أثار إقرار البرلمان الجزائري بإجماع نوابه الحاضرين، مشروع تعديل الدستور الجدل، بعد تجاوز مناقشة المسودة وإثرائها، وفيما أرجعت جهات الخطوة، إلى استجابة الرئيس عبد المجيد تبون للآراء التي تعتبر المؤسسة التشريعية الحالية من "بقايا العصابة والنظام السابق"، ترى أخرى أنها عقاب للنواب "الفاسدين" بعد فضيحة شراء المقاعد.
تمرير أثار الاستغراب
يبدو أن طريقة تمرير مسودة الدستور على البرلمان، ستكون لها ارتدادات سياسية كبيرة، بعد أن انتقدت أحزاب وشخصيات وفئات واسعة من الشعب عدم مناقشة النواب المسودة، في وقت تعهد فيه الرئيس تبون أن الغاية من عرض المشروع على البرلمان قبل الذهاب للاستفتاء الشعبي، هو فتح نقاش عام يكون منقولاً على التلفزيون الحكومي، بغية إطلاع الجزائريين على ما تضمنه الدستور من تعديلات، الأمر الذي فتح أبواب الاستغراب والتذمر والشكوك على مصراعيها.
وأرجع مراقبون تمرير السلطة مشروع تعديل الدستور على البرلمان بالسرعة القصوى، إلى شبهة الفساد التي تلاحق البرلمانيين بعد "فضيحة شراء المقاعد"، التي أثارتها قيادات من الحزب الحاكم خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، "جبهة التحرير"، والتي تبعتها مطالب بضرورة حل البرلمان وعدم تمرير المسودة الدستورية على نواب "لا يمثلون الشعب"، ما أوقع السلطة في حرج وارتباك، بين تعهدات الرئيس وفساد البرلمان، جعلها تُقدم على معاقبة البرلمانيين.
وراحت أطراف تعتبر خطوة السلطة، استجابة من تبون للحراك الذي كان يرى في البرلمان الحالي امتداداً لنظام "العصابة"، يستدعي حله وملاحقة بعض نوابه بتهم الفساد، باعتبار أن التصويت من دون مناقشة يُصنف في خانة "الإهانة" الموجهة لأعضاء الهيئة التشريعية.
فضائح النواب
يقول رئيس "حزب جبهة الجزائر الجديدة" أحمد بن عبد السلام، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "لست أدري إن كانت الصورة السوداوية للبرلمان الحالي يمكن لأي إجراء أن يزيدها سوداوية"، مضيفاً أن الرئيس في البداية أراد أن يوسع دائرة الإثراء، ولكن بعد الفضائح الأخيرة جعل عرض الدستور على البرلمان شكلياً فقط، حتى لا يتراجع عن قرار اتخذه، "غير أن الإجراء أفرغ من محتواه"، وتابع أن القبول يحتاج إلى توفير المناخ والجو المناسبين، و"أعتقد أن المناخ لم يحضر جيداً، فهل تكفي المدة المتبقية لتوفيره"؟. ورأى أن الحديث عن دستور توافقي مُستبعد، لأن التوافق يأتي من الحوار وتقريب وجهات النظر وتقاسم المسافات، و"هذا لم يحدث، لذا سنرى انقساماً كبيراً في هذا الشأن".
تمسك بالتغيير على الرغم من المقاطعة
في السياق ذاته، اعتبر رئيس البرلمان سليمان شنين، أن التصويت بالإجماع يحمل رسائل واضحة لكل المشككين في قدرة الجزائر على تحقيق النهضة بفضل جهود أبنائها المخلصين، على الرغم من وجود عراقيل أمام الإصلاح من الداخل والخارج، وعبر عن ثقته في أن الشعب سيحتضن التعديلات التي جاءت في هذا الدستور، باعتباره يتضمن تغييراً جوهرياً عما كان في السابق، سواء تعلق الأمر بمراحل إنجازه أو بمضامينه التي أبعدت شبح الشخصانية والاحتكار والهيمنة على ممارسة توسيع الصلاحيات وتوزيعها على المؤسسات واستشراف الأزمات والاستعداد للتحولات المجتمعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما صرح رئيس الحكومة عبد العزيز جراد، أن "هذا تصويت تاريخي للمجلس"، موضحاً أن هذا الدستور ليس غاية، بل محطة تحول في مسار بناء الدولة للانطلاق في تجسيد التزامات الرئيس ببناء جزائر جديدة، وسيقول الشعب كلمته الأخيرة في الاستفتاء.
وحضر جلسة التصويت 265 نائباً من أصل 462، بينما قاطعت الجلسة أحزاب المعارضة، ممثلة في "حركة مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية" و"حركة النهضة" و"حزب العمال"، بسبب أن إمكانية الدراسة والمناقشة والتعديل لم تكن كافية، وأن القيمة السامية للدستور تتنافى مع حالة الاستعجال غير المبررة التي مُرر بها، بينما تقاطع "جبهة القوى الاشتراكية" جلسات البرلمان منذ بداية الحراك في 22 فبراير (شباط) 2019.
البرلمان الحالي فقد مصداقيته
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات غرب الجزائر، سمير محرز، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن التصريحات الأخيرة التي أطلقتها قيادات "حزب جبهة التحرير"، بخصوص "شراء مقاعد في البرلمان"، ستكون لها ارتدادات سياسية مستقبلاً، وقال إن البرلمان الحالي للأسف فقد مصداقيته بسبب ممارسات بعض النواب الذين أساءوا للغرفة السفلى، و"أعتقد أنه سيكون هناك حل للمجالس المنتخبة مباشرة بعد عملية الاستفتاء على الدستور، كخطوة أولية للسياسة المنتهجة في عملية الإصلاح السياسي"، مضيفاً أن النظام الحالي يجتهد في تقريب وجهات النظر من جهة، والتقرب من الشعب من جهة أخرى، و"ما عملية الاستفتاء إلا آلية لمنح الصوت للشعب في القضايا المصيرية وإشراكه في صناعة القرار السياسي".
ويرى محرز، أنه وجب على السلطة الحالية إثبات صدق نواياها ميدانياً وعملياً في تجسيد الإصلاح، والاستجابة لمطالب الشعب، خصوصاً المتعلقة منها بقضايا الحريات والحقوق الأساسية في كل المجالات. وأوضح أن لجنة تعديل الدستور استقبلت أكثر من 5000 مقترح تمثل كل الشرائح السياسية والاجتماعية والنقابية والجمعيات، وكل هذه الاقتراحات جُسدت في الدستور الحالي، ما يؤكد أن التوافق بين الجزائريين ليس بالإشكال الكبير، وختم أن من واجب السلطة الولوج في تفعيل خطابها ميدانياً لتحقيق المصداقية ومشروعيتها السياسية.
ومن المرتقب أن يعرض مشروع الدستور على مجلس الأمة، الغرفة العليا، للمناقشة والتصويت، وفق ما يقتضيه الدستور الحالي، وهي المحطة الأخيرة قبل عرضه على الاستفتاء الشعبي، إذ حددت الرئاسة تاريخ الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعداً لإجراء الاستفتاء الشعبي للمرة الأولى منذ 25 عاماً.