Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا موضع مساءلة... تستدعي تدخلا "مرنا" لحماية المنافسة

رجل أعمال: أنقرة تُغرق السوق بسلع رديئة معفاة من الجمارك يقل سعرها عن نظيرتها المحلية بنحو 25%... مستشار وزير التجارة: القاهرة تستفيد منها وآثار إلغائها سلبية على الصادرات

ميناء الإسكندرية البحري أحد أهم الموانئ المصرية ومن خلاله يتم تداول نحو 60%من التجارة الخارجية. (الموقع الرسمي لهيئة ميناء الإسكندرية)

خالفت العلاقة الاقتصادية بين مصر وتركيا المألوف، حيث تتفق الأسس الاقتصادية في أغلبها على أن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، فترتبط وتزداد العلاقات التجارية الاقتصادية بمؤشر التقارب أو التنافر السياسي. اتفاق التجارة الحرة بين مصر وتركيا تتجاذبه السياسة تارة والجدوى الاقتصادية تارة أخرى، إلا أنه صار موضوع مساءلة أخيرا بعد تدهور جديد لسعر الليرة التركية واتهامات بإغراق السلع التركية للسوق المصرية بما يخلّ بالمنافسة.

مطالب بوقف الاتفاقية المصرية-التركية من طرف واحد

القاهرة شهدت على مدار الشهر الحالي انتفاضة جديدة يقودها مصنّعون ومنتجون مصريون، وتمثل تجديدا لمطالب ظهرت نهاية العام الماضي مع بداية سقوط الليرة التركية وفقدها نحو 18% من قيمتها أمام الدولار الأميركي، مما سمح للتجار الأتراك بضخ بضائعهم في أسواق القاهرة بأسعار مخفضة.

المطالب التي رفعها المصنعون المصريون تتمسك بإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، أو في الأقل إيجاد حلول عاجلة لغزو المنتجات التركية للسوق المصرية إذا كان هناك صعوبات في تعديل الاتفاقية أو إلغائها، بخاصة بعد الهبوط المدوي لليرة التركية الذي منح صادراتها قوة أكبر على النفاذ للأسواق المختلفة.

موجة إغراق للسوق المصرية

الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين هاجم الحكومة المصرية لترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المنتجات التركية، بحسب بيان صحفي أصدره الاتحاد الأسبوع الماضي.

وطالب رجل الأعمال المصري، محمد فريد خميس، بصفته رئيس الاتحاد، الحكومة المصرية بالتصدي لمحاولات أنقرة إنقاذ اقتصادها من خلال إغراق مصر بسلعٍ يقلّ سعرها عن المنتجات المصرية بنسبة 25% فضلاً عن رداءتها.

وقال خميس إن السوق المصرية ليست بمعزل عما يحدث في تركيا، إذ تداوي أنقرة جروحها الاقتصادية على حساب الصناعة الوطنية المصرية، ولذا ليس من الحكمة السكوت على ذلك، بخاصة مع دولة تضرّ بالأمن القومي المصري، مبدياً تخوفه من موجة إغراق للسوق المصرية بالمنتجات التركية، مستفيدة من انخفاض العملة هناك والاتفاقية التجارية الموقعة معها، والتي بمقتضاها تدخل وارداتها لمصر دون جمارك.

وأضاف خميس أنه ليس من العدل أن نتنافس مع منتجات دول أخرى تقدم جميع التسهيلات لمصانعها مثل المساندة التصديرية، وتقديم الخدمات بأسعار رمزية أو مجاناً، مثل أراضي الاستثمار، وانخفاض تكلفتي الإنتاج والتشغيل، مما يفقد الصناعة المصرية قدرتها على المنافسة والصمود، ويغرق الأسواق ببضائع منخفضة الثمن ضارة بالبيئة وبالإنسان، في الوقت نفسه تحارب تركيا الصادرات المصرية بشكل كبير، بالدعم الذي تعطيه لكل مصدر تركي للسوق المصرية، والذي يصل إلى 20%، وقد يمتد إلى أكثر من ذلك.

نقيب المستثمرين الصناعيين يهاجم المستوردين

وبوجهة نظر متطابقة أبدى نقيب المستثمرين الصناعيين المصريين، محمد جنيدي، استياءه من الاتفاقية التجارية الموقعة بين مصر وتركيا، مشيرا إلى أن الاتفاقية تقضي بإعفاء متبادل من الرسوم الجمركية ليس في صالح الصناعة المصرية تماما.

وأوضح جنيدي لـ"اندبندنت عربية" أن الاقتصاد التركي يحتل المرتبة 16 عالميا بين اقتصاديات دول العالم، ولدى تركيا قطاع صناعي أكبر من مصر، والحكومة التركية تدعم المصدرين الأتراك بقوة، مما يسمح لهم بمرونة في التسعير وإغراق السوق المصرية بأسعار أقل من نظيرتها المحلية، مرجعا ذلك إلى المستوردين المصريين الذين يتهافتون على البضائع التركية الأقل سعرا والأكثر ربحية من وجهة نظرهم على حساب الصناعة المحلية، على حدّ وصفه.

وقارن جنيدي بين مناخي الاستثمار والصناعة بين البلدين، لافتا إلى أن المقارنة تصبّ في كفة الأتراك، موضحا أن تكلفة الاستثمار في مصر باهظة بالمقارنة بدول العالم وبشكل خاص الدول الآسيوية، والأعباء الصناعية التي يتحملها المنتجون مرتفعة في ظل تراجع المساندة التصديرية من الحكومة المصرية للمنتجين والمصدرين، مشيرا إلى أن هناك عددا غير قليل من المصانع أغلق أبوابه بسبب ارتفاع التكلفة.

وطالب جنيدي بتدخل الحكومة المصرية لإيقاف الاتفاقية بين مصر وتركيا من جانب واحد أو في الأقل مراجعة بنود الاتفاقية لتحقق بعضا من العدالة للمنتجين والمصنعين المصريين، ونصح جنيدي المسؤولين المصريين بالاقتضاء بالرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أصدر عددا من القرارات الحمائية للصناعة الوطنية الأميركية.

المستوردون يردون

تحميل المستوردين المسؤولية رفضه أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين التابعة للاتحاد العام المصري للغرف التجارية، والذي أكد أن الاتهامات الموجهة للمستوردين بإغراق السوق المحلية بمنتجات تركية أقل سعرا عن نظيرتها المحلية غير صحيحة، موضحا لـ"اندبندنت عربية" أن "السبب يعود إلى المنتجين والمصنعين أنفسهم بينما يلقون باللوم علينا نحن، فالمنتجون والمصنعون يبالغون في تحديد هوامش أرباح السلع ويغالون في تحديد الأسعار، ليس المهم أن تربح بنسبة 100%"، متابعا "الأتراك يقدرون هوامش أرباح لا تزيد على 15% ولذلك فالطلب على منتجاتهم في نمو وتزايد"، واختتم شيحة حديثه بتأكيد أن السوق مرتبطة بقوى العرض والطلب.

تحذير من تراجع جديد للاقتصاد التركي

حذرت وكالة "موديز" الدولية للتصنيف الائتماني من تراجع قيمة الليرة التركية مجدداً بسبب التوترات المحتملة مع ألمانيا، بعد تحذير الأخيرة لمواطنيها من السفر إلى تركيا، والتوتر الذي تشهده تركيا مع الولايات المتحدة بسبب منظومة الدفاع الصاروخي 400 S- التي تصرّ تركيا على شرائها من روسيا.

ورفعت "موديز"، في أحدث تقرير لها يوم الأربعاء 20 مارس (آذار) الحالي، مستوى خطر تأثر الاقتصاد التركي بالعوامل الخارجية من مرتفع إلى شديد الارتفاع.

وعزت "موديز" رفعها لخطر تأثر اقتصاد تركيا بالعوامل الخارجية إلى إجمالي التمويل المرتفع الذي يتوجّب على تركيا توفيره من الخارج.

هذا ما أعلنته وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز"، التي قالت في تقرير لها مارس (آذار) الحالي إن تركيا تعرّضت لصفعة ركود قوية (ارتفاع معدل التضخم وزيادة الركود في مارس الحالي)، وتابع التقرير أن الوضع الاقتصادي المتدهور تسبب في زيادة الأسعار ونسبة البطالة، مؤكدا أن تركيا ستشهد انكماشاً ملحوظاً على مدار العام الحالي، وأضاف "من المتوقع أن تظل ديناميكية الاقتصاد ضعيفة في النصف الأول من العام، إلى جانب عبء ارتفاع الدين بالعملة الأجنبية، النابع من انخفاض قيمة الليرة مقابل زيادة أسعار فوائدها".

آثار سلبية وفوائد متبادلة

ولأن الحكومة المصرية طرف في الأزمة واجهت "اندبندنت عربية" مسؤوليها بالأزمة، حيث رفض المهندس سيد أبو القمصان، مستشار وزير التجارة والصناعة المصرية، "النغمة السائدة" بين المصنعين المصريين والمطالبة بإلغاء الاتفاقية الموقعة بين مصر وتركيا نتيجة ضخ المنتجات التركية بأسعار أقل من نظيرتها المحلية.

وطالب أبو القمصان من يرفعون هذا الشعار بأن يدرسوا الجانب الآخر موجها سؤالا "هل درستم الآثار السلبية لإلغاء الاتفاقية على الصادرات المصرية؟"، مؤكدا أن الصادرات المصرية تدخل إلى أوروبا عن طريق تركيا وهي في نمو مستمر، كما أن حجم الصادرات المصرية لتركيا كبير ولا يمكن تجاهله مطالبا رجال الأعمال والمستثمرين والمصنعين عدم إقحام الاقتصاد بين مصر وتركيا في السياسة مختتما "التجارة لا تعرف السياسة".

مصر تصدّر شحنتي غاز مسال إلى تركيا

وقال تقرير حديث صادر عن مؤسسة "بلاتس" للأبحاث النفطية إن هناك قفزة في صادرات مصر من الغاز المسال سجلت أعلى مستوى في 6 سنوات منذ العام 2013، وكشف التقرير أن مصر صدّرت أربع شحنات الشهر الماضي، منها شحنتان إلى تركيا وواحدة إلى فرنسا والرابعة إلى سنغافورة.

مستشار وزير المالية المصري: القاهرة تحترم تعاقداتها

وقال الدكتور مجدي عبد العزيز، مستشار وزير المالية المصري لشؤون الجمارك، لـ"اندبندنت عربية"، إن اتفاقية التجارة الحرة وقّعت بين مصر وتركيا في عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2007م، مؤكدا أن مصر دولة كبرى في الشرق الأوسط تحترم تعاقداتها واتفاقياتها الدولية ولا يمكن بأي حال التراجع عنها أو إلغائها بشكل أحادي، مشيرا إلى أن القاهرة تبحث عن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة كاشفا أن "الإقدام على خطوة غير محسوبة اقتصاديا قد تكلفنا كثيرا وتمثل تهديدا وإرباكا لخطط الدولة لجذب استثمارات أجنبية جديدة".

وأضاف مستشار وزير المالية المصري أن إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا غير ممكن إذا كنا دولة تبحث عن التنمية المستدامة، مستدركا "ولكن يجوز مراجعة بعض بنود الاتفاقية وفرض رسوم إغراق في حالة وقوع ضرر على المنتج المحلي ولحماية الصناعة الوطنية، وفقا لقواعد منظمة التجارة العالمية".

الاتفاقيات الدولية تجيز التدخل في حالة الإغراق

وقالت مني الجرف، الرئيس السابق لجهاز حماية المنافسة المصري، لـ"اندبندنت عربية"، إن الأمور لا تؤخذ بشكل عام ويجب تحديد نوعية وكمية السلع التي يتم ضخها في السوق المصرية لتحديد وجود إغراق من عدمه.

وأوضحت الجرف أن هناك اتفاقية موقعة بين مصر وتركيا تسمح بدخول البضائع التركية لمصر بدون ضرائب جمركية، ولكن من حق الدولة وفقا للاتفاقيات الدولية التدخل لحماية المنافسة بين السلع المستوردة ونظيرتها المحلية لوجود منافسة غير عادلة، مؤكدة أن الأمر سيختلف تماما إذا كان انخفاض أسعار السلع التركية يرجع لتراجع سعر صرف الليرة التركية مما ينعكس على أسعار منتجاتها، قائلة "في تلك الحالة لا توجد منافسة غير عادلة".

التبادل التجاري بين مصر وتركيا

على الجانب الآخر، أكد رفعت هيسا أوغلو، نائب رئيس اتحاد الغرف الأوروبية، على ضرورة زيادة حجم التجارة البينية بين مصر وتركيا بما يسهم في زيادة الاستثمار ودوران رأس المال.

وأوضح "أوغلو"، خلال كلمته بملتقى مصر للاستثمار الرابع الذي عقد في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الحالي، أن حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا يبلغ حاليا نحو 5.1 مليار دولار، الأمر الذي يعبّر عن إمكانيات البلدين، مشيرا إلى وجود فجوة كبيرة بين البلدين في مجال التجارة الإلكترونية.

الإحصاء المصري: تركيا من أكبر 5 دول تستورد من مصر

وطبقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، في مارس (آذار) الحالي، أكد في أحدث نشراته السنوية حول حركة التجارة الخارجية لمصر لعام 2018 أن تركيا وإسبانيا وأميركا والإمارات والسعودية أكبر 5 دول مستوردة من مصر بقيمة 8.4 مليار دولار، بنسبة 28.8% من إجمالي الصادرات المصرية، وبلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية 109.6 مليار دولار، بينما سجل حجم الصادرات المصرية نحو 29.2 مليار دولار بزيادة 2.9 مليار دولار عن 2017، في حين بلغ حجم واردات مصر 80.4 مليار دولار بزيادة 13.9 مليار دولار عن 2017.

وأخيرا سجل حجم العجز في الميزان التجاري خلال 2018 نحو 51.2 مليار دولار.

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا

في 27 ديسمبر (كانون الأول) عام 2005 وقعت اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من مارس (آذار) 2007، وتقضي الاتفاقية بإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين خلال فترة انتقالية لا تتجاوز 12 عاما من دخولها حيز النفاذ، بهدف زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين وإزالة المعوقات والقيود الخاصة بتجارة السلع بما فيها السلع الزراعية، طبقا لنصل الاتفاقية.

 

 

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد