Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آن لروسيا أن تعترف بوجود مرتزقة فاغنر

من مصلحة الكرملين الإقرار بحقيقة ما يحدث على الأرض- بدل مواصلة النفي

اشتكى ألكساندر لوكاتشنكو (على اليمين) أخيراً من مرتزقة فاغنر الروسية. ويبدو أن طرق الصديقين القديمين، لوكاتشنكو وبوتين، تفترق (أ ب)

على المستوى الرسمي لا وجود لهم. فالكرملين لا يعترف حتّى بوجود متعاقدين عسكريين من القطاع الخاص، ووجودهم غير شرعي بموجب القانون الروسي.

 ويسمّي الباحثون وعملاء الاستخبارات مجموعة المتعاقدين العسكريين الخاصين المرتبطين بالرجل المُكنّى بـ "طبّاخ" فلاديمير بوتين، يفغيني بريغوزين، "مجموعة فاغنر". 

 لكن ما يقوله الخبراء مفاده بأن فاغنر مصطلح فضفاض يستخدم لوصف كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم- بعضها مُسجّل في الخارج- التي تشكّل مجتمعةً كتائب روسيا.

ووواحدة من هذه الشركات، إيفرو بوليس Evro Polis ، ارتبط اسمها بالعمليات العسكرية داخل سوريا. ومقاتلوها مرتزقة جُنّدوا من مناطق الاتحاد السوفياتي سابقاً ويُزعم أنهم ينفّذون أوامر الكرملين.

الأسبوع الماضي، اتهم رئيس بيلاروسيا ألكساندر لوكاتشنكو علناً عناصر فاغنر بالتدخّل في شؤون بلاده قبيل انعقاد انتخابات بالغة الأهمية يراقبها العالم عن كثب يوم التاسع من أغسطس (آب). ثم اعتقلت السلطات في مينسك، وهي على الأغلب لم يقع عليها وقع المفاجأة الأنباء عن هؤلاء العناصر، 33 شخصاً يُشتبه بأنهم عملاء في فاغنر على خلفية اتهامهم بالتخطيط للتلاعب بالتصويت.

وادّعى السفير الروسي لدى بيلاروسيا، دميتري ميزينتزيف، أن الرجال، الذين تبيّن أن بعضهم عناصر شاركوا في الحرب الأوكرانية في عام 2014، مدنيّون "وقّعوا عقود عمل" مع شركة محلية. فيما قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف بدوره "في روسيا، وبموجب القانون، لا وجود لما يُسمّى شركات عسكرية خاصة".

سواء سعى العناصر المشتبه بهم إلى ارتكاب أي سوء أم لا، فمجرّد قيام لوتشينكو، الذي ربطته صداقة طويلة في السابق ببوتين، بتوجيه اتهامات علنية لفاغنر أمرٌ بغاية الأهمية. وعوض النفي المطلق، الأحرى بالكرملين الاعتراف بالحقيقة والتحلي ببعض الشفافية والصراحة حين الكلام عن هذه الشبكة الغامضة. وآن أوان خروج فاغنر إلى العلن.

لا شك أن روسيا لم تخترع المقاولين العسكريين الخاصين (من القطاع الخاص). فالمرتزقة لطالما شكلوا أحد مظاهر الحروب منذ آلاف السنين. ومنذ الجزء الثاني من القرن العشرين، اعتبر وجودهم ضرورياً في بعض النزاعات المسلحة، واستخدمهم الأميركيون بشكل خاص من أجل مساندة القوات العسكرية في العراق وأفغانستان، كما تستأجر حكومات أخرى خدماتهم لأهداف خاصة. وتصدر منذ سبعينيات القرن الماضي مجلة خاصة بهؤلاء المرتزقة أو المقاولين العسكريين أو القتلة المأجورين -على اختلاف ألقابهم- تحت عنوان "سولدجير أوف فورتشن" (الجنود المرتزقة أو صائدو الغنائم) Soldier of Fortune .

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استخدمت روسيا ما سمّاه أحد الدبلوماسيين "قوات غامضة" في نزاع جورجيا في عام 2008، لكن لم يكن هؤلاء مقاتلين مأجورين من شركات خاصة على قدر ما كانوا رجال ميليشيات بالمعنى التقليدي للكلمة من داخل المجتمعات العرقية المحلية.

ومنحوا بوتين ذريعة تسوّغ تدخّله في البلاد- من النوع الذي يُفترض وجوده من أجل تفادي عقوبات الأمم المتحدة وإعطاء مساعدي بوتين في الغرب غطاء سياسياً كافياً كي ينشروا وجهة نظر الكرملين.

وربما يعتقد بوتين أن هالة الغموض المحيطة بالمرتزقة تجعلهم يظهرون بمظهر الجبّارين الذين لا يُقهرون. لكن سجلهم متعثّر على أفضل تقدير، فقد فشلوا مراراً وتكراراً واتُّهموا بانتهاك حقوق الإنسان.

ولطالما اعتبرت سياسة النفي المعقول [قدرة كبار المسؤولين على نفي معرفتهم بالأعمال المُدانة في غياب دليل على ضلوعهم المباشر] من منافع هذا النوع من العملاء، مع أن المحللين يرون أن نفوذ الكرملين تأرجح على مر السنين بين النأي عنهم إلى دور مباشر أكثر وضوحاً الآن.

وتعود بداية ظهور مقاتلي فاغنر إلى بدء النزاع في شرق أوكرانيا في 2014، حيث لعبوا دوراً في ضمّ شبه جزيرة القرم الذي لقي إدانة واسعة وإسقاط طائرة نقل عسكرية أوكرانية وفقاً للمسؤولين في كييف.

ثم ظهر المرتزقة الروس في ميادين المعارك داخل سوريا حيث نفذوا أوامر الكرملين القاضية بالدفاع عن نظام بشار الأسد الدموي. ثم قُتل وأصيب الكثيرون منهم أثناء مواجهة مع الولايات المتحدة في عام 2018  من أجل السيطرة على حقول النفط قرب دير الزور. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين السابقين "أظهر الهجوم الأميركي المضاد في دير الزور فعلياً مدى فشل فاغنر في المعارك الحقيقية. لم يرد الروس أبداً".

ووجّه تقرير للأمم المتحدة صدر في مايو (أيار) اتهاماً إلى روسيا بنشر مئات من المرتزقة في ليبيا دعماً للقائد خليفة حفتر في سعيه الفاشل إلى السيطرة على البلاد. وكما في سوريا، يستطيع الكرملين أن يزعم بأنه لا يستطيع السيطرة على ما يفعله جنوده السابقون في الدولة الأفريقية الشمالية. لكن هذا العام، نشرت الولايات المتحدة صوراً التُقطت عبر الأقمار الصناعية تُظهر نشر روسيا طائرات مقاتلة دعماً للمقاتلين. يا له من "نفي معقول".

ظهر المرتزقة الروس كذلك داخل مناطق أفريقية التي مزقتها الحروب، ومنها جمهورية أفريقيا الوسطى حيث قتل في ظروف غامضة ثلاثة صحافيين روس يتقصّون حقيقة نشاط فاغنر المزعوم. وأكدت وزارة الخارجية الروسية مقتل الرجال الثلاثة أثناء عملية سطو مسلح.

كما استُخدم المرتزقة الروس لدعم النظام الاستبدادي الخاسر للرئيس السوداني عمر البشير، بينما اتهمتهم الأجهزة الأمنية الأوكرانية بالمساعدة في القمع العنيف للتظاهرات المناهضة للحكومة التي نجحت في نهاية المطاف. وأشارت تقارير إلى ظهورهم في مدغشقر حيث حاولت روسيا التلاعب بالانتخابات في عام 2018 وفي الموزامبيق، من أجل محاربة المقاتلين الإسلاميين.

وقيل إن المئات منهم نُشروا في فنزويلا في عام 2019 من أجل المساهمة في الدفاع عن حكومة نيكولاس مادورو.

وفي كثير من الأحيان التي تُنشر فيها هذه العناصر، يقال إنهم متعاقدون من أجل حماية أو استغلال الموارد المعدنية أو النفطية أو موارد الطاقة وفقاً لشروط تصبّ في مصلحة الكرملين.

لكن المقاولين الروس الخاصين لا يعملون بموجب أي إطار تنظيمي ولا حدٍ أدنى من الشفافية، على خلاف الشركات الأميركية من الطراز نفسه، التي تخضع لشروط التسجيل محلياً وعلى مستوى الولاية وفيدرالياً، إضافة إلى إلزامية حيازتها على ترخيص وضبط عمليات التصدير التابعة لها.  

لكن كي تعتمد روسيا قوانين مشابهة، عليها أولاً الاعتراف بوجود هذا النوع من الشركات. وسوف يسمح الإقدام على هذا الاعتراف للدبلوماسيين الروس ومسؤولي الكرملين بالكفّ عن إحراج أنفسهم من خلال استمرارهم بالترويج للكلام نفسه عن المرتزقة.

وحين يقول المسؤولون الروس إن مجموعة فاغنر غير موجودة، لا يصدّقهم أحد فيما خلا ثلة من مساعدي الكرملين ومناصريه المفلسين أخلاقياً وثقافياً في الأوساط الأكاديمية والصحافة الغربية. وقلّة في روسيا تصدقهم كذلك، فبعض أفضل التقارير الإعلامية عن المرتزقة تأتي من الصحافة الروسية نفسها.

وعلى أي حال، فسياسة "النفي المعقول" مُبالغ بها في زمن يمتلك الجميع فيه هاتفاً ذكياً يمكن استخدامه لتصوير المقاتلين وبثّ مقاطع عنهم- مع أنهم غير موجودين رسمياً- فيما ينطلقون مسرعين على الطرقات الرئيسية.

تخلّت بعض البلدان عن هذه المقاربة السرية أو غير الرسمية من دون أن تدفع ثمناً باهظاً. فقد تدخلت تركيا مثلاً بقوة وعلى الملأ إلى حدٍ ما، في سوريا وليبيا. ولم تتكبد أي ثمن دبلوماسي حقيقي لتدخلاتها المكشوفة.

بل إن أنقرة تلقّت الثناء من واشنطن بسبب مواجهتها المرتزقة الروس الذين يقول الكرملين إنه "لا وجود لهم".

© The Independent

المزيد من تقارير