Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ردود أفعال متفاوتة على قرار المحكمة الدولية بين أنصار "تيار المستقبل"

بعضهم اعتبر أن الحكم لم يكن بحجم "زلزال 14 فبراير" وآخرون رأوا فيه بداية لنمط جديد

شكّل قرار المحكمة الدولية صدمة كبيرة لجهة اتهام شخص واحد باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وتبرئة الثلاثة الآخرين وكذلك عدم علاقة قيادة "حزب الله" والنظام السوري بعملية الاغتيال، الأمر الذي بدأ يطرح أسئلة كثيرة عن تسويات دولية متعلّقة بالقرار. فبدلاً من أن يأتي القرار الذي انتظره اللبنانيون 15 سنة ليبرّد القلوب ويهدّئ النفوس المشحونة، زاد نسبة السخط والخيبة. وحاول نجل رفيق الحريري، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في خطابه الذي جاء بعد إعلان القرار، تحويل خيبة الأمل إلى بشارة للبنانيين بأن العدالة أخذت مجراها، لكن عبثاً يحاول، فالقرار لم يكن على مستوى الانتظار، ليس فقط الشعبي بل أيضاً لدى السياسيين الذين كانوا يعوّلون على العدالة، فشبّهوا ما حدث بـ"المسرحيات الدولية" ومنهم مَن اعتبر أن هناك "تسوية" حيكت في هذا الإطار.

ترقّب وصدمة

وبدت الطرقات في بيروت منذ الصباح الباكر ليوم الثلاثاء 18 أغسطس (آب)، شبه فارغة. وتفاعل اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تسمّر آخرون أمام شاشات التلفزيون لمتابعة تلاوة القرار بأمل وخوف. غير أن القرار ما لبث أن تحوّل إلى صدمة، فلم يصدّقوا ما صدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وبعد صدور الحكم، تهافت السياسيون والمناصرون إلى ضريح رئيس الحكومة الراحل في وسط بيروت، بينما كانت الضاحية الجنوبية للعاصمة تحتفل ابتهاجاً بالمفرقعات. 

المطالبة بالعدالة

وفي حديث خاص مع النائب السابق، القيادي في تيار "المستقبل" مصطفى علوش، اعتبر أن "القرار على الصعيد الشعبي شكّل خيبة أمل، لكنّنا كسياسييّن لم نكن نتوقّع إلّا  قراراً كهذا مبنيّاً على دلائل حسيّة"، مشيراً إلى أن "الذي نفّذ الجريمة هو شخص تابع لحزب الله وبناءً عليه، يجب على الأمين العام للحزب حسن نصرالله أن يسلّمه إلى المحكمة لكي يرفع عنه مسؤولية قتل رئيس وزراء لبناني وإلّا سيتحمّل مسؤولية ارتكاب الجريمة"، ومطالباً "الحزب بتسليمه والحكومة اللبنانية بالبحث عنه وعودة القرار إلى مجلس الأمن ليتّخذ الإجراء المناسب في قضية القبض على هذا المجرم". 

الشكّ والمتّهم
 
وقرأ النائب السابق أحمد فتفت، أحد المقرّبين من رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، عبر "اندبندنت عربية" قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مكرّراً الموقف الثابت بأنه من الذين طالبوا بالمحكمة الدولية، وقرّر القبول مسبقاً بقراراتها ونتائجها، معلناً قبوله بالحكم الصادر كما هو. ولفت إلى جانب غايةٍ في الأهمية بأنه "حدّد اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان لأسباب سياسية، وأن هناك منظومة اغتالته وهي منتمية إلى حزب الله". 

وكرّر فتفت "إنّنا أمام إنجاز" في موضوع كشف مَن قتل رفيق الحريري، وهو انتصار للشعب اللبناني لأنها "المرة الأولى منذ عام 1943 تتم محاكمة عادلة وغير مسيّسة، ويتم إعلان أن أحدهم اغتال الآخر".  

وعاد بالذاكرة إلى عشية جريمة 14 فبراير (شباط) 2005 للتأكيد على السياق العام، تحديداً إلى اجتماع "البريستول-3" الذي شكّل جبهة معارِضة للنظام السوري. وقال إن "النظام السوري قرأ معارضة صريحة ومباشرة له من قبل الحريري الذي اختار إخراجه من لبنان، في ظلّ مشاركتي و(الراحل) باسل فليحان إلى جانب النائب السابق غطاس خوري بعدما كنّا ابتعدنا قبل فترة عن الخط السوري".

كما تطرّق فتفت إلى نقطة محورية في قرار المحكمة الدولية، لناحية إدانة سليم عياش، وعدم إدانة البقية (أسد صبرا وحسين العنيسي وحسن مرعي) لعدم كفاية الدليل، معتبراً ذلك "مؤشراً إلى مصداقية المحكمة الدولية، وأنها غير مسيّسة وعملت كما يجب وبحيادية". 

وطالب "حزب الله" بتسليم المتهم سليم عياش، "كي لا يصبح مشاركاً في الجريمة"، موضحاً أن إدانة شخص ورفع التبعة عن ثلاثة آخرين ليس بالعبرة لأنه "مجرد إدانة فرد واحد". ودعا فتفت الرأي العام إلى "فهم ذلك جيداً، انطلاقاً من أن الشكّ يُفسَّر لصالح المدّعى عليه عند الحكم في القانون الجزائي". 

واعتبر أن قرار المحكمة الدولية شكّل بدايةً لمرحلة جديدة في التعاطي بين اللبنانيين، مشدّداً على أنه "إذا لم يسلّم الحزب سليم عياش سنكون أمام مشكلة كبيرة، وذلك يصعّب الأمور لناحية عودة الرئيس سعد الحريري قبل تسليم المُدان".

تداعيات القرار

وعن تأثير قرار المحكمة الدولية في الشارع اللبناني، أشار الصحافي علي حمادة، شقيق النائب الذي نجا من محاولة اغتيال مروان حمادة، أن "موضوع اغتيال رفيق الحريري سيبقى بالنسبة إلى جزء كبير من اللبنانيين مرتبطاً بحزب الله والنظامَيْن السوري والإيراني. وسيظلّ مؤثراً في العلاقات بين الطوائف اللبنانية على الأمد الطويل، من دون حدوث أي صدام لأن الزعماء يسيطرون على الشارع بشكل كبير". 

واعتبر أن "هذه محكمة جدّية، فهي عندما لم تأتِ بأي أدلة دامغة وواضحة، لم تعطِ استنتاجات ولا تطرّقت إلى التحاليل السياسة كما نفعل نحن في لبنان. ولكنها ذهبت إلى الأدلّة الملموسة، وهنا تكمن أهميتها، لذلك لدي خيبة أمل من رؤساء لجان التحقيق الثانية والثالثة إذ لم يتوصّلوا إلى شيء، بينما المحقق الأول ديتليف ميليس هو الذي جمع كل هذه الأدلّة بدهاء وسرعة وهي التي بُني عليها القرار". 

ولفت حمادة إلى أنه "كانت هناك قناعة لدى رفيق الحريري ووليد جنبلاط، عندما جرت محاولة اغتيال مروان في 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، أنه هجوم سوري مدعوم من إيران ولكن لم يكن واضحاً أن الإيرانيين هم الذين يديرون الاغتيالات محلياً ولكن كان واضحاً أن هناك هجوماً مضاداً على قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي كان يدعو عملياً إلى خروج الجيش السوري من لبنان وحلّ الميليشيات وألّا تكون هناك قوة عسكرية واحدة على أرض لبنان وهذا ما دفع القادة الدوليين كالرئيس الأميركي السابق جورج بوش والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك إلى شنّ حملة مضادة لإخراج السوريين، الأمر الذي فتح مجالاً للاغتيالات التي بدأت بمروان حمادة ومن ثم رفيق الحريري". 

ولفت حمادة إلى أن "معلومات كانت تصل إلى الرئيس الشهيد من الأجهزة الأمنية ومن موفد الأمم المتحدة الخاص بتحقيق تنفيذ القرار 1559 محذّرين إياه من الخطر على حياته، إلّا أننا لم نكن نعلم أن الحزب متورّط ولكن كنّا نتوقع أن السوري هو الذي نفّذ الى أن أتى قرار المحكمة الدولية".

إحباط في صفوف المناصرين 

في المقابل، جاءت ردود فعل مناصري "المستقبل" متفاوتة. فمنهم مَن يشعر بالإحباط والبعض الآخر يريد إدانة أقوى من ذلك والبعض الثاني يتمسّك بالبصيرة، آملاً أن يصل إلى العدالة حتى لو تأخرت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" زياد ضاهر "بعد 15 سنة من الانتظار والتضحيات التي بُذلت في هذا الخط وراهنت على المحكمة والتحقيق الدولي، نحن في حالة إحباط، فهو بالنسبة إلى أنصار تيار المستقبل لم يأتِ على المستوى المطلوب وأردنا إدانة أقوى من ذلك تعيد لبنان إلى زمن رفيق الحريري حيث الازدهار والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، خصوصاً أن هذا الرجل كان رجل دولة بامتياز، استطاع بحنكته وذكائه أن يؤمّن للبنانيين وضعاً معيشياً أفضل من الذي نعيشه اليوم ولذا نشعر بالاستياء والإحباط أكثر من وضعنا المأساوي هذا. ولكن بالنسبة إلى مسار العدالة، ليس أمامنا خيار آخر ونثني على كلام الرئيس سعد الحريري بدعوته الناس إلى الهدوء والانضباط. بالتالي، نشهد اليوم نهاية مسار المطالبة بالحقيقة وبداية مسار جديد، ألا وهو تطبيق العدالة". 

بدورها، رأت الناشطة في تيار المستقبل إناس تميم أن "القرار لم يكن على قدر التوقعات بعد 15 سنة من الانتظار والتعب، لكن حتى لو كان هذا القرار لم يُدِن حزب الله المتهم المباشر بالاغتيال، إلّا أن المحكمة أكدت ارتباط أحد عناصر الحزب في الجريمة وهذا دليل يثبت أن الحزب وراء سلسلة الاغتيالات والجرائم"، معتبرةً أن "هذا القرار لا يكفي"، ومتسائلةً "كيف لشخص واحد أن يتحمّل مسؤولية أعمال إرهابية ولا يتحمّل حزبه ورئيسه ومَن خطّط لذلك؟". وأضافت أن "حزب الله منظمة إرهابية عليها أن تحاسب وعلى الحزب أن يتنازل ويسلّم هذا المجرم فوراً". 

من ناحيتها، قالت الناشطة في تيار "المستقبل" نادين بكور "قرأتُ القوانين المتعلّقة بالمحكمة الدولية والصلاحيات المعطاة لها من مجلس الأمن، لذا لم تكن لدي آمال أن يُعلن عن أسماء رؤساء الدول مثل بشار الأسد، أو رئيس حزب أو منظمة مثل حسن نصرالله. لذا القرار منصف ومتوقّع. وأُثبت أن المحكمة تتّسم بالنزاهة والشفافية بعكس القضاء اللبناني المسيّس".

ورأت بكور أنه "عندما تقول المحكمة إنّ مَن قتل رفيق الحريري هو قيادي في حزب الله، فهذا دليل على أن الجريمة بحاجة إلى قدرات أكثر من فردية وأعطت لذلك بُعداً تنظيمياً وشرحت أن سوريا وإيران مستفيدتان من اغتيال الحريري". 

بدوره، اعتبر هاني فيومي وهو أحد سكان طريق الجديدة (أحد أهم معاقل تيار المستقبل في بيروت) أنه "لو لم تُستكمل هذه المحكمة، لكان ذلك أفضل من إعلان قرار كهذا اليوم". وأضاف "70 مليون دولار كنّا استطعنا أن نرمّم بيروت وبيوت الناس ونسدّ العجز"، متسائلاً "محكمة دولية لها وزنها في العالم لم تستطِع أن تصل إلى الأدلة والبراهين لسلسلة طويلة من الاغتيالات واكتفت بدليل واحد فقط؟". 

انشغالات متعدّدة

الصورة اختلفت في شمال لبنان، الخزّان البشري الذي ناصر قضية رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري. في 18 أغسطس، لم يملأ الناس الساحات، وظهرت تبريرات حيال لهجة القرار الدولي "الدبلوماسية" بالنسبة إلى المتهمين والاكتفاء بإدانة "سليم جميل عياش"، مروراً بالتباعد الاجتماعي الذي فرضته البرودة في علاقة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري مع الجمهور الأزرق (أنصار تيار المستقبل)، وصولاً إلى كورونا الذي أصاب أنفاس الاستنهاض الشعبي. 

ولفت الناشط الطرابلسي محمود الصمدي إلى أن "القرار الدولي جاء ضمن المتوقّع وليعلن حقيقة الفاعل"، مشيراً إلى أن "جمهور رفيق الحريري كان يعلم مسبقاً مَن المجرم". وأضاف أنه "منذ الاستقلال تُرتكب جرائم سياسية في لبنان، ويعلم الناس مَن المرتكب. ولكن هذه المرة الأولى التي تتم فيها الإدانة من خلال القضاء"، مضيفاً أن "المحكمة الدولية دانت شخصاً، ولم تُدِن منظمات أو كيانات لأن ذلك ليس من صلاحيتها، بل من مهمات مجلس الأمن الدولي". 

وأكد الصمدي أن "مطلب أهالي طرابلس هو السلم الأهلي والعدالة"، مطالباً "حزب الله" بتسليم المتّهم سليم عياش إلى القضاء اللبناني "وألّا يتحوّل إلى خارج عن العدالة يغطّي المجرمين".

هذه الحماسة لقرار المحكمة، لا تجدها لدى شريحة واسعة في طرابلس. ويأتي الجواب جازماً على لسان الشاب إبراهيم المصري الذي قال "نحن نحبّ الرئيس رفيق الحريري، ولكن الأولوية عندنا اليوم هي لتأمين لقمة العيش"، فيما يؤكد آخر "لم يَعُدْ بإمكاننا تأمين الأولويات، والأهم هو انتصار الثورة على الحكام".        

هل تخضع المحكمة للتسويات؟

وعلى الرغم من أن محاكمة الأفراد في الصيغة الحالية بالمرحلة الأولى حصلت غيابياً، إلّا أن لها قيمة قانونية. وقال المرجع القانوني شفيق المصري إن "أحكام المحكمة الدولية قابلة للاستئناف من قبل المدَّعين أو المُدَّعى عليهم على حدّ سواء، كما يمكن للمحكوم غيابياً أن يطلب إعادة المحاكمة وفق نظام المحكمة، إذا كان غيابه بعذر أو توافرت لديه عناصر جديدة تستدعي ذلك". وأضاف أن "المحكمة أُنشئت بقرار لمجلس الأمن وفق الفصل السابع، بالتالي ملزِم التنفيذ لكل الدول والأفراد"، متوقّعاً "إحالة الحكم للإنتربول لتنفيذه، كما يقع ذلك على عاتق الحكومة اللبنانية". 

وجزم المصري أنه "لا يمكن لأي طرف شطب مفاعيلها أو آثارها، فدورها لا ينتهي طالما أنّ الاستئناف مفتوح، فستبقى قائمة لأن الفصل السابع ملزم بذاته".

في المحصّلة، فتح قرار المحكمة الدولية صفحةً جديدة في تاريخ لبنان. وبغضّ النظر عن حجم التحركات في الشارع أو نضوج سؤال التسوية، يبقى موقف زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري هو المؤشر الحقيقي لأنصاره على مستوى العلاقة بين مكوّنات النسيج السياسي اللبناني.

المزيد من العالم العربي