Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لبنان ليس وحيدا" والمطلوب "تحرير" الشرعية

البلاد تعيد اكتشاف نفسها تحت نيران الكارثة

ماذا بعد هزّة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب زلزال المرفأ الذي أحرق بيروت؟ هل نحن على الطريق إلى عقد سياسي جديد طالب به، أم أن التركيبة السياسية النافذة التي حوّلت نهر الناس المطالبة بالتغيير في ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى صحراء مصفحة ضد أي تغيير؟ هل ما تهدّم بانفجار 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في العنبر 12 في المرفأ هو فقط العمران في بيروت والبيوت التراثية، أم أنه أيضاً لبنان القديم من دون ولادة لبنان جديد، بمعنى التطور إلى الأمام لا بمعنى الذهاب إلى الأسوأ؟

لبنان يعيد اكتشاف نفسه تحت نيران الكارثة وصدمة التزامن في أغسطس (آب)، بين تاريخ الانفجار الكيماوي هنا وتاريخ الانفجار النووي الأميركي في هيروشيما وناغازاكي قبل 75 عاماً. اليابان عادت إلى النهوض بعد الكارثة النووية، كما نهضت أميركا بعد كارثة "بيرل هاربر" حيث دمرت الطائرات اليابانية الأسطول الأميركي. وبيروت ستعاود النهوض، فلا شيء ولا أحد يهزمها. وهي تعرضت خلال تاريخها لسبعة زلازل طبيعية، أحدها طمر مدرسة الحقوق الرومانية على مسافة قريبة من المرفأ اليوم، كما حكمتها جيوش خارجية ومافيات محلية، زالت كلها وبقيت بيروت.

وما كان بين التوقعات أن نرى أي مسؤول كبير يجرؤ على ما فعله ماكرون بالسير في الشارع، ومخاطبة المنكوبين الحزانى والغاضبين. لكن زيارة ماكرون بصرف النظر عن استجابة أو عدم استجابة المسؤولين لما طلبه وما تطلبه الناس، وما كان يجب أن يكون همّهم، جاءت شعاع ضوء في عتمة، مع شعاع ضوء آخر من الشارع. وما رأيناه هو ببساطة أن لبنان ليس وحيداً، واللبناني ليس متروكاً لقدره. فالمساعدات الفرنسية سبقت وصول ماكرون، ثم جاء الجسر الجوي السعودي وهبوط الطائرات المحمّلة بالمساعدات من معظم البلدان في المنطقة والعالم. وكلها أكدت أن لبنان ليس وحيداً. واندفاع الناس في بيروت ومن كل المناطق لمساعدة الجرحى وتنظيف الشوارع والبيوت من الركام، وتأمين الغذاء للمنكوبين واستعداد كثيرين لفتح بيوتهم أو فنادقهم لإيواء الذين تدمرت منازلهم، يؤكد تقاليد "العونة" القديمة والتضامن الاجتماعي، وأن اللبناني ليس متروكاً في معاناته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس خارج المألوف في سلوك المسؤولين الفاشلين أن يوظف هؤلاء الكارثة في صالحهم، بالادعاء أن المساعدات التي هطلت علينا كالمطر هي نوع من "فك الحصار" عن لبنان. وهذا تزوير للواقع. فلا لبنان تحت "حصار" عربي ودولي، لأن من في عزلة عربية ودولية هم المسؤولون الذين دمروا علاقات لبنان الخارجية، وسمموا العلاقات الداخلية. ولا المساعدات هي للسلطة بل للشعب. ولم يكتم ماكرون القول إنه "لا شيك على بياض". الثقة مفقودة بمسؤولين غارقين في الفساد، فالمساعدات ستعطى مباشرة للناس والجمعيات والبلديات تحت إشراف المانحين.

وأسخف ما نسمعه هو التحذير من "تدويل" التحقيق والرقابة على المساعدات، كأن لبنان ليس "مدولاً" بحروبه واتفاقاته وأزماته. وكأننا لا نرجو القوى الأساسية عربياً ودولياً أن تتدخل عندما نراها تحجم عن التدخل، وكأن "محور الممانعة" الذي يتحكم بنا اليوم خارج التدخل. الواقع أن الحديث عن رفع الحصار هو "حرب وقائية" ضد المطلب الشعبي وما يريده لنا الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليون: "تحرير الشرعية من تسلط اللاشرعية"، وفك أسر لبنان في صراعات المحاور. وهذه معركة مفتوحة أصلاً، لكن تحديات ما بعد الكارثة تفرض الاندفاع أكثر في خوضها لإنقاذ لبنان.

كان الجنرال ديغول يقول إن "الدول وحوش باردة"، لكن التعاطف الواسع مع الشعب اللبناني، على رغم الاستياء من السلطة، يؤكد أن الاعتبارات الإنسانية لا يزال لها مكان في سياسات الدول.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل