Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحارث" فيلم رعب مصري بلا أدلة

سينما التخييل الغرائبي والتشويق المخيف تحتاج الى وعي تقني ومخيلة واسعة

مشهد من فيلم "الحارث" المصري (موقع الفيلم)

قليلة هي أفلام الرعب في السينما المصرية، ربما لأنها تحتاج إلى إمكانات خاصة، بعيدة كل البعد من أهداف صناع السينما، وهذا ما يتضح بجلاء في فيلم "الحارث" المعروض حالياً عبر منصة "شاهد VIP" بطولة أحمد الفيشاوي وياسمين رئيس، تأليف محمد عبد الخالق، سيناريو محمد إسماعيل أمين في تجربته السينمائية الأولى، وإخراج محمد نادر في أولى تجاربه كمخرج مستقل، بعد أن شارك كمساعد مخرج في فيلمي "طلق صناعي واشتباك".  

هذه النوعية من الأفلام تتخطى إشكالياتها حدود السينما المصرية، فهي تشمل السينما العربية على وجه العموم، كما يمكن تطبيقها كذلك على الأدب. فهذه الأعمال تتعامل، بالدرجة الأولى، مع فكرة كسر التابوهات على اختلافها، مما يتعارض مع مفاهيم المؤسسة الدينية في المقام الأول، يليها المؤسسة الشعبية "الوعي الجمعي" بكل ما على عاتقها من عادات وتقاليد تستهجن جموح الخيال. حتى أن بعض الأفلام القديمة التي تطرقت لفكرة عودة الموتى على  سبيل المثال لجأت إلى حل وسط في النهاية، كأن يكون هذا مجرد حلم في نوم البطل.

على رغم ذلك لم تخلُ السينما المصرية من تجارب تظهر بين الحين والآخر، وقليل منها ما يعلق في ذهن المشاهد بالفعل، وعلى رأسها فيلم "سفير جهنم" المعروض منتصف الأربعينيات، تأليف وإخراج يوسف بك وهبي، الذي أدى دور الشيطان مغوياً أحد الزوجين بالخضوع له مقابل الشباب والمال. أيضاً، التجربتان الشهيرتان في الثمانينيات "التعويذة، والإنس والجن". في الأخير يقوم عادل إمام بدور الشيطان الذي يقع في حب امرأة من نسل آدم وحواء. ويظهر على غير الصورة المتخلية لإبليس، بلا أنياب أو ملامح تثير الفزع، بل مهندماً بربطة عنق. الغريب أن البطولة النسائية في التجربتين كانت للفنانة يسرا.

رعب كوميدي

في جانب آخر، قُدمت أفلام من نوعية الرعب الكوميدي حظيت بقبول أوسع مثل بعض أفلام إسماعيل يس: عفريتة إسماعيل يس، وحرام عليك، وبيت الأشباح. وما يظل مشتركاً  بين جميع التجارب التي توخت الرعب أو الإثارة  في السينما المصرية والعربية، هو الالتزام بالنقل أو الاقتباس عن سينما هوليوود، سبق أن أشار إليه المخرج محمد راضي في أحد الحوارات التلفزيونية عن أسباب فشل أفلام الرعب المصرية، مضيفاً إليه نُدرة كُتاب هذه النوعية.  

يحكي الفيلم عن ليلة ميلاد الشيطان التي يطلقون عليها "ليلة الحارث"، وفيها يقع اختياره على إحدى النساء اللاتي ولدن في اليوم نفسه لينجب منها ذرية تساعده في صراعه الدائم مع بني آدم، من خلال فلاش باك في بداية الفيلم 1982 نرى فيه إحدى ضحايا الشيطان "عبلة" (أسماء أبو اليزيد) وزوجها (عمرو عبد الجليل) وإنجابها طفلاً سيكون له دور في ما بعد في مجرى الأحداث.

الانتقال الثاني سيكون في المكان نفسه "صحراء سيوة" 2012 "فريدة ويوسف" ياسمين رئيس وأحمد الفيشاوي زوجان يقضيان شهر العسل. وفي حفلة ليلية يقابلان أحد العرابين "عم محمد" (باسم سمرة)، فيخبرهما عن لُغز ليلة الحارث من دون مقدمات، مُستحضراً فلسفة قصة خلق آدم والشجرة المحرمة وطرده من الجنة، في حشو غير مُقنع، مُتذرعاً بحكمة يُصدرها بين الحين والأخر من خلال تعبير الوجه أو الحوار، وتبدو غير مفهومة "مش مهم القصة بتقول إيه... المهم تفهم منها إيه".

يستغرق التمهيد ما يقارب الثلث ساعة الأولى من الفيلم (مدته ساعة ونيف)، ثم تأتي النقلة الأخيرة عام 2019 بعد أن ينجبا طفلهما الأول والذي سرعان ما يفقدانه حين يلقي بنفسه من طابق المنزل فتتدهور حالتهما النفسية، بخاصة الأم "فريدة". ويأخذ الفيلم منحى آخر نتتبع فيه الخيوط المُسببة لهذه اللعنة من خلال بعض الهلاوس والفزع الذي يصيب الأم واللجوء إلى أحد الدجالين. وفي لحظة ما نظن أن الأب "يوسف" هو السبب في كل ما يحدث لهما، وهي النقطة الوحيدة تقريباً التي نجح فيها الفيلم حين خلق هذا اللبس أو الإيهام، إن كان قد قصدها فعلاً.

في النهاية يتضح أن "كمال" (علي الطيب)، صديق الأسرة الطبيب النفساني، هو نفسه ذلك الطفل الذي أنجبته "عبلة" في بداية الفيلم من علاقتها بالشيطان، من دون مبرر درامي مُقنع.

آمال وخيبات

لا شك في أن صناع الفيلم أرادوا خوض طرق جديدة في موضوعات السينما، ولكن ليس بالنيات وحدها تُصنع الأفلام، لا سيما أن فيلم الرعب يحتاج إلى عدة عناصر متداخلة تأتي على رأسها مثلاً الإضاءة والموسيقى التصويرية، وقد وضع خالد كمار موسيقاه التي تنافرت معظم الوقت مع المؤثرات الصوتية، فأحياناً تطمسها لدخولها المفاجئ أو تُحمِّل السياق بأكثر مما يحتمل، بداية من الضربات المتتالية للكمنجات والتي تحيلنا لضربات القدر وصولاً لتوقفها المبتور.

لم توفق الإضاءة الصريحة في معظم اللقطات في خلق جو الرعب المفترض، فظهرت محتويات الكادر بوضوح. أما على مستوى الأداء، فقد أصرت البطلة ياسمين رئيس على  تصدير تعبير دائم طوال الفيلم يمزج بين الدهشة والخوف والترقب، لذلك جاءت ردودها التعبيرية إزاء مواقف الإثارة أو التورط بالصورة نفسها المطروحة سلفاً بلا تصاعد، إلا في بعض الإفراط من آن لآخر عبر توسيع حدقة العين دليلاً على الفزع. في المقابل، أدهشني الأداء المفتعل لأحمد الفيشاوي بخاصة في مواقف الخطر التي تتعرض لها زوجته أو ابنه، متمادياً في مسخ الشخصية بأداء هلامي يستحضر كاركتيرات أميركية عدة في توليفة مصنوعة.

على جانب آخر، قدم علي الطيب "كمال" أسوأ أداء لفكرة تجسيد الشيطان أو حتى في كونه ابناً له، مما يبتعد بنا كثيراً عن التوليفات العشوائية لدراما السيناريو وفكرة نسل الشيطان، وبالطبع ليلة الحارث نفسها، لتصبح الليلة التي بكى فيها الشيطان على ما آلت إليه المخيلة البشرية في تجسيده.   

في العموم، غلب الانفعال الزائد عن الحد، على معظم شخصيات الفيلم بطريقة عكسية مع التصاعد الدرامي للمشهد. المقدمة بداية من ضيوف الشرف (سمرة وعبد الجليل)، والأدوار الثانوية (عارفة عبد الرسول ورشدي الشامي) وإن فلتت قليلاً من هذا الشرك أسماء أبو اليزيد، فيما قُدمت بقية الشخصيات بشكل باهت ومكرر.

في قانون الإجراءات الجنائية المصري، هناك أمر إداري تصدره النيابة العامة بحفظ الأوراق وعدم تحريك الدعوة القضائية حال عدم توافر أركان الجريمة. يمكننا تطبيق ذلك الأمر الإداري مع فيلم "الحارث"، فإذا كان فيلم الرعب يتكون من عدة عناصر أهمها أن يثير مشاعر الرعب والخوف في المشاهد نفسها، وأن يتضمن أحداثاً خارقة للطبيعة إضافة إلى المؤثرات البصرية والصوتية... ، وهو ما لم يتوافر في هذا الفيلم، فمن الأحرى أن تُحفظ تجربة العمل بعيداً من أي تصنيفات، وذلك لعدم كفاية الأدلة.

المزيد من سينما