Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تانيا قسيس بعد حفلة الأمم المتحدة: صوتي مكسور حزنا

أدت "آفي ماريا"عالمياً بألم بيروت وتعتقد ان الناس يفضّلون الآن الأناشيد الدينية

تانيا قسيس تغني في حفلة الأمم المتحدة من اجل لبنان (يوتيوب)

نجت تانيا قسيس من انفجار المرفأ بأعجوبة، فهي كانت خارج بيتها في الأشرفية عندما وقع، وعندما عادت إليه كان المشهد مخيفاً كما تقول، وتوضح قسيس: "كنتُ في أكاديمية تعليم الموسيقى الخاصة بي في منطقة السوديكو والأطفال أُصيبوا بالذعر بسبب قوّة التفجير". قسيس التي أحيت قبل أيام حفلة "أونلاين" بالتعاون مع الأمم المتحدة يعود ريعها إلى الصليب الأحمر اللبناني، تحدثت عن تفاصيلها قائلةً: "اتصلت بي سفيرة لبنان لدى الأمم المتحدة أمل مدللي وطلبت مني أن أغني برفقة أوركسترا الأمم المتحدة، على أن يكون ريعها للصليب الأحمر اللبناني، فوافقت. ولأنهم في نيويورك في الحجر المنزلي، عزف أعضاء الأوركسترا من بيوتهم، وأنا من بيروت قدّمتُ أغنيتين، الأولى، ترنيمة  "آفي ماريا" مختلطة  مع الآذان، برفقة معن زكريا وفارس مسعد، وقد بُثّت عن سطح مبنى مطلّ على كل بيروت والمرفأ وتخلّلتها مقاطع وثائقية تتضمّن مخلّفات الانفجار والأضرار التي نتجت منه. والثانية  أغنية "وطن" وهي من كلمات مروان خوري وألحانه ، وتم تسجيلها وسط الدمار في منطقة الجميزة". الحفلة كانت مصوّرة، وتمّت منتجتها في نيويورك، ولكنها بُثّت على موقع الأمم المتحدة وكأنها حفلة حيّة".

تحت الصدمة

وترى قسيس أن كل فنان لبناني معني بما حصل في البلد، بعد انفجار المرفأ، سواء كان يعيش في بيروت أو خارجها، وأضافت: "كلّنا تأثّرنا، بخاصة  الفنان المرهف الإحساس. لكن الفنان الذي يُغني للوطن يتأثّر أكثر من غيره لأنه يحاول أن يشحن الناس بالمعنويات من خلال الأغنية، وأن يبرز مكامن الجمال والنواحي الإيجابية في الوطن. لكن عندما تكون الظروف صعبة، ماذا يمكن أن نقول للناس؟ فهم في مزاج سيّء لا يسمح لهم حتى بسماع الأغنية الوطنية ويفضّلون في الظروف التي نعيشها حاليّاً الصلاة والبقاء مع الذات والبكاء. لا أظن أن الأجواء مناسبة للأغاني الوطنية، بل هي ملائمة أكثر لأن نتوحّد ونتساند وندعم بعضنا. الناس نزلوا إلى الأرض وساعدوا ولكنّهم صامتون، وقبل أيام وجيزة استوعبوا أن هناك معارف يجب أن يطمئنوا عليهم. كلّنا لا نزال تحت الصدمة، وعندما اتصلوا بي من الأمم المتحدة من أجل الحفلة، فكّرتُ بيني وبين نفسي: "هل أنا مستعدّة نفسيّاً للغناء! صوتي مكسور حزناً  مثلي تماماً. أنا نزلتُ إلى الشارع ومَن ينزل إلى الشارع، يعيش إحساساً مختلفاً عن إحساس الشخص الذي يتابع  ما يحصل من خلال التلفاز، ويفكر ماذا يمكن أن يفعل من أجل مساعدة الناس، في وقت هو يبذل جهداً كبيراً لكي يرفع معنوياته".

وتتابع قسيس: "لكن تبقى هناك أعمال تناسب المزاج، وأنا سجّلتُ هذه المرة ترنيمة "آفي ماريا" بتأثّر شديد وبشعور مختلف عن الشعور الذي غنّيتها فيه سابقاً، وصلّيتُ من كل قلبي مع رفاقي المسلمين الذين شاركوني الغناء. أما من خلال أغنية "وطني"، فأحببتُ أن أعبّر عن الأمل والإيجابية، لأن كثيرين سألوني بعد التفجير: "هل ما زلت قادرة على أن تكوني إيجابية؟". صحيح أنّ ما حصل كان كبيراً جداً، لكن وجود الناس على الأرض منحنا الأمل، لأن اللبنانيين يملكون القوة والقدرة على مساندة بعضهم بعضاً. كلّنا تركنا بيوتنا وهرعنا للمساعدة ومدّ يد العون لمَن يحتاج إليها. هذه هي الرسالة التي حاولتُ أن أعبّر عنها من خلال أغنية "وطني"، خصوصاً أنّ الحفلة بُثّت على موقع الأمم المتحدة وهو موقع عالمي ويتابعه كل الناس حول العالم ويتيح الفرصة أمامهم لمشاهدة مادة مختلفة عن تلك التي يشاهدونها من خلال الأخبار والحوارات السياسية".

بأي صوت غنّت قسيس التي تعالت على جراحها وأنشدت للبنان؟ تجيب: "الصوت هو مرآة الروح وما نشعر به هو انعكاس لما يدور حولنا. في ظلّ الظروف التي يمرّ بها لبنان، صوتي تأثر كثيراً، ولكن القوة الداخلية التي نتميّز بها كلبنانيين، علّمتنا كيف نتغلّب على كل شيء، وهي التي تمنحنا القوة والإرادة. الكلّ يعرف أن علاقتي قوية جداً بالسيدة العذراء، وسبق أن قدّمتُ أغنية "آفي ماريا" كثيراً وفي كل مرة، كنتُ أؤديها وأنا في حالة خشوع كبيرة، ولكن هذه المرة كدتُ أبتسم، لكي أقول للسيدة العذراء أنا أحاول أن أبذل جهداً كبيراً لكي أبتسم، لأنني أعرف أنك تسمعيننا ولم  تتركينا. أنا على يقين بأنّ السيدة العذراء حمت الكثير من الناس وحمتهم  من الموت، لأنني سمعتُ من كثيرين أنهم كانوا يخطّطون للمرور في المكان الذي حدث فيه الانفجار ولكنهم تراجعوا لسبب أو لآخر. أنا أشعرُ أن العذراء ومار شربل يحميان لبنان، ومع أننا نعيش ظروفاً صعبة، ولكني آمل في أن يكون انفجارالمرفأ هو الضربة الأخيرة التي تصيب اللبنانيين وأن يكون خاتمة أحزانهم".

حي الجميزة

عن أهمية هذة الحفلة الاستثنائية وما تضيفه إلى رصيدها على المستويات الإنسانية والوطنية والعالمية، تقول قسيس: "على المستوى الإنساني، أنا سعيدة لأنني أساعدُ الصليب الأحمر اللبناني مادياً، عبر منظمة عالمية، أؤمن بها وسبق أن تعاونتُ معها في أكثر من مشروع. إضافةً إلى ذلك، فإنّ كل العيون مصوّبة نحو لبنان وهي لا ترى إلّا الدمار والحوارات السياسية. العالم كلّه قلق على لبنان، وفي الوقت ذاته، كل دولة تحاول الاستفادة من هذا الوضع خدمةً لمصلحتها. ولا شك أنني من خلال الحفلة وجّهتُ رسالة قوية، وقلتُ من خلال الموسيقى ما الذي يشعر به اللبنانيون. لا أعرف ما إذا كنتُ قد تمكّنتُ من ترجمة كل ما يشعر به اللبنانيون وأتمنى أن أكون قد نجحتُ في ذلك. حاولتُ أن آخذ من أوجاع الناس وإيمانهم وأن أصبّها من خلال الحفلة. نحن نعيش معاً كشعب واحد والسياسة هي التي تفرّق عبر استغلال الأديان والطوائف بغية تقسيم لبنان، ولكن المصيبة التي ألمّت بنا نتيجة انفجار المرفأ، برهنت أن الشعب اللبناني لا يُفَرَّق ولا يُقسّم، بدليل أن حي الجميزة المسيحي، جمع لبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، الذين اندفعوا للمساعدة".

"وان ليبانون"

قسيس الحائزة على ميدالية تقديرمن الجمهورية اللبنانية، غنّت على مسارح عالمية كبرى من بينها "الأولمبيا" و"دار الأوبرا" في سيدني وساحة "دومو" في ميلانو وفي مقرّ الأمم المتحدة في جنيف. ولأنّ أزمة كورونا أرخت بظلالها على كل دول العالم، وجمّدت النشاطات الفنية فيها، خصوصاً الحفلات الغنائية، توزّع قسيس وقتها حالياً في أكثر من مجال، وتوضح: "أعملُ من خلال جمعيتي "وان ليبانون" على تقديم المساعدة للبنانيين. نحن ننزل إلى الشارع، ونقوم بكل ما في وسعنا لدعم الناس الذين تضرّروا بسبب انفجار المرفأ، كما أنه يصلنا الكثير من المعونات من الخارج ومن جهات مختلفة. لكنّنا نولي اهتماماً بالدرجة الأولى لمستشفى الوردية لأن المستشفيات تضرّرت كثيراً". وتضيف: "كما أنني أعطي بعضاً من وقتي للمعهد، لأنني لا أريد أن يتوقّف أساتذة الموسيقى عن العمل. هذا عدا انشغالي بإصلاح  الأضرار في بيتي. كلّنا ضائعون ومشتّتون ومنهمكون، ولكني أشكر الله أن كل أفراد عائلتي والأشخاص المحيطين بي في خير. كلّ شيء يمكن أن يعوّض، وأهم شيء أن يخرج لبنان من أزمته".

المزيد من فنون