Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين وروسيا قد يخسران الكثير بسبب تسميم أليكسي نافالني

يُحتمل أن يتفاقم الضرر الدبلوماسي والاقتصادي ويتجاوز عواقب قضية سالزبوري مع المملكة المتحدة

الاستنتاجات الألمانية توحي بأن زعيم المعارضة الروسية سمم بالمادة نفسها التي سمم بها سكريبال (غيتي)

لا يُعرف من الذي سمح في روسيا بإقلاع طائرة الإسعاف الألمانية التي أقلّت أليكسي نافالني من مدينة أومسك في سيبيريا. كانت زوجة نافالني قد ناشدت الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة، وهناك تقارير تفيد بأن دبلوماسيين ألمان تدخلوا على أعلى مستوى. ولكن، بغض النظر عمن وقّع على القرار النهائي، كان واضحاً أنه ينطوي على مخاطر بالنسبة إلى الكرملين.

اتضح مقدار الخطر يوم الأربعاء، عندما أصدرت وزارة الخارجية الألمانية بياناً، قالت فيه إنه "ما من شك" في أن زعيم المعارضة الروسية تعرّض للتسميم بغاز الأعصاب نوفيتشوك. وأعقب ذلك اتصال جاد من المستشارة أنجيلا ميركل طلبت خلاله من روسيا تقديم تفسير لما اعتبرته محاولة قتل تهدف إلى إسكات هذه الشخصية البارزة في المعارضة الروسية.

وبالطبع، وجد الكرملين نفسه في مأزق - سواء كان هو من سمح بإقلاع الطائرة أم لا - حيث كان رفض الإذن لها سيلقى الإدانة باعتباره قراراً غير أنساني، بخاصة إذا توفي نافالني لاحقاً. من ناحية أخرى، وفي اللحظة التي غادر فيها نافالني المجال الجوي الروسي، فقد الكرملين أي سيطرة كانت لديه، سواء في ما يتعلق بما حدث بعد ذلك أو بالرسالة. ولقد كان هذا بمثابة تنازل كبير من قبل بوتين أو أي شخص آخر.

والآن يجدر التأكيد في هذه المرحلة على أن الألمان لا يقولون بشكل قاطع إن "بوتين هو من فعل ذلك"، على الرغم من كل اليقين الذي يميز العديد من التصريحات البريطانية الرسمية والتغطية الإعلامية. وفي هذا الصدد، تختلف نبرة الألمان قليلاً عن تلك التي تبنّاها الوزراء البريطانيون في غضون ساعات من حادثتيْ التسمم التي شهدتها سالزبوري عام 2018.

 من الجدير بالذكر أيضاً أن الطيار الروسي الذي قرر الهبوط اضطراراً في أومسك، بدلاً من مواصلة الرحلة إلى موسكو، ربما أنقذ حياة نافالني هو والأطباء في أومسك الذين - على الرغم من تشكيكهم المعلن في إصابته بالمادة السامة – أعطوه دواء الأتروبين في وقت مبكر، وهو أقرب علاج موجود لمضاد نوفيتشوك. لذا يصعب تصديق ادعاء البعض بأن ما حدث كان هجوماً وقحاً يحمل بصمات الكرملين في كل الجوانب وأنه كان مصمّماً ليتم اكتشافه وتفسيره على أنه "رفع اصبعين" في وجه الغرب.

لكن الاستنتاجات الألمانية التي تشير إلى أن زعيم المعارضة الروسية الأكثر نفوذاً قد تعرّض للتسميم وأن المادة المستخدمة هي نفسها التي تم تعيينها في حالة سكريبال - وهي غاز أعصاب من الدرجة العسكرية مرتبط بروسيا، على الرغم من أنه طُوّر في الحقبة السوفياتية ويمكن العثور عليه خارج روسيا – تشير إلى وجود قضية جادة يتعيّن على الكرملين الرد عليها. وصحيح أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأن الكرملين ينفي كل شيء، لكن العبء الآن يقع مباشرة على بوتين لإثبات براءته في محكمة الرأي الدولي.

لقد أعلنت روسيا منذ البداية أنها ستُباشر تحقيقاً فور تلقيها تفاصيل القضية من الألمان. وإذا افترضنا أن برلين تشارك استنتاجاتها مع السلطات الروسية - وهو أمر بالمناسبة، وفقاً للروس، لم يفعله البريطانيون في حالة سكريبال - فقد حان الوقت لذلك.

ربما تكون شفافية أي تحقيق من هذا القبيل مسألة أخرى، لكن هناك فرقاً كبيراً بين هذه القضية وقضية سكريبال، التي حدثت تحت الولاية القضائية البريطانية. ويبرز حق الدول الأخرى في التدخل، كما سيُنظر إليه هنا، في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، باعتباره إشكالية متكررة في الدبلوماسية الدولية. ويقع هذا الإشكال في قلب الجدل الدائر حول استخدام "الحق في الحماية" كذريعة للتدخل المسلح - وهو مبدأ تعارضه روسيا من بين دول أخرى. ويُحتمل أن تجادل موسكو بأن ما حدث (ربما) في تومسك، ينبغي أن يبقى في تومسك، بخاصة إذا كانت ستعتبر، كما يمكنها أن تفعل، أن نوفيتشوك يضفي على القضية بعداً متعلقاً بالأمن القومي.

لكن بغض النظر عن مصير أي تحقيق روسي، ومهما كان محتملاً، أو غير محتمل، أن تمارس دول أخرى ضغوطات على روسيا للعثور على المسؤولين ومعاقبتهم، فقد بدأ التوتر الدبلوماسي بالفعل. وطالما لم تقدم روسيا أي تفسير لما حدث، فإن هذا التوتر لن يؤدي سوى إلى مزيد من الضرر.

وحتى الآن، يبدو أن ألمانيا تصوغ رد فعلها على الطريقة البريطانية بعد حادثة سالزبري لتنسيق أي عمل مع شركائها في الاتحاد الأوروبي وحلفائها في الناتو. لذا يمكننا توقع جولة جديدة من عمليات الطرد الدبلوماسي وربما المزيد من العقوبات "المحددة" ضد أولئك الذين يُعتقد أنهم مسؤولون بشكل مباشر أو غير مباشر. غير أن تأثير هذه الإجراءات سيكون محدوداً، ولن يرقى إلى أكثر من مجرد إشارات استنكار.

مع ذلك، قد تذهب الأضرار الدبلوماسية والاقتصادية إلى أبعد من ذلك بكثير - وأبعد بكثير مما حدث مع المملكة المتحدة في حادثة تسميم سيرغي ويوليا سكريبال. ولأن العلاقات بين المملكة المتحدة وروسيا قبل قضية سكريبال كانت سيئة للغاية، فإنها بالكاد ازدادت سوءاً. في المقابل، كانت ألمانيا تتبع نهجاً أقل إيديولوجية وأكثر واقعية تجاه روسيا على مر السنين. وبالتالي هناك الكثير مما يمكن خسرانه.

وعلى الرغم من الفتور الذي طبع أحياناً علاقات أنجيلا ميركل مع فلاديمير بوتين، فإن الحديث والتجارة بينهما استمرا طوال الوقت. وكان مشروع بناء "نورد ستريم 2" في صلب البلدين، وهو خط أنابيب جديد للغاز الروسي يتفادى أوكرانيا ويكاد يكتمل. ولقد تابعت ألمانيا المشروع، على الرغم من عداء أوكرانيا وداعميها في الاتحاد الأوروبي والمعارضة الشديدة والتهديد بفرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة. والآن قد يكون تشغيل خط الأنابيب هذا موضع شك - ما سيكون في مقام ضربة قوية للكبرياء القومي الروسي، ولميزانها التجاري أيضاً.

علاوة على ذلك، يمكن أن تخسر روسيا إمكانية تحسين علاقاتها مع فرنسا، كما فضّل الرئيس إيمانويل ماكرون منذ توليه منصبه. ويمكن أيضاً للمزاج تجاه روسيا داخل الاتحاد الأوروبي - الذي كان متوازناً منذ فترة طويلة بين صقور الكتلة الشرقية السابقة و "الواقعيين،" كما يمكن تسميتهم، من أوروبا "القديمة" - أن ينحرف بشدة نحو الصقور. وسيكون هذا أيضاً خيبة أمل لروسيا، بالنظر إلى أن العلاقات كانت مهيأة لقليل من الدفء مع خروج المملكة المتحدة، المحاربة الباردة، من الاتحاد

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأوروبي.

يمكن أن تخسر روسيا أيضاً فرصتها الأخيرة التي كانت لديها منذ فترة من الوقت لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة – وهو ما لا زال يبدو هدفاً لبوتين. وتجري مناقشات منذ فترة لعقد قمة أميركية روسية شاملة قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر(تشرين الثاني). والآن من الصعب تصور كيف يمكن أن تستمر، طالما أن هناك تساؤلاً عن تورط الكرملين في المحاولة على ما يبدو لاغتيال خصم سياسي رئيسي. وخلاف ذلك، فإن كل الادعاءات المتعلقة بـ "روسيا غيت" والتي ترى أن دونالد ترمب مَدين بالفضل لروسيا الخبيثة – وهي مزاعم تلاشت في العام الماضي – قد تعود أشد بأسا.

ويأتي الهجوم على نافالني – المعروف جيداً في الغرب، ربما بقدر شهرته في روسيا - أيضاً في وقت بدت الدبلوماسية الروسية تخفف من نهجها الشرس وبدأ ينكسر الجمود الذي أعقب ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014. وقد عملت مجموعة متنامية من الدبلوماسيين الشباب في الابتعاد عن نهج روسيا التقليدي الأرعن المتمثل في الاعتماد على الخطاب القوي، مفضلين تركيزاً جديداً على إمكانيات "القوة الناعمة".

لذا ينبغي أن يكون واضحاً من هذه القائمة أن بوتين سيخسر أكثر من أي شخص آخر مما حدث لنافالني. وسوف يخسر الكثير والكثير - دبلوماسياً وعلى صعيد السمعة - إذا رفض الكرملين أو لم يستطع تبديد فرضية الذنب.

وعلى المدى القصير، تم إقصاء نافالني من المشهد السياسي الروسي وتحديداً من حملة الانتخابات الإقليمية هذا الشهر، حيث كان من الممكن أن يكون دعمه لمرشحي المعارضة مؤثراً.

 لكن هل يقدّر أي شخص في الكرملين بأن هذا "المكسب" القصير الأجل سوف يفوق الضرر الأكثر عمقاً لروسيا ورئيسها؟ هذا هو سؤالي، وربما هو المبرر الأقوى لاستبعاد "الكرملين" من المسؤولية عن محاولة قتل أليكسي نافالني.

© The Independent

المزيد من آراء