Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينجح الكاظمي بكبح جماح الإنفلات الأمني في البصرة؟

ناشطون أكدوا أن قرارات إقالة مسؤولين أمنيين "طوق نجاة" للمتهمين بقتل المحتجين

جانب من التظاهرات في البصرة يوم الإثنين 17 أغسطس (أ ب)

تعيش محافظة البصرة جنوب العراق حال توتر شديد على خلفية اغتيال الناشط البصري تحسين الشحماني، ومحاولات اغتيال ناشطين آخرين في المحافظة، فيما يتهم ناشطون جماعات مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف خلف تلك العمليات.

وفي أول تفاعل للأحداث، أعفى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قائد الشرطة في محافظة البصرة رشيد فليّح ورئيس جهاز الأمن الوطني في المحافظة من مهماتهما، بعد احتجاجات واسعة شهدتها المحافظة على خلفية اغتيال الشحماني، بينما وجّه ناشطون أصابع الاتهام إلى فليّح وجهات أمنية أخرى مدعومة من المحافظ أسعد العيداني بالوقوف خلف تلك العمليات.

ناشطون مناهضون لإيران

ومنذ 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عصفت بالمحافظة موجة اغتيالات دامية لم تتخذ السلطات المحلية أو الاتحادية أي إجراء حيالها، ففي 4 أكتوبر قُتل الناشط حسين عادل وزوجته سارة في شقتهما وأمام طفلتهما، وفي 10 يناير (كانون الثاني) 2020 اغتيل الصحافي أحمد عبدالصمد الذي اشتهر بمناهضة النفوذ الإيراني والفصائل المسلحة برصاصات عدة مع مصوره صفاء غالي.

واستمر مسلسل الاغتيالات وصولاً إلى الشحماني، وفي كل تلك المراحل استمرت مطالبات الناشطين للعيداني بالكشف عن القتلة والجماعات المسلحة التي تستهدف الناشطين المناهضين للنفوذ الإيراني، إلا أن المطالبات توقفت بعد فترة، واتخذت منحى آخر بتوجيه الناشطين اتهامات مباشرة للعيداني والأجهزة الأمنية في المحافظة بالتستر على القتلة.

قائد الشرطة وقائمة الانتهاكات

ويُعد قائد شرطة البصرة رشيد فليّح أحد أقرب القيادات الأمنية من العيداني، وخلال سنوات وجود الأخير على رأس الإدارة المحلية للمحافظة، استمر بحمايته وتحدي المحتجين والحكومة المركزية في عدم مساءلته أو إقالته.

ويرى مراقبون أنه بالرغم من احتمالية اعتراض العيداني على إقالة فليّح، إلا أن قائمة طويلة من الانتهاكات بحق المحتجين في انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وما قبلها ستجبر العيداني على الرضوخ.

وكان فليّح ظهر في شريط مصور في أكتوبر 2019 مع بداية الموجة الثانية للانتفاضة، محرضاً عناصر الأمن على المحتجين الذين اتهمهم بـ "تلقي أموال من الإمارات وإسرائيل، وأنهم خانوا الوطن"، ما أثار موجة غضب شعبية حينها، فيما لم تتخذ حكومة عبد المهدي أية إجراءات تجاهه.

طوق نجاة

وبالرغم من أن الضربة التي تعرضت لها السلطات المحلية في محافظة البصرة بإقالة رشيد فليّح ليست "سهلة"، إذ قاوم كل محاولات الإقالة السابقة في ظل حجم المطالبات الشعبية الكبير، إلا أن هذا القرار لم يكن مقنعاً لكثير من الناشطين الذين اعتبروا قرارات الإقالة بمثابة "طوق نجاة" للمتهمين بقتل المحتجين. كما أن آخرين طالبوا بشمول العيداني بهذه القرارات كونه رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة، والمسؤول عن كل الخروقات والانتهاكات التي حصلت وتحصل.

ويقول الناشط البصري نقيب اللعيبي إن "عمليات الإقالة تمثل طوق نجاة من الملاحقات القانونية في ما يتعلق بقمع المحتجين"، مبيناً أن "تعيين نائبه عباس ناجي بدلاً منه لا يمثل حلاً، لأنه جزء من قيادة الشرطة المتهمة بالقمع، ونحن نطالب بإقالته". وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "لدينا أمل في تعيين شخصية بديلة من الضباط الذين لم يتورطوا بمواجهة المحتجين، لأن الحكومة أشارت إلى أن البديل موقت"، مشيراً إلى أن "الإشكال يتعلق بالمنظومة الحاكمة، وتسلّط قوى أعلى من الدولة".

في المقابل، يرى الناشط عمر فاروق أن "مطالبات المحتجين لا تقتصر على إقالة القادة الأمنيين، بل محاسبة كل مَن تسبب بحوادث قتل"، مردفاً أن "تلك المطالبات تتعدى حدود القادة الأمنيين بالوصول إلى تغيير المحافظين الذين من بينهم العيداني، وتعيين بدلاء بعيدين عن نفوذ وتدخلات الأحزاب الفاسدة". وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، أن "استمرار الاغتيالات يمثل نقطة شروع بالفوضى، وخروج الوضع عن السيطرة"، لافتاً إلى أن "مآلات ما يجري ستكون خطرة على الوضع العام للبلاد، وعلى الحكومة تحمّل مسؤوليتها وحماية الناشطين وردع المليشيات والعصابات الحزبية".

مخاوف "التيار الولائي"

لا تنظر الأطراف الولائية التابعة لإيران بارتياح إلى سلسلة الإقالات التي طالت ضباطاً متهمين بقتل المحتجين، إذ يعزو مراقبون سبب مخاوف الجهات الموالية لإيران من إقالة القادة الأمنيين في البصرة، إلى أن تلك الإجراءات ستفكك حال النفوذ الواسعة التي صنعتها الفصائل المسلحة، والممتدة من الجهاز الإداري في المحافظة وصولاً إلى الأجهزة الأمنية والمنافذ الاقتصادية.

وتشير مصادر سياسية إلى أن حقبة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي مثّلت ربيع النفوذ الفصائلي على مناصب الإدارة المحلية في محافظات رئيسة ومنها البصرة.

وترشح العيداني لشغل منصب محافظ البصرة من خلال "حزب المؤتمر الوطني" الذي يتزعمه آراس حبيب المُدرَج ضمن لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية لارتباطاته بـ "الحرس الثوري" الإيراني.

وتشير تقارير عدة إلى أن ترشيح العيداني خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي تم من خلال عدة مشاورات لتحالف البناء المدعوم من إيران، والتي كانت تتم غالبيتها تحت إشراف مسؤول الملف العراقي في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني، إلا أنّ الرئيس العراقي برهم صالح رفض تكليفه، معلناً استعداده للاستقالة من منصبه في حال جرى إمرار العيداني.

وأشار رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر إلى أن "إثارة المشكلات والتوترات في الوقت الحالي مرتبط بمساعي إفشال حكومة الكاظمي، خصوصاً أن العيداني أحد الرؤوس المنفذة للسياسات الولائية في البصرة"، مبيناً أن "توقيت التوتر يرتبط أيضاً بزيارة الكاظمي لواشنطن". وأضاف أن "تحالفات العيداني والفصائل المسلحة ترتكز على إبعاد الحكومة المركزية عن التأثير بالمحافظة في الفترة الحالية، لأن الكاظمي خارج دائرة حلفاء إيران".

ولفت داغر إلى أن "الحلول الحقيقية لا ترتبط بالبصرة، بل بقطع خيوط التأثير الإيراني التي تمر كلها عبر بغداد". ورجّح أن يكون ملف نفوذ الفصائل الولائية على قمة النقاشات بين بغداد وواشنطن، مبيناً أن "حسم هذا الملف يرتبط بفترة الانتخابات الأميركية ومآلاتها".

أمام منزل العيداني

واحتشد المحتجون أمام منزل المحافظ أسعد العيداني، ورشقوا المبنى بالحجارة تعبيراً عن سخطهم من عدم كشف الجناة، كما طالبوا بإقالة المسؤولين الأمنيين.

في المقابل، نشرت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي شريطاً مصوراً يظهر العيداني وهو يجتمع بعشيرته لمناقشة احتشاد المحتجين أمام منزله، الأمر الذي يراه مراقبون محاولة إظهار القوة، إلا أن المحتجين أبدوا إصراراً على استمرار حراكهم إلى حين كشف القتلة.
وعلّق حزب "ثأر الله الإسلامي" المعروف محلياً باسم "جماعة ثأر الله"، وهو فصيل مسلح يدين بالولاء للمرشد الإيراني علي الخامنئي، على احتشاد المحتجين أمام منزل المحافظ. فقال الأمين العام للحزب يوسف سناوي الموسوي "من المسؤول عن هذه التعديات غير المبررة على مسؤولين ومواطنين؟ من سمح بهذا التطاول؟ ما حدث اليوم مع بيت محافظ البصرة عمل خارج عن القانون يرقى إلى مستوى جرم".

وكانت القوات الأمنية اعتقلت خمسة مسلحين على الأقل ينتمون إلى الفصيل المسلح في محافظة البصرة، في 11 مايو (أيار) 2020، وسيطرت عليهم بعد إطلاقهم الرصاص على محتجين احتشدوا أمام مقرهم في البصرة، ما أودى بحياة متظاهر، في أول مواجهة بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والفصائل الموالية لإيران، إلا أن الفصيل استعاد مقره في 23 مايو 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عرّاب "إقليم البصرة"

ويعتقد مراقبون أن العيداني قد يلجأ إلى تصعيد النزعات المناطقية المرتبطة بما يُطلق عليه "مشروع إقليم البصرة"، في محاولة اعتماد "إثارة نعرات مناطقية لتشتيت المحتجين"، إذ ينشط في مجموعات عبر تطبيق "واتساب" تتعلق بالدعوة لتفعيل ملف إقليم البصرة.
وسرّب ناشطون محادثة من داخل مجموعة "واتساب" ينشط فيها العيداني تحمل اسم "تجمع إقليم البصرة"، وتضم مجموعة من الناشطين الذين قربّهم منه خلال فترة توليه السلطة في المحافظة، وفي المحادثة يتوعد المحتجين ويقول إنه "لن يغادر منزله وسيحمي عائلته"، إلا أن ناشطين ردوا على رسالة العيداني المسرّبة برفع صور أطفال أحمد عبد الصمد وتحسين الشحماني وغيرهم من ضحايا الاحتجاج.
وفي 18 أبريل (نيسان) 2019 أعلن العيداني تأييده إنشاء إقليم البصرة، معتبراً أن مشروع تحويل المحافظة إلى إقليم يعبّر عن إرادة شعبية. وفيما طالب باحترام هذه الإرادة، دعا الحكومة المركزية إلى الاستجابة لها.
ولا يستبعد الباحث منقذ داغر أن "يتم الحديث عن ملف إقليم البصرة في الفترة الحالية، في محاولة للهروب وصرف الاهتمام عن عمليات النهب الممنهجة التي جرت في البصرة، فضلاً عن كونها محاولة لإلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع في المحافظة على الحكومة المركزية".
وتابع أن "مشكلة البصرة ليست في الموارد المالية بل في الفساد وتسلّط المليشيات على منافذ المال في المحافظة، خصوصاً بعد حصر كل الصلاحيات بالمحافظ بعد حلّ المجلس".

عائق أمام مركزية الاحتجاجات

في السياق، قال ناشط رفض الكشف عن هويته بسبب تعرضه لتهديدات، إنه "منذ انطلاق انتفاضة أكتوبر حاول العيداني إيجاد شرخ داخل ساحات الاحتجاج من خلال طرح قضية إقليم البصرة". وأضاف أن "مطلب الإقليم رُفع من العيداني مباشرة بعد انتهاء تظاهرات 2019 في البصرة وقبل انتفاضة أكتوبر، ونما عبر ناشطين غَرّر بهم"، مبيناً أن "العيداني جعل منه مطلباً يعوق التوافق مع مركزية التظاهرات، لأنه مطلب غارق في الشأن المحلي، ولا يتوافق مع مطالبات بقية المحافظات".

وعن اتهامات الناشطين للعيداني، أكد الناشط أن "المحافظ هو المسؤول الأول عن الانتهاكات بحق المحتجين، وبتنا نشاهد صولة العيداني وقوات الصدمة المشكّلة بعد تظاهرات عام 2018 أكثر من صولة الميليشيات والفصائل المسلحة، بل نكاد لا نميز بينهم، إما لتوحيد الجبهة بينهم، أو لبسط قوة العيداني عليهم".

وتابع "مقتل الناشط تحسين أسامة نوع من الانتقام، مضافاً إلى كونه رسالة تحذير، لأن هذا الناشط كان قريباً من كاظم السهلاني مستشار رئيس الوزراء، وهو العدو اللدود لأسعد العيداني".

وختم أن "تحسين الشحماني ورفاقه اختاروا المواجهة المباشرة والصريحة مع العيداني وبلطجيته بقيادة رشيد فليّح، وطالبوا برحيلهم ومحاسبتهم، وتنشيط الرأي العام ضدهم، والتذكير المستمر بجرائمهم"، مردفاً "كانت حصة الشحماني من رد الفعل أنه تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة قبل مدة، وقبل أن تنجح المحاولة الثانية بُعثت إليه رسالة تهديد".

ونالت محافظة البصرة نصيباً كبيراً من عمليات اغتيال وخطف الناشطين دون توصل لجان التحقيق إلى نتائج تُذكر عن المتورطين في تلك العمليات، في حين يتهم ناشطون جماعات مسلحة مقربة من إيران بالقيام بتلك العمليات بمساعدة مسؤولين حكوميين وأحزاب بارزة.

وتتصاعد مطالبات المحتجين بمحاسبة المتورطين بقتل المحتجين في المحافظات التي شهدت احتجاجات، ما سيتسبب في موجة احتجاجية جديدة في حال لم تحسم الحكومة العراقية هذا الملف.

المزيد من العالم العربي