Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفستق الحلبي في مهب الألغام ونزيف التهريب إلى تركيا

ذهب سوريا الأحمر ثروة اقتصادية مهمة تضع البلاد في الترتيب الثالث عالمياً

يصل سعر الكيلوغرام الواحد من الفستق الحلبي بالأسواق الداخلية حوالى أربعة دولارات أميركية (اندبندنت عربية)

يكدح مزارعو الشمال السوري هذه الأيام في جني ثمار الفستق الحلبي، وقد أثلج صدرهم تحسّن إنتاج حقولهم هذا الموسم مقارنة بالسنة الماضية، وسط مخاطر ما برحت تؤرقهم بعدما ظلّت أراضيهم الزراعية قابعة على صفيح ساخن ومواجهة لخطوط تماس بين أطراف النزاع.

ثروة في قلب المعركة

أعمال القطاف مستمرة في أراضي أرياف حلب وإدلب وحماة، وهي أكثر الأرياف السورية شهرة وغزارة بإنتاج ثمرة لطالما وصفها السوريون بـ"الذهب الأحمر".

قشرتها الخارجية ذات اللون الأحمر القاني، إضافةً إلى ثمنها المرتفع ودخولها في قوائم التصدير، أكسبت الاقتصاد السوري في عقود من الزمن قيمة مضافة في ميزان التبادلات التجارية، ودفعت الحكومة قبل الحرب السورية إلى إنشاء مكتب خاص بالفستق الحلبي لأهميته، وحوالى 10 ملايين شجرة شكّلت ثروة وطنية للبلاد على المستوى المحلي ومردوداً هائلاً ينعكس إيجاباً على الدخل الفردي من يد عاملة ومالكة لهذا القطاع الزراعي الكبير. ويقدّر إنتاج هذا العام بحوالى 70 ألف طن، كما أعلن مدير مكتب الفستق الحلبي في وزارة الزراعة المهندس حسن إبراهيم، علماً أن هذا الإنتاج الإجمالي قابل للازدياد بحسب التقديرات الأوّلية.

اللقمة المغمّسة بالدم 

وما كدّر فرحة مالكي الحقول والعاملين فيها، خطر الألغام والانفجارات المتكررة حتى خالَ أصحاب الأرض أن حقولهم مزروعة بالألغام عوضاً عن أشجار الفستق الكبيرة، في وقت يهمّون بقطاف محاصيلهم في ريف إدلب الجنوبي الغارق بالتوتّرات الميدانية والعسكرية، إذ شهدت المنطقة ذاتها أشرس معارك دارت بين قوات النظام وفصائل معارضة متشدّدة، أفضت إلى سيطرة للسلطة على مساحات واسعة من الريف منها خان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب، إضافةً إلى ريف حماة الشرقي.

في غضون ذلك، يتوخّى العاملون بـ"الأجرة" الحذر كي لا تتصيّدهم الألغام الأرضية المنتشرة بكثافة ويصبح مصيرهم كمصير زملاء لهم في العمل بعد انفجار لغم أرضي بأحد الحقول في 15 أغسطس (آب) الحالي، أودى بحياة أربعة عمال.

الثروة الضائعة 

وكان الصراع المسلح احتدم بين النظام وأكثر الفصائل المتشدّدة، هيئة تحرير الشام، وخَلُصَ إلى سيطرة قوات النظام في أغسطس من العام الماضي على بلدة خان شيخون حيث مثّلت هذه البلدة خزّاناً للفستق الحلبي مع بلدات تتحلّق حولها من ريفَيْ إدلب وحماة، أبرزها بلدة مورك الشهيرة بإنتاج هذه الثمرة، التي تبعد 30 كيلومتراً عن مدينة حماة. 

في المقابل، أعلنت السلطة في حماة عن مزاد علني لضمان استثمار أراض في شمال غربي المدينة، لا سيما في محردة واللطامنة ولطمين وكفرزيتا والزكاة، وبرّر القرار الصادر في 21 يوليو (تموز) الماضي أن الحقول تعود ملكيتها إلى أشخاص يقيمون في مناطق واقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية وهذا ما برّره لنا مسؤول في السلطة المحلية لـ"الاستمرار بالإنتاج وجني المحاصيل من دون توقف"، الأمر الذي استرعى ردّاً من قبل المعارضة، محذّرةً من "عمليات سرقة ونهب لميليشيات تتبع للنظام وتضع يدها على بساتين الفستق الحلبي والزيتون وغيرها"، في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي ومناطق شرق معرة النعمان بعد تهجير أهلها، وفق بيان صحافي للائتلاف السوري المعارض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالبت المعارضة ممثلةً بالائتلاف الوطني، المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل لمنع استمرار ما وصفته بـ"الجريمة"، وأضافت في بيانها "ضرورة إلغاء إجراءات النهب والسلب والاستيلاء ووقف سياسات التهديد والتضييق التي يمارسها النظام، بما فيها منع الناس من إدارة أملاكهم وأرزاقهم وجني محاصيلهم بالطريقة التي تضمنها القوانين والأنظمة في كل دول العالم".

الثمرة المميّزة

وإن حملت هذه الثمرة اللون الأحمر والأبيض في قشرتها الخارجية، إلّا أنّ لونها الأخضر جعل حضورها مميّزاً في أطباق المطبخ الشامي والحلويات الشرقية وكذلك المثلجات.

وارتفاع أسعار الفستق الحلبي في الأسواق الداخلية حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد من سبعة إلى 10 آلاف ليرة سورية أي حوالى أربعة دولارات أميركية، دفع سوريين إلى استبداله بالفستق العادي لعدم ملاءمته ودخلهم الشهري الذي يقارب 25 دولاراً.

ويرسم المهندس الزراعي باسل أرناؤوط صورة مشرقة لأرباح تجارة هذا الصنف الزراعي، ويقول لـ"اندبندنت عربية"، "هذه الشجرة تقاوم الحرّ والبرد وذات مردود مرتفع بعد سنوات من زراعتها وتنتج بكثافة، إذ تتدلّى ثمارها على شكل عناقيد فاكهة العنب". 

ويعدّد أنواع الفستق مثل العاشوري وهو من أجود الأنواع، واللازوردي والباتوري لافتاً النظر إلى قرية مورك، أشهر القرى التي تزرع تلك الشجرة حيث تناسبها البيئة المعتدلة. ويضيف "على الرغم من أن تسمية الشجرة مأخوذ من مدينة حلب إلّا أن أكثر القرى في سوريا شهرة بالإنتاج هي بلدة مورك التي يفوق إنتاجها سنوياً ما يقدر بأكثر من إجمالي نصف الكمية بين 30 إلى 40 ألف طن سنوياً لإنتاج سوريا من الفستق الحلبي، في وقت تحافظ البلاد على إنتاج 70 ألف طن سنوياً".

التهريب الجائر

في الأثناء، وبالانتقال من ريفَيْ إدلب وحماة ومعاناة المزارعين من واقع الألغام إلى ريف حلب، تحديداً في جرابلس الشهيرة بحقول الفستق الأحمر، إلّا أنّ وجودها بمحاذاة تركيا تسبّب بتهريب أطنان من ثمار الفستق إليها، مع الإشارة إلى أن عدداً من القرى تشتهر بإنتاجه مثل مزعلة والحلوانية والبلدوقي وريف جرابلس وقرى أخرى قرب الحدود التركية.

وإرسال الفستق الحلبي إلى تركيا يردّه مزارعون إلى إغلاق المعابر والطرق منذ سنوات بعد سيطرة أنقرة على عدد من المناطق في أرياف حلب والحسكة والرقة، وفقدان وصول الشحنات من الفستق إلى الأسواق الداخلية التي تقع تحت سيطرة دمشق، أو حتى التي تقع تحت سيطرة الأحزاب الكردية أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ومعلوم أن تركيا تنافس على انتزاع الترتيب الثالث من سوريا، بينما تصنّف الولايات المتحدة الأميركية في الترتيب الأول بـ400 ألف طن وتحتلّ إيران الترتيب الثاني بحجم إنتاج بلغ 315 ألف طن سنوياً، وتركيا الترتيب الرابع.
 

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات