Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوريس جونسون تلازمه عقلية العمود الصحافي وتتسبب في فشله الذريع

نقطة ضعف كارثية في حقبة التشاؤم البريطانية تترافق مع حكومة من خبراء ومتخصصين في العلاقات العامة بعيدين عن مصائب العالم الحقيقي

ثمة من يرى أن عقلية الإبهار والعلاقات العامة تسببت في تخبط أداء بوريس جونسون إزاء كورونا وأزمات السياسة والاقتصاد (فيردكت.سي أو.يوكيه)

قبل عشرين عاماً، قصد أحد الروائيين مدير دار النشر التي تتبنى أعمال ذلك الكاتب، كي يناقش مع المدير مقترحه الجديد بشأن كتابة رواية متشائمة حيال المستقبل [="ديستوبيا"Dystopia] ] تدور حوادثها في بريطانيا خلال 2020 وتكون السلطة بيد كُتّاب الأعمدة الصحافية فيتولون إدارة البلاد.

فمنذ سنوات، يعبّر صُناع الآراء الذين يُطلق عليهم أحياناً تسمية المعلّقين، عن سخطهم المتواصل إزاء فشل الحكومة وكل من عداها. وقد جاءتهم الفرصة الآن كي يبرهنوا قدرتهم على التصرّف من أجل تصحيح المسار.

على الأرجح أنّ الروائي لم يذكر اسم بوريس جونسون، صاحب تصريحات الشجب المنمّقة حول طغيان الاتحاد الأوروبي، ولا مايكل غوف المتمسّك بموقف عدائي تاريخي تجاه اتفاق "الجمعة العظيمة" [وُقّع في 1998 وأنهى صراعاً بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية] الذي يعتبره استسلاماً للجيش الجمهوري الإيرلندي. في المقابل، يشكّل جونسون وغوف طراز الأشخاص الذين قصدهم ذلك الروائي بكلامه.

ووفق ذلك الكاتب، "سيكون هذا الكتاب من نوع الكوميديا السوداء فيما نتابع هؤلاء الخبراء الواثقين بأنفسهم أثناء اصطدامهم بالواقع. وطبعاً، في سبيل جعل الرواية أكثر تشويقاً، يجب أن أتخيّل أنّ أزمة وجودية تهدّد بريطانيا ويتفاعل معها هؤلاء بانعدام كفاءة مرّة تلو الأخرى. وسيبدو الأمر كما لو أنّ الممثل الكوميدي بيتر سيليرز Peter Sellers يؤدي دور المحقّق كلوزو Inspector Clouseau، لكنه تعثّر فسقط في عوالم الكاتب البريطاني جورج أورويل التي رسمها في روايته الشهيرة "1984" المتشائمة عن المستقبل.

أجاب الناشر بحذر أنّ الطلب على الكتب التي تتنبأ بالمصائب المستقبلية لا ينتهي، لكن كي تكون الرواية مقنعة يجب أن تعكس أو تقدّم بطريقة ساخرة نسخة معقولة عن المستقبل. وسأل، "أما بالنسبة لأولئك المحرّرين المزعجين، أن لا تأخذهم على محمل الجد أكثر من اللزوم؟ ففي النهاية، لطالما وُجد بيننا المحافظون المتزمّتون، شباناً ومسنّين، ولطالما زعموا أنّ البلاد على طريق الخراب وأشاروا بأصابع الاتهام إلى بروكسيل أو المهاجرين أو حزب العمّال. تذكّر [وزير الصحة البريطاني السابق] إينوك بويل وخطابه عن أنهار الدماء".

وأضاف الناشر أن الحقبة الحالية تشكّل مرحلة قد يشعر معظم القرّاء خلالها أنّ أبشع أنواع التغيير التي شهدها القرن العشرون قد ولّت إلى غير رجعة. وختم كلامه بالإشارة إلى البلاء الحسن الذي يؤديه الإصلاحي المعتدل توني بلير وحزب عمّاله الجديد.
واستطراداً، شعر الروائي أنّ فكرته العظيمة لا تُحدث الانطباع الذي أمله. فاقترح توسيع موضوع الكتاب وتخيّل حكومة يديرها صحافيون سابقون ومتخصصون في العلاقات العامة، وجميعهم خبراء متمرّسون في الهيمنة على عناوين الأنباء. في المقابل، يعاني أولئك الأشخاص نقطة ضعف تلازم مِهنَهم تتمثّل في الخلط بين القول والفعل، والتفكير من منظور المُهل القصيرة الأمد بدل السياسات البعيدة الأمد، وكذلك إلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين عندما يحدث أي خطب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل، اعترض الناشر وطرح سؤالاً عن كلمات الروائي، "أليست هذه نسخة مجدّدة عن الاتهام القديم الذي يسخر من السياسيين لأنهم لم يتولوا إدارة أي شيء فعلياً قبل تسلّمهم مناصبهم؟". "نعم، أنت محقّ"، أجاب الروائي، "لكن السياسيين الذين لديهم خلفية في الخبرة الصحافية هم الأسوأ على الإطلاق لأنهم اعتادوا كثيراً على التعبير عن آراء مبسّطة بشأن مشاكل معقّدة لا يفقهون منها سوى القليل. ويصرّحون بكل ثقة عمّا يجب فعله اليوم ثم يعودون ليقولوا عكس ذلك الكلام الأسبوع المقبل، وهم على إيمان محق بأن قلّة من قرائهم ستلاحظ تقلّب مواقفهم". وتابع الروائي كلامه مشيراً إلى إن المعلقين غالباً ما يجهلون طرق عمل الحكومة، وإن حصلوا على نفوذ في يوم من الأيّام، فسوف يُذهلون عندما يشدّون مقبضاً أو يكبسون زراً ويرون أن لا شيء يحصل في الحقيقة.
كان الروائي يستطيع أن يتابع كلامه عن نقاط ضعف الصحافيين الحاكمين لكنه رأى أنّ قضيته خاسرة، والمُلَخَّص عن كتابه سوف يُرمى في القمامة. خطرت له لوهلة أن ينقل الرواية من بريطانيا إلى أميركا، ويتناول التأثير المتزايد لمعلّقي شبكة "فوكس نيوز" وغيرها، ثم استبعد الفكرة وتجاهلها.
لم يندم الناشر خلال السنوات اللاحقة على رفضه الكتاب، لكنه شعر بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وحروب أفغانستان والعراق وليبيا والانهيار المالي في 2008 أنّ المستقبل الكوارثي يبدو أقرب إلى الواقع. بينما ساد الاعتقاد في يوم من الأيام بأن الديمقراطيات الليبرالية التي تعتمد السوق الحرة تمثّل اتّجاه المستقبل، لكنها باتت تذوي في الوقت الذي تصبح الأنظمة الاستبدادية أقوى وأعنف، وتظهر الأنظمة اليمينية الشعبوية القومية في كل مكان.
شكّل بريكست في 2016 مساهمة بريطانيا في ذلك الاتجاه الجديد. ولا شك في إنه لم يكن ليحدث من دون مساهمة السمّ الذي بثّته الصحافة اليمينية في عقول قرّائها من أنّ الهجرة والاتحاد الأوروبي يشكّلان مصدر مشاكلهم. في المقابل، لا يمثّل التأثير الديماغوجي الشعبوي لوسائل الإعلام في بريطانيا، ظاهرة جديدة بالتحديد. ففي نهاية الأمر، لقد مرّ قرن كامل تقريباً على الهجوم المدمّر الذي شنّه زعيم حزب المحافظين ستانلي بالدوين على أصحاب الصحف، لأنهم يبتغون "الحصول على السلطة، بل السلطة التي لا يصاحبها تحمّل المسؤولية، على شاكلة الامتياز الذي خُصت به العاهرات على مرّ العصور".


ومنذ البداية، بدا واضحاً أنّ حكومة بوريس جونسون تطابق كلياً النقاط التي ذكرتها شخصيتا الروائي والناشر المُتخيّلتان منذ عشرين عاماً في حكايتي الرمزية. ويتشارك أعضاؤها كافة، الذين تقودهم طبقة المعلّقين، كل نقاط ضعفها، إذ يتصرفون أيضاً بفظاظة ويرفضون آراء الآخرين ويعبّرون باستمرار عن مبالغة في قوميتهم بإن بريطانيا إما "الأولى عالمياً" في كل الأوقات أو يمكنها أن تكون كذلك. ولا ضرر في ذلك التبجح والتفاخر، إلا حينما يؤدي إلى سوء تقدير جدّي بشأن ميزان القوة بين بريطانيا والدول الأخرى، وفي هذه الحال، سرعان ما تلحقه الكارثة.

ربما لم يكن أي من هذه الأمور مهماً جداً لو لم تقف بريطانيا على مشارف أسوأ أزمة تمرّ عليها في تاريخها منذ العام 1940-1941. لا يتعلق الأمر بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. إذ ذكر مناصرو البقاء في الاتحاد الأوروبي إن بريكست سوف يجلب خراب البلاد، لكن سرعان ما لاحظ أحدهم إن "البلاد فيها كثير من الخراب". ربما بريكست ليس الطامّة الكبرى التي تنبّأ بها معارضوه، لكن ظهر أنّ خطر الموت الحقيقي يتمثّل في مناصري بريكست أنفسهم مع ما يتميزون به من سوء حكم مزمن ومهارات تنظيمية تعيسة، فيما يشتغلون على محاولة عقيمة لكبح مصيبة غير مسبوقة على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

لقد تبيّن أن جونسون يشكل المثل الأكبر عن المعلقين الذين يملكون استعداداً سيئاً على نحوٍ خاص، في التعامل مع جائحة فيروس كورونا، بسبب تدريبه [جونسون] وخبرته. إذ إنه يقطع وعوداً كبيرة فضفاضة فيما يقصّر عن كل الأمور بدءاً بنظام الفحص والتقصّي السبّاق عالمياً، الذي تعطّل لتوه، وصولاً إلى المخطط الطموح بفحص جميع من في البلاد مع حلول عيد الميلاد.

وتالياً، يسود إحساس مرعب بأن من يعملون [في الحكومة] هواة غير متمّرسين. ولذا، تتفاجأ الحكومة مرة تلو الأخرى بوقوع حوادث يمكن توقّعها، إضافة إلى كونها مُتوقّعة بالفعل على نطاق واسع. إنّ مشهد البارونة هاردينغ أوف وينسكومب، المسؤولة عن الفحص والتقصي الذي يعتمد عليه مصير أمّتنا بحسب ما يُقال، أثناء زعمها أن لا أحد ممن تعرفهم توقّع هذا الارتفاع المفاجئ في معدلات الإصابة بفيروس كورونا، يبعث برسالة مرعبة بشأن المنطق والكفاءة في حكومة جونسون.

واستطراداً، في ما يتعلق بجونسون نفسه، فمن شأنه أن يشعر بكونه في المكان المناسب تماماً لو إنه كتب عموداً صحافياً خلال الأزمة الحالية؛ في الأسبوع الأول يطالب بتطبيق إغلاق شامل من أجل كبح تقدّم الفيروس فيما يورد في الأسبوع التالي إن الأوان قد حان لفتح الاقتصاد وتأسيس مناعة القطيع. وفي ذلك الموضوع وكل المواضيع الأخرى، يقارب [جونسون] المواضيع من كل الجوانب كي يحصل على كل شيء. وفي هذه الأثناء، نرى نحن صورة واضحة وواقعية للغاية عما ستبدو عليه صورة المستقبل القاتم والمتشائم لبريطانيا.

© The Independent

المزيد من آراء