Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة الجزائرية تقيل مديري قطاعات لمواجهة "الثورة المضادة"

اتهم الرئيس عبد المجيد تبون أطرافاً لم يسمها بتدبير موجة سخط شعبية إثر انقطاع المياه في العاصمة وتيبازة خلال عيد الأضحى

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (غيتي)

انتقلت السلطات الجزائرية إلى مرحلة "كسر العظام" ضد خصوم متهمين بما يشبه "الثورة المضادة" ضد حكم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من خلال إقالات بـ"الجملة" في قطاعات أثارت احتجاجات وتساؤلات كثيرة أبرزها الموارد المائية (انقطاع المياه)، البريد (غياب السيولة النقدية) وقطاع تكنولوجيات الاتصال (ضعف تدفق الإنترنت). وشملت الإقالات مسؤولاً فرنسياً بارزاً في شركة "سيال" الفرنسية، التي تشرف على تسيير توزيع المياه في العاصمة ومحافظة تيبازة المجاورة.

وتباعاً صدرت قرارات إقالة في حق ثمانية من كبار المسؤولين في مؤسسة "سيال"، فرع المؤسسة الفرنسية "سويز"، التي تتعاقد مع الجزائر منذ سنوات ضمن شراكة لتسيير عملية توزيع المياه.

واتهم الرئيس تبون "أطرافاً" بتدبير موجة سخط شعبية إثر انقطاع التزويد بالمياه في المحافظتين عشية عيد الأضحى، وتزامن ذلك مع انقطاعات مماثلة عن المحافظات الأخرى، حيث تشرف على عملية التسيير الشركة الحكومية "الجزائرية للمياه". وتوسعت اتهامات تبون إلى شكوك في قطاع البريد بسبب نقص مجهول السبب في السيولة النقدية، ونشوب عشرات الحرائق في محافظات غابية شمال البلاد وانقطاع الكهرباء، وأخيراً ضعف غير مبرر في تدفق شبكة الإنترنت.

رد الفعل

ولم يكد يمر نصف شهر على طلب الرئيس الجزائري من المصالح الأمنية المتخصصة فتح تحقيق حول "الثورة المضادة"، كما سماها، حتى أعلنت قطاعات عن إقالات مست إطارات عليا. إذ أعلنت وزارة الموارد المائية، الأربعاء، عن إنهاء مهام بريس كابيبل، المدير العام للشركة الفرنسية "سيال" بالجزائر. وأرفق القرار بمراسيم إنهاء مهام كل من المدير الجهوي للشركة بتيبازة، مدير الاتصال، مدير الاستغلال، مدير الإنتاج، مدير التوزيع. كما أنهيت مهام رؤساء مراكز ثلاث مقاطعات كبرى في العاصمة هي الشراقة ودرارية وزرالدة. فيما أفادت الوزارة بأن ملفات الموقوفين موجودة لدى مصالح الدرك للتحقيق معهم.

في اليوم نفسه، أعلنت وزارة الموارد المائية عن انهاء مهام مديري 26 وحدة ولائية (المحافظات) في "الجزائرية للمياه". وذكرت في بيان أن هذه القرارات اتخذت "بعد تسجيل نقائص مهمّة في تسيير الخدمة العمومية للمياه بالولايات المعنية وبعد عملية تفتيش وتقييم واسعة". وتابعت "من أجل إعطاء زخم جديد للخدمة العمومية للماء، يسعى الوزير إلى ضخّ كفاءات جديدة، وستعطى الأولوية للشباب الجامعيين القادرين على ضمان مستوى تسيير عالي المستوى".

ويتعاقد المجمع الفرنسي "سويز" مع الجزائر منذ سنوات، وعلى الرغم من انتقادات حزبية متكررة إلا أن الحكومة الجزائرية جددت عقد "سيال" فرع الجزائر مراراً، حيث تم آخر تجديد عام 2018 ليمتد ثلاث سنوات. ومن الشائع وفقاً لمسؤولين في أحزاب، تدخل السلطات الفرنسية بشكل متكرر لدى الحكومات السابقة من أجل إبقاء العقد سارياً.

يقول الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي نور الدين شرشالي لـ"اندبندنت عربية" إن "الحكومة لم توضح إذا كانت هذه الإقالات مرتبطة فقط بسوء تسيير أم بفوضى مٌخطط لها". ويضيف "هذا القرار، أي إقالة المسؤول الفرنسي، فيه تلميح مباشر إلى وجود رابط بين إشارات تبون الأخيرة وبين جماعة ضغط باريسية سواء حكومية أو غير حكومية".

آليات التقييم

يرى عبد الرحمن عرعار، الناشط الجمعوي ورئيس "المنتدى المدني للتغيير" الذي تأسست منه "لجنة الحوار والوساطة" قبل سنة تمهيداً للانتخابات الرئاسية، التي جرت نهاية عام 2019، أن "الجزائر الآن أمام موضوع جوهري في الحوكمة السياسية. إذا قيّمنا ما حدث في الجزائر من فساد وسوء تسيير وسوء استغلال الوظائف السامية نجد أنها السبب في تعكير جميع المخططات الحكومية وطنياً ومحلياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح عرعار "وهذا لا يسمى سوء تسيير، بل عملية تحطيم. إذ يتم إصدار قرار خدماتي مرفق بالميزانية المطلوبة لكنه لا يُنفذ على مستويات محلية. من المنطقي الآن أن تتم المحاسبة بشرط أن لا تكون انتقائية أو انتقامية. لكن قبل أن نصل إلى مرحلة المحاسبة، يفترض أن يحصل التقييم تقنياً وليس بقرار سياسي".

ويرفع عرعار مقترحاً إلى الرئيس الجزائري "بإعادة النظر في آليات المحاسبة والتقييم، مع الإشارة إلى أن الجزائر تسجل اليوم أول معالم المحاسبة الفورية وهو أمر لم يكن موجوداً في السابق. لكن المطلوب أن يتم تنظيم المحاسبة عبر درجات توجيه الملاحظة، معالجة الضعف، وأخيراً اللجوء إلى العدالة".

المشكلة لم تحل

إذا كانت قرارات الإقالة الفورية قد اتخذت في قطاع الموارد المائية، مع اتخاذ قرار آخر في قطاع تكنولوجيا الاتصال بتحرير "الذبذبات" لصالح متعاملي الهاتف النقال الثلاثة من أجل رفع قدرة تدفق الإنترنت، إلا أن إشكالاً أهم لا يزال مطروحاً للشهر الثاني على التوالي، وهو ندرة السيولة النقدية في مراكز البريد في محافظات عدة. ونشأت هذه الأزمة في فترة سحب المتقاعدين معاشاتهم الشهر الماضي (بين تاريخ 20 و26 من كل شهر). والغريب أنها عادت لتتكرر مع سحب معاشات أغسطس (آب).

بتاريخ سابق، اتهم تبون "أطرافاً بافتعال الأزمة من خلال سحب كميات كبيرة من الأموال وبتواطؤ أطراف في القطاع"، إلا أن استمرار مظاهر إذلال المتقاعدين ضمن طوابير طويلة أمام مراكز البريد طرح تساؤلات في البلاد إن كانت أزمة مفتعلة فعلاً أم بداية أزمة مالية.

لكن مؤسسة بريد الجزائر سارعت، الأربعاء، إلى نفي هذا السيناريو تماماً، قائلة إن تجدد نقص السيولة في مكاتب البريد من صنيعة أطراف (لم تسمّها)، متهمة إياها بمحاولة زعزعة الثقة والترويج لوجود أزمة اقتصادية.

ونقلت الإذاعة الحكومية عن المديرة المركزية للمؤسسة إيمان تومي، أن زبائن المؤسسة سيحصلون على أموالهم، قبل أن يتدخل المدير العام للمؤسسة عبد الكريم دحماني، عبر النشرة الرئيسة للتلفزيون الحكومي مساء الأربعاء، موجهاً الاتهام إلى جهة مالية أخرى، في إشارته إلى "نقص في استلام الأموال من بنك الجزائر".

وتابع "الملاحظ أن هناك نقصاً في حجم الإيداعات المالية لدى البنوك التجارية ولدى بنك الجزائر، وكل هذا مرتبط بركود النشاط الاقتصادي لأشهر عدة بسبب كورونا". تصريح المسؤول الأول في هذه الشركة الحكومية يفتح الباب إذاً أمام احتمالات دخول الجزائر مرحلة ركود في التحويلات المالية الداخلية، بما يخالف اعتقاد الحكومة بوجود "طرف مُحرك" للأحداث متصل بما يُعرف بـ"الدولة العميقة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي