Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا يحاكم جوليان أسانج بسبب شخصيته

عبر حرف الانتباه عن المبادئ الأساسية في القضية وفحواها يأتي الهوس بشخصيته كي يستبعد أهمية ما كشفته تسريبات ويكيليس

تظاهرة مؤيدة لاسانج امام المحكمة في لندن (غيتي)

سِيق جوليان أسانج يوم الإثنين المنصرم إلى المحكمة الجنائية المركزية في بريطانيا، "أولد بيلي"، كي يستأنف معركته ضد قرار تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث شنت إدارة ترمب هجومها الأخطر خلال جيلٍ على الأقل، على حريّة الصحافة، وذلك عبر توجيهها الاتهام إليه لنشره وثائق حكومية أميركية. وفي خضم تغطية الإجراءات القضائية، علّق منتقدو أسانج حتماً على مظهره، كما تداولوا أقاويل تناولت تصرفاته خلال لجوئه في سفارة الأكوادور، وغيرها من تفاصيل فضائحية.

تُمثّل تلك الإلهاءات المتوقعة صورة رمزية عن الواقع المؤسف لمناقشاتنا السياسية والثقافية. وإن جرى تسليم أسانج فعلًا ليواجه الاتهامات جراء ممارسته الصحافة وكشفه تجاوزات حكومية، فإن عواقب ذلك ستكون وخيمة على حرية الصحافة وحقّ الرأي العام بالمعرفة. أمام هذا، وعوض تناول، على نحو جدي، المبادئ المهمّة المطروحة في قضيّة أسانج اليوم، وحُكم السجن 175 عاماً، وهو حكم غير مسبوق، الذي يواجهه، فإن كثيرين يركزون اهتمامهم على جوانب نافلة ترتبط بمواصفات شخصيته.

فأسانج لا يُحاكم لأنّه كان يلهو على لوح تزحلق في السفارة الأكوادوريّة، ولا لأنّه نشر تغريدة على "تويتر"، أو لتوصيفه هيلاري كلينتون بـ"صقر من (تيار) صقور الحرب"، أو لإطلاقه لحية فوضويّة حين جُرّ للاعتقال من سفارة الأكوادور على يد الشرطة البريطانية. بل هو يواجه خطر التسليم إلى الولايات المتّحدة لأنّه نشر أدلّة دامغة على جرائم حرب وانتهاكات ارتكبت في العراق وأفغانستان، مُحرجاً بها أقوى دولة في العالم. كما نشر أسانج أدلّة قوية تشير إلى "الطرق التي تقوم بها دول العالم الأوّل باستغلال دول العالم الثالث"، وفق ما ذكرت كاشفةُ الفساد، تشيلسي مانينغ، وهي مصدر تلك الأدلّة. فأسانج يخضع للمحاكمة بسبب ممارسته الصحافيّة ومبادئه، وليس بسبب شخصيّته.

وتناهى إليكم على الأرجح لازمة يرددها محللون من أصحاب النوايا الحسنة الذين قالوا فيه "ليس المطلوب منك أن تحبه، لكن ينبغي معارضة تهديدات إسكاته". بيد أن تلك اللازمة تسهو عن الجوهر، من خلال تأكيدها الادعاءات المناوِرة التي تستهدف أسانج.

 وعندما تواجه الحكومات سابقة شديدة الخطورة تهدد صدقيتها، فما تفعله في العادة لا يتمثّل باضطهاد أكثر الأشخاص شعبية في العالم. بل هي تستهدف أولئك الذين يمكن وسمهم بسمات تخريبيّة، وبالخيانة، أو بمجرّد صفات غريبة الأطوار. ثم تنشط تلك الحكومات في حرف النقاش العام عن مساره، عبر التشديد على تلك السمات. والتقنيات هذه ليست جديدة. إذ بعدما سرّب دانييل إلسبيرغ "أوراق البنتاغون" للصحافيين التي كشفت أكاذيب الحكومة الأميركية حول حرب فيتنام، قام "سمكريو البيت الأبيض" في إدارة نيكسون بالتسلل إلى عيادة الطبيب النفسي لإلسبيرغ بحثاً عن مواد يمكن استخدامها لتشويه سمعته. كما جرى في ما بعد تصوير كاشف الفساد في وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودين، وعلى نحو كاذب، كعميل للصينيين، ومن ثم للروس. كما أن الهوس بالصحة النفسية والهوية الجندرية لمحللة الاستخبارات العسكرية الأميركية، تشيلسي مانينغ، مثّل حالة واسعة الانتشار. الحكومات هي هكذا، تسعى إلى تسميم الرسالة، عبر شيطنة الرسول.

وفريق الادعاء في محاكمة أسانج سيكون غايةً في السرور حين تؤول تغطية جلسات سماع دعوى الاسترداد التي يواجهها إلى استطرادات وثرثرات لا صلة لها بالموضوع. فلا يهم بأية حال أن تكون لحية أسانج ناتجة من مصادرة عدّة حلاقته، كما لا تهم تلك التقارير التي وضعها زائره في السفارة، بول مانافورت، والتي ثبت أنها ملفقة. إذ حين تُدحض تلك المزاعم البائسة، يكون الضرر قد حل. أو في أحسن الأحوال يكون النقاش العام حول المسائل الحقيقية قد حُرّف عن مساره، وفي أسوأ الأحوال يُتلاعب بالرأي العام ليصب في خانة الرواية الرسمية (الحكومية). ومن خلال حَرفِ الانتباه هذا عن مبادئ القضية الأساسية، يأتي الهوس بشخصية أسانج ليستبعد أهمية ما كشفته وثائق ويكيليكس المسربة ومقدار إخفاء الحكومات عن مواطنيها ما تقترفه من تجاوزات. وذاك يستبعد في طريقه، ما كشفته منشورات أسانج سنة 2010 حول ما سبق وأخفي عن 15 ألف ضحية مدنية في العراق، الضحايا التي لا بد أن يكون الجيش الأميركي قد قام بدفنها. ويستبعد حقيقة أن الولايات المتحدة اليوم تحاول تحقيق ما تحلم الأنظمة القمعية بتحقيقه: تقرير ما ينبغي على الصحافيين في كل أنحاء العالم كتابته أو عدم كتابته. وهذا يستبعد أيضاً حقيقة أن جميع كاشفي الفساد، والصحافة بحد ذاتها، وليس فقط أسانج، يخضعون للمحاكمة.

كتب هذه المقالة نعوم تشومسكي وأليس والكر، العضوان في AssangeDefense.org                 

© The Independent

المزيد من آراء