Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة ثانية للحوار الاستراتيجي الأميركي - العراقي في واشنطن

تحديات وآمال لخلاص بغداد من هيمنة جيرانه

 لابد للكاظمي من إطلاق عبارة واحدة جازمة للأميركيين، "اخترت التحالف معكم جمهوريين كنتم أم ديمقراطيين"

بهذه العبارة يوصي ناشط عراقي، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قُبيل وصوله إلى واشنطن في أول زيارة رسمية لرئيس الحكومة العراقية الحالي، يقابل خلالها الخميس الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في مهمة استكمال الحوار الإستراتيجي بين واشنطن وبغداد، الذي استُهِلّ في الحادي عشر من يونيو (حزيران) الماضي، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين دبلوماسيين عراقيين وأميركيين، برئاسة وكيل وزارة الخارجية في كل من البلدين.

آمال العراقيين تتسع في تفهم واشنطن لمطالبهم

زيارة الوفد العراقي لواشنطن، المؤلف من رئيس الحكومة وخمسة وزراء من حكومته، هم وزراء الخارجية، والدفاع، والنفط، ووزير الهجرة، والكهرباء، يعلّق عليها الشعب العراقي كثيراً من الآمال، كونها قد تكون محطة خلاص للواقع المأزوم الذي اشتبكت عليه الأعصر، وتسابقت عليه قوى نهبت ثرواته وكبّلت قدراته، وأخرجته من دائرة العلاقات الدولية الاعتيادية، وفرضت عليه حالة الطوارئ الدائمة.

ملفات كثيرة يحملها الكاظمي معه، أهمها سبل الفكاك من الهيمنة الإقليمية على بلده المُثخن بالجراح منذ احتلاله عام 2003، ووقف دائرة العنف التي بدأت ولم تنتهِ بعد، وهو ينتظر الذهاب إلى واشنطن، التي قدمت نفسها منذ 17 عاماً كراعية للعملية السياسية في العراق، في وقت يشهد انهمار صواريخ الكاتيوشا على بغداد وأطرافها من ميليشيات موالية لإيران، تطالب بخروج أميركا من العراق نهائياً، كأنها تذكره بأنه في مجتمع لا تزال تحكمه الميليشيات، مهما فكّر في الإفلات من سطوتها، التي تطوق بغداد وجوداً وفاعلية.

ولعلّه أي الكاظمي، سمع ما لا يسرّه من زعيم "فيلق القدس" إسماعيل قآاني، الذي كان آخر المودعين له في بغداد، كما يؤكد السياسي المطلع في الشأن الشيعي عزة الشابندر، الذي يؤكد لقاء الكاظمي وقآاني في بغداد قبيل مغادرته إياها ليلة 18 أغسطس (آب).

لقاء ترمب مع الكاظمي يرفع مستوى التفاؤل

لكن لقاء الكاظمي مع الرئيس ترمب سيرفع منسوب الأمل في تقوية مناعة الزعامة العراقية الراغبة في تحييد إيران، والتعامل مع (إيران الدولة)، وليس (إيران الثورة)، التي يمثلها "فيلق القدس" وآلاف الميليشيات التي تطلق مشروع "المقاومة الإسلامية" عبر العراق، وتحويله إلى أرض جهاد لها، من دون موافقة رسمية أو شعبية عراقية كاملة. فالبلد الذي يتولاه الكاظمي يحاول بناء تجربة أخرى مغايرة، تتبنى مشروع الدولة المدنية الثرية كثيرة الموارد والمجالات كي تخرج من أزماتها الاقتصادية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تفعيل العلاقة مع الولايات المتحدة، وضمان اعتبارها صديقة للعراق في هذه الحقبة، يتطلب المكاشفة بين البلدين لتجسير حدة الصراعات الكثيرة، التي تحول دون تبادل المنافع المتوقعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فواتير إيرانية يدفعها العراق

لاسيما من الجانب العراقي، وفي مقدمها أن لا يكون العراق الدافع الأول لفاتورة النزاع الأميركي - الإيراني، فهو يتلقى فواتير مستمرة نتيجة الحاجة الإيرانية لفك العزلة الاقتصادية التي يفرضها الغرب، فتذهب إلى البطن الرخوة لتعويضها، وهي العراق الحالي الذي تمكّنت من زرع أذرعها فيه، المتمثلة بفصائل مسلحة بلغت أكثر من 50 فصيلاً، قادرة على أن تلغي أي مشروع تبغاه حكومة بغداد، لا سيما مشاريع الاستثمار المتوقفة التي أحوج ما يكون العراق إليها، والتي تحوّل اقتصاده إلى ريعي لمورد واحد هو النفط، يدفع من خلاله الرواتب مشلول القدرات.

مطالبات أميركية قاسية

بالتأكيد سيسمع الكاظمي ووفده ملاحظات ومطالبات أميركية قاسية، يأمل رئيس الوفد العراقي أن لا تكون إملاءات، كونه لا يقدر على تنفيذها في بغداد، بعد أن سمع القوى الموالية لإيران قبيل سفره التي تريد إبقاء مصالحها متدفقة، على الرغم من قوة أميركا وقدراتها الرادعة، لا سيما الأجنحة العسكرية للأحزاب، وبقاء نفوذ اللجان الاقتصادية للتيارات وأحزاب السلطة، وهي تملك قرار إقالة الكاظمي بأغلبية برلمانية مريحة، حين تجندها لذلك، في حال خروجه عن خطها العام، أو التفكير بالقيام بردع أجنحتها المسلحة التي تملك المال والسلاح والمجندين والموارد الكثيرة، وتدفق الأسلحة عليها. فقد كثّفت قصفها بصواريخ الكاتيوشا لأهداف أميركية في المنطقة الخضراء قلب بغداد، حيث مقر السفارة الأميركية الأكبر في العالم، ومحيط المطار الدولي، وقواعد التاجي، وعين الأسد الأميركية، على الرغم من بقاء التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة ضد "داعش".

ضغوطات كثيرة على الكاظمي

كل تلك التناقضات تضغط على المفاوض العراقي، الذي يأمل العون من الولايات المتحدة للتخلص من ملفات باتت مزمنة، تعيق تقدم البلاد والعباد معاً، وتجعل العراق يجلس على مستودع بارود من الغضب الشعبي، الذي يطالب بالاستقلال والحرية، ومحتج على تردي أوضاع البلاد، دون جدوى، وهو ليس على قلب رجل واحد نتيجة المحاصصة السياسية، التي قسمت وعي المجتمع وأفقدته وحدة القرار، التي يسعى الكاظمي لاستعادتها، بمحاولة التخلص من التركة التي خلفتها السنوات العجاف الـ 17 المنصرمة، بطلب عون الولايات المتحدة لإعادة ترتيب البيت العراقي، الذي يعرفه جيداً من خلال عمله الدؤوب في جهاز الاستخبارات، الذي أهّله للوصول إلى رئاسة الحكومة.

قواعد جديدة للعلاقات العراقية – الأميركية

زيارة الكاظمي لواشنطن كما هو متوقع، ستضع قواعد جديدة للعلاقات العراقية مع دول جوار العراق، ومحاولة إشاعة جو من الإيجابية في علاقته بأشقائه العرب في السعودية المحاذية له، من جهة، وإيران مع الطرف الضامن للتوازن وهو الولايات المتحدة، وهي مهمّة تكاد تكون مستحيلة حالياً من دون الوسيط الأميركي القادر على فرض رؤيته على دول الإقليم إقناعاً أو إملاءً، إذا ما عرف العراق أن يلعب دوراً في معادلة هيمنة المتغيّر الإقليمي عليه، ويعود لمحيطه الطبيعي بعيداً عن سطوة تركيا في الشمال، وإيران في الشرق، ومن دون ذلك فلن يحقق وجوده الحالي الموحد، وتتناهبه قوى لأجل مصالحها الإستراتيجية المتشابكة، ولا تبالي بتمزيقه وتحويله إلى أشلاء، كما قسمت وعيه عبر المحاصصة السياسية التي تستمد تغذيتها من دول الجوار.

 في هذا الصدد فإن نواباً وسياسيين عراقيين، يجدون في مهمة الكاظمي أملاً في تغيير الواقع العراقي، شرط أن لا تقترن بمطالبات تعجيزية تدعو لإخراج القوات الأميركية، فقد طالب بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء الأسبق، القوى السياسية بتوفير أجواء هادئة أمام الكاظمي والتوقف عن قصف القواعد والسفارة الأميركية، وتوفير ما أسماه "مساحة آمنة في العراق توحي للآخر بعدم وجود مشاكل، مثل السلاح المتفلت كما نشهده الآن".

تبقى تحديات كبرى مثل جائحة كورونا، وطلب متوقع من الوفد العراقي من الولايات المتحدة العون في وقف زحفها، وتكاثر الإصابات حتى أضحى العراق أكثر البلدان في الشرق الأوسط عرضة للإصابة بمعدل أربعة آلاف حالة يومياً في ظل واقع صحي منهار، وضحايا في تزايد مستمر، تضغط على الإنفاق الحكومي باضطراد.

كما أن القصف التركي للمواقع العراقية يشكل تحدياً آخر، يجعل العراق عاجزاً عن ردعه في ظل تسليح لا يكفي لمواجهة تهديدات "داعش" وعملياتها المستمرة، إضافة إلى تحديث الدولة العراقية علمياً وصناعياً الذي يتطلب دعماً متوقعاً من المؤسسات الأميركية، يتأملها المفاوض العراقي.

تحديات جدية أمام الحوار الإستراتيجي الحالي

 يظل الحوار الإستراتيجي الأميركي - العراقي مكبلّاً ومحكوماً بالأشهر الثلاثة المتبقية من عمر رئاسة دونالد ترمب، المقيّد بلقاح كورونا الذي لم ينته حتى الآن، والذي يأكل من جرف حملته الانتخابية من جهة، وانقسام الإرادة العراقية إزاء الحوار عموماً مع الولايات المتحدة، حيث الانقسام بين المكونات الثلاثة (الشيعة، والسنة، والأكراد)، والتناقض الحاد بينها في موضوع الانسحاب، واللا إنسحاب الأميركي من قواعدهم، وتقليص حجم السفارة وعملها في بغداد.

 الموقف من الاتفاق الإستراتيجي الموقع بين البلدين للتعاون الذي تم في عام 2009 خلال حكومة نوري المالكي، التي تعارض دولة القانون التي يرأسها الآن المالكي اليوم بقاءها، لكن الاتفاق يشترط موافقة الطرفين معاً، وهذا ما لا تقبله الولايات المتحدة من دون تعويض باهظ لها يقدر بترليوني دولار كما قال ترمب، والقول لما يقوله رئيس الدولة العظمى الأولى في العالم، لا كما يريده المالكي الذي وقّع الاتفاق ذات سنة ويسعى للتخلي الآن!

المزيد من تحلیل