على الرغم من الدعوات الدولية إلى وقف إطلاق النار، استمر القتال بين القوات الأرمينية والأذربيجانية بشأن منطقة ناغورنو قره باغ الانفصالية لليوم الثاني على التوالي، الاثنين 28 سبتمبر (أيلول)، مع نشر مدفعية ثقيلة على الجانبين وارتفاع عدد القتلى في صفوف الطرفين، في حين تقاذقت أرمينيا وتركيا الاتهامات بشأن المنطقة.
وأعلنت المنطقة الانفصالية مساء الاثنين أن 26 جندياً على الأقل من قواتها قُتلوا في اشتباكات مع قوات أذربيجان. وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمنية أرتسرون هوفهانيسيان أن القوات الأذربيجانية شنّت مساء الإثنين "هجوما كبيراً على القطاعين الجنوبي والشمالي الشرقي من حدود قره باغ".
وقالت "وزارة الدفاع" في حكومة الإقليم الانفصالي في بيان إنّ "26 من جنود جيش الدفاع في قره باغ قتلوا" في الميدان خلال هذا الهجوم، في حين قالت وزارة الدفاع في أذربيجان إن القوات الأرمينية قصفت بلدة ترتر.
وارتفعت الحصيلة الإجمالية للقتلى إلى 95 بينهم 11 مدنياً: تسعة في أذربيجان واثنان في الجانب الأرمني. ومنذ اندلاع المعارك الأخيرة لم تعلن أذربيجان عن حصيلة قتلاها العسكريين.
لكن المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأرمينية، أرتسرون هوفهانيسيان قال، الأحد، إن متمردي قره باغ "قتلوا نحو 200 جندي أذربيجاني ودمّروا 30 مربض مدفعية للعدو و20 طائرة مسيّرة".
التعبئة العسكرية الجزئية
ووقّع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف الاثنين، مرسوماً بالتعبئة العسكرية الجزئية، بعدما أعلن إقليم ناغورنو قره باغ الأحد الأحكام العرفية والتعبئة العامة.
في المقابل، يعقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، اجتماعاً طارئاً مغلقاً يناقش فيه التطورات في ناغورنو قره باغ، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية وكالة الصحافة الفرنسية.
وأوضحت المصادر نفسها أن هذه المبادرة قامت بها ألمانيا وفرنسا، وتحظى بتأييد دول أوروبية أخرى هي إستونيا وبلجيكا وبريطانيا.
يريفان تتهم أنقرة
واتهمت أرمينيا تركيا، الاثنين، بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان. وقالت وزارة الخارجية الأرمينية، في بيان، إن أنقرة لها "وجود مباشر على الأرض"، مضيفةً أن خبراء عسكريين منها "يقاتلون جنباً إلى جنب" مع باكو، التي قالت يريفان إنها تستخدم أيضاً أسلحةً تركيةً من بينها طائرات مسيرة وحربية.
ونفت أذربيجان هذه الاتهامات، فيما لم تصدر تركيا تعليقاً بعد.
وكان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان دعا القوى العظمى، الأحد، إلى منع انخراط تركيا في النزاع، محذّراً من "حرب واسعة النطاق في جنوب القوقاز"، في حين قالت أنقرة إن يريفان تشكل "عقبة أمام السلام" وتعهدت بمواصلة دعم باكو.
نقل سوريين للقتال في باكو
ونقلت وكالة "رويترز" عن مقاتلين من المعارضة السورية تأكيدهما أن تركيا ترسل مقاتلين سوريين لدعم أذربيجان. وقال المقاتلان، المنتميان لجماعات معارضة مدعومة من تركيا في مناطق شمال سوريا الخاضعة للسيطرة التركية، إنهما في طريقهما إلى أذربيجان بالتنسيق مع أنقرة.
ورفض المقاتلان نشر اسميهما نظراً لحساسية الأمر. ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق من صدق روايتهما بشكل مستقل. وقال مقاتل حارب في سوريا لصالح جماعة أحرار الشام، وهي جماعة تدعمها تركيا، "لم أكن أرغب في الذهاب، لكن ليس لدي أي أموال. الحياة صعبة للغاية والفقر شديد".
وأوضح الرجلان أن قادة الكتائب السورية أبلغتهما بأنهما سيحصلان على حوالى 1500 دولار شهرياً، وهو راتب كبير في سوريا التي انهار اقتصادها وعملتها.
وقال أحد الرجلين إنه رتّب مهمته مع مسؤول من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في عفرين، وهي منطقة في شمال غرب سوريا فرضت تركيا وحلفاؤها في المعارضة السورية السيطرة عليها قبل عامين.
ولم يرد متحدث باسم الجيش الوطني السوري، وهو مظلة لجماعات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، على طلب للتعليق.
وأشار المقاتل الآخر، وهو من فصيل جيش النخبة التابع للجيش الوطني السوري، إلى أنه جرى إبلاغه بأنه تقرر نشر ما يقرب من 1000 سوري في أذربيجان. وتحدث معارضون آخرون، رفضوا الكشف عن أسمائهم، عن أعداد تتراوح بين 700 و1000.
وقال الرجلان، وهما تحدثا إلى "رويترز" الأسبوع الماضي، إنهما يتوقعان إيفادهما في 25 سبتمبر (أيلول) لحراسة منشآت لكن ليس للقتال. ولم تتمكن "رويترز" من الاتصال بهما اليوم الاثنين للتأكد من مكان وجودهما حالياً.
وكان سفير أرمينيا لدى روسيا قال إن تركيا نقلت نحو أربعة آلاف مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان للمشاركة في القتال بقره باغ، وفق ما نقلت عنه وكالة "إنترفاكس" الروسية، لكن أذربيجان نفت الأمر.
في المقابل، قال مساعد الرئيس الأذربيجاني خكمت جادجييف، "الشائعات التي تزعم إرسال مسلحين من سوريا إلى أذربيجان هي استفزاز آخر من الجانب الأرميني ومحض هراء".
وكانت وزارة الدفاع الأرمينية قالت، الأحد، إنها تتحرى معلومات عن مشاركة مقاتلين من سوريا في القتال إلى جانب أذربيجان، في ضوء تقرير أورده المرصد السوري لحقوق الإنسان وأفاد بنقل أنقرة دفعة من مقاتلي الفصائل السورية الموالية لها إلى باكو.
أردوغان يدعو أرمينيا للانسحاب
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، أرمينيا إلى "الانسحاب فوراً من أراضي أذربيجان التي تحتلها"، قائلاً إن "الوقت قد حان لإنهاء الأزمة في إقليم ناغورنو قرة باغ".
وزير الدفاع التركي خلوص أكار، قال بدوره إنه "يجب أن توقف أرمينيا هجماتها على الفور" وتعيد من وصفهم بـ"المرتزقة والإرهابيين الذين أتت بهم من الخارج وتنسحب من أراضي أذربيجان"، مشيراً إلى ضرورة وقف إطلاق النار وإحلال السلام.
وعلى وقع الاشتباكات في القوقاز، تراجعت الليرة التركية إلى مستويات قياسية أمام الدولار واليورو والجنيه الاسترليني، الاثنين، على الرغم من الرفع المفاجئ لسعر الفائدة الأسبوع الماضي بهدف دعم العملة. وبلغت العملة 9.07 مقابل اليورو و10.05 أمام الاسترليني بحلول الساعة 10:56 بتوقيت غرينتش.
استعادة مواقع
وذكرت وزارة الدفاع في قره باغ أنها استعادت المواقع التي خسرتها في اليوم السابق، لكن أذربيجان أكّدت أنها سيطرت على المزيد من الأراضي.
وقالت وزارة الدفاع في أذربيجان، البلد القوقازي الذي أنفق بسخاء على التسلّح في السنوات الأخيرة بفضل الثروة النفطية، إن قواتها "قصفت مواقع العدو بالصواريخ والمدفعية والطيران (...) وسيطرت على مواقع استراتيجية عدة في ضواحي قرية تاليش. العدو يتراجع".
دعوات حثيثة إلى وقف إطلاق النار
وعلى وقع الاشتباكات، توالت الدعوات الدولية إلى وقف إطلاق النار. وحذّر الاتحاد الأوروبي، الاثنين، من التدخلات الخارجية في نزاع ناغورنو قره باغ، مديناً "التصعيد الخطير" الذي يهدّد استقرار المنطقة.
وأفاد بيتر ستانو، المتحدث باسم المسؤول عن شؤون الاتحاد الأوروبي الخارجية جوزيب بوريل، بأن بروكسل لم تتمكّن من تأكيد التقارير التي تحدّثت عن ضلوع قوى أجنبية في النزاع، لكنه شدّد على أن "أي تدخل خارجي في هذا النزاع غير مقبول".
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، إن الولايات المتحدة ستسعى إلى وقف أعمال العنف بين الطرفين. وأضاف في مؤتمر صحافي مساء الأحد، "لدينا قدر كبير من العلاقات الجيدة في هذا المجال. سنرى ما إذا كان بإمكاننا وقفه".
ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وضع حدّ للمواجهات الدامية، قائلاً في بيان نشره الكرملين إثر اتصال هاتفي برئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، "من المهم بذل كل الجهود الضرورية لتجنّب تصعيد المواجهة، لكن الأمر الأساسي هو وجوب وضع حد للمواجهات". وأضاف البيان المقتضب أن "الجانب الروسي أعرب عن قلقه البالغ لتجدّد المعارك على نطاق واسع".
كذلك دعت الأمم المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي إلى وقف فوري لإطلاق النار.
استقرار جنوب القوقاز
وأثارت الاشتباكات الجديدة بين أرمينيا وأذربيجان اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورنو قره باغ، مخاوف بشأن الاستقرار في جنوب القوقاز، الذي يعدّ ممراً لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
وانتزع الانفصاليون الأرمينيون قره باغ من باكو في حرب في التسعينيات أودت بـ30 ألف شخص، وأعلنوا استقلال الإقليم بدعم من أرمينيا.