة المساحة السودانية، خلال حديث لـ"اندبندنت عربية"، على ضرورة تجاوز الأخطاء السابقة التي نجمت عن ضعف التخطيط، وتغييب الدور الهندسي المساحي، مع أهمية تعزيز البنى التحتية للتصريف والحماية، وإجراء دراسات مسحية متكاملة لمناطق التهجير، قبل الشروع الفعلي في ترحيل وتوطين المتضررين.

ويعيش السودان منذ أغسطس (آب) آثار كارثة الفيضانات المفجعة، وقد تأثرت بها معظم الولايات، وراح ضحيتها أكثر من 125 شخصاً، ودمرت مئات المنازل كلياً وجزئياً، ومئات الأفدنة والمحصولات الزراعية، ونفق 5541 من الحيوانات الأليفة والدواجن، وشملت الأضرار أكثر من 800 ألف مواطن بحسب آخر البيانات والإحصاءات، ونجمت عنها أزمات إنسانية ما زالت تداعياتها ماثلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير