لفت تحرّك للتيار العلماني في سوريا الأنظار بعد إصداره بياناً يُعلن فيه ولادة جديدة لما أطلق عليه التحالف السوري العلماني، الخميس 21 مارس (آذار)، وجلّ الشعارات التي نادى بها يتعلق بمبادئ علمانية وديمقراطية تحترم البعد الروحي للأديان وترفض كل أنواع التطرّف الديني واللاديني وتعزيز مبادئ المساواة والتسامح والاحترام المتبادل والوجود السلمي لمختلف الأديان والقوميات.
بيان التحالف العلماني السوري جاء بعد اجتماعات عديدة، وبالتشاور مع النخب الوطنية السورية، مدفوعاً بما سببه المتشدّدون دينياً من حروب عبر تاريخهم الطويل، كما في انتقاد البيان القتل المستمر على الهوية، في إشارة إلى الحرب السورية.
ويتزامن إعلان التحالف العلماني مع وثيقة للتعايش المشترك اتُّفق عليها بين مجموعة من المعارضين والمقربين من السلطة في الداخل والخارج، من مختلف الطوائف الدينية، سُميت "مدونة سلوك لعيش سوري مشترك"، هي بمثابة مبادئ فوق دستورية وُقّعَ عليها في دولة أوروبية.
تحالف وطني للحوار
انتشر بيان التحالف العلماني بين أوساط المثقفين السوريين، عبر وسائط إلكترونية تدعو إلى الانضمام إليه من دون معرفة الخطوة اللاحقة. لكن يتوقع، وفق مصادر، أن هذه الخطوة ستتوسع لتشكيل تحالف وطني من دون أهداف سياسية واضحة المعالم على الأرض بعد، في وقت شارفت الحرب على أن تضع رحاها في شمال شرقي سوريا، آخر جيوب تنظيم "داعش" في الباغوز.
ويرى التحالف في ظهوره الأول أن العلمانية هي الحل من أجل المواطنة وتدعيم السلم الأهلي، منوهاً بأن الصراع ليس مع ممثلي السلطة والمعارضة بمقدار ما هو مع البنية النمطية والتسلطية في سياساتهم.
ويرى منضمون إلى التحالف أنهم متفقون على ما جاء في البيان، لأنه يُرمّم ما مزّقته الحرب من النسيج الاجتماعي السوري، وهي أحد الدواعي لتأسيس هذا التحالف، وينقله إلى شكل جديد من التعاون المجتمعي، في تحالف لا يهدف وفق عرابيه إلى الاستحواذ على السلطات، إنما يوجه جهوده إلى استكمال تنوير المجتمع الذي سيشكل أفراده طبيعة مؤسساته بتحالف وطني غير ديني أو عرقي أو سياسي، لتحقيق العدالة والسلام بين أفراد المجتمع السوري.
ووفق الناطق الرسمي باسم التحالف نبيل الصالح، فإن هذا البيان هو للحوار والتشاور حول أفضل السبل لإنجاز تحالف بين العلمانيين السوريين، واصفاً إياه بتحالفٍ وطني غير خاضع لتجاذبات السلطة والمعارضة، وهو تحالف للنخب السورية التي تساعد المجتمع والدولة على تحقيق الأمان والسلام والسعادة.
النخب النزيهة
ينطلق العلمانيون في تحالفهم من مزاج المجتمع السوري، الذي بات مواتياً للتخفيف من العصبيات الدينية، ومن تكرار حروب وصراعات لم يدوّنها التاريخ الرسمي. وفي ضوء البيان، فإن العلمانيين السوريين يجدون أن تحالفهم يأتي في سياق مواجهة المخاوف وتفكيك الألغام التاريخية، وإطلاق سلوك الأفراد وأفكارهم من عقال الخوف المنظم بعدما عُطِّلَ الجزء الأكبر من مهاراتهم عبر وضعهم في أقفاص أيديولوجية.
ويفتح العلمانيون في بيانهم الأول النار على الأحزاب، معتبرين أنه بمراجعة سريعة لتاريخ هذه الأحزاب والجماعات في سوريا، سنجدها أنها أربكت حياة الناس وعكّرت شفافية المجتمع السوري ومنعت تجانسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في البيان "أسهم ارتفاع نسبة الفساد والظلم، بإشعال حربنا المريرة الداخلية من خلال الظلم داخل المؤسسة الأسرية، واستبداد المؤسسة السياسية، وفساد المؤسسات القضائية والاقتصادية، وترهّل المؤسسات التعليمية، وتفشّي الأمية الثقافية".
ويعتمد التحالف السوري العلماني على التنوع الثقافي لأفراده من دون إجبارهم على الإيمان بأي أيديولوجيا. ويقول الصالح، وهو عضو في مجلس الشعب السوري أيضاً، "ندعو إلى فصل القيم الدينية والروحية عن الأيديولوجيات المتطرّفة داخل دولة القوانين المدنية، واقتصار التعليم الشرعيّ على موضوعات الإيمان والأخلاق والتعاون والتسامح مع الآخرين. كما ندعو إلى عدم التمييز بين المرأة والرجل في الأحوال الشخصية من حيث الإرث والشهادة وحقوق الجنسية وأن تكون ولية نفسها، لأن المواطنة ستكون مهيضة الجناح في وطن يضيّع حقوق نصف سكانه من الإناث".
من هنا، فإن تحالف العلمانيين السوريين كما يعبّر عنه الصالح، يهدف إلى تفعيل الأنظمة والقوانين المؤسساتية الوطنية في مواجهة الفساد الإداري والتسلّط الحزبيّ والدينيّ، اللذين يفرغها من محتواها ويحرم المواطنين من التمتع بعائداتها، ويهدف إلى فكّ أيّ تحالف بين المؤسستين السياسية والدينية.
العيش المشترك
يتشابه البيان الأول للتحالف العلماني في الداخل السوريّ مع ما توصلت إليه شخصيات مقرّبة من السلطة ومعارضون بعد انتقالهم بين باريس وزيوريخ وبرلين، في التوقيع على وثيقة عيش مشترك ورغبةٍ في تجاوز المعضلات الموروثة والمعاصرة بين أطيافهم، وصولاً إلى ناظمٍ اجتماعيٍ وسياسيٍ للدولة السورية، وتأصيلٍ لعقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة.
وثيقة العيش المشترك وإن يكتنفها بعض الغموض في شأن الشخصيات المشاركة فيها، إلا أنها وفق مصادر إعلامية ضمّت 11 شخصاً من الداخل و13 شخصاً من الخارج، من نواب سابقين وأبناء شيوخ وشخصيات مؤثرة ذات علاقة بالمجتمع والدولة، وشيوخ عشائر.
ومن أبرز ما جاء في الوثيقة وحدةُ الأراضي السورية والاعترافُ بالواقع السوريّ من دون تجميلٍ كنقطة انطلاق لأيّ حوار، ولا غالبَ ولا مغلوب في الحرب السورية، إذ إن الخاسر الوحيدَ هو الشعب السوريّ. كذلك، على أن لا أحدَ بريئاً من الذنبِ في المأساةِ السوريةِ، وكلّ وفق دوره وموقعه.