أودع قاضي تحقيق عسكري، مسؤولاً عسكرياً بارزاً كان مسؤولاً عن "أمانة" مكتب رئيس الأركان السابق، الراحل أحمد قايد صالح، السجن على ذمة التحقيق بعدما استلمته الجزائر من تركيا الخميس الماضي، على إثر اتصال هاتفي بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان جرى قبل أسبوع من عيد الأضحى.
وأعلنت السلطات الجزائرية الشروع في التحقيق مع العسكري قرميط بونويرة، وهو "مساعد أول" تقاعد من صفوف الجيش قبل أن يطلبه قايد صالح ليكون "سكرتيره" الخاص، و"خازن أسراره".
أمين السر والبروتوكول الخاص
القبض على المساعد الأول في تركيا في ظروف مجهولة، حتى الآن، تزامن مع اعتقال مسؤول البروتوكول الخاص بقايد صالح، وهو رائد في صفوف الجيش الجزائري كان مسؤولاً عن "التشريفات" في مكتب الرجل القوي داخل المؤسسة العسكرية سابقاً. وقد اعتقل داخل الجزائر برفقة ثمانية ضباط آخرين، في انتظار التحقيق معهم بتهمة "إفشاء أسرار عسكرية".
وتبدو التهم مترابطة إذاً بين "بروتوكول" قايد صالح، و"خازن أسراره". ويذكر مصدر عسكري مسؤول لـ"اندبندنت عربية"، أن المتهمين "ملاحقون بتهمة إفشاء أسرار إلى معارضين في الخارج، من بينها إرسال نسخة كاملة عن تحويلات الضباط والعسكريين العاديين في الناحية العسكرية الأولى، وهي تضم أسماء وألقاباً، والأسماء المستعارة، وصفة الخدمة لمئات العسكريين".
وتحقق السلطات القضائية العسكرية بشكل أكثر دقة في علاقة العسكريين الاثنين بمدير الاستخبارات السابق واسيني بوعزة، الذي اعتقل قبل أسابيع، وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات نافدة، وأيضاً بقائد الدرك الجزائري السابق الجنرال غالي بلقصير، الفار حالياً، والملاحق بتهم "استغلال المنصب للحصول على أملاك عقارية، وأموال داخل وخارج الوطن، والاختلاس".
لماذا تجاوب أردوغان؟
تعتقد مصالح الأمن الجزائرية أن بونويرة قرر مغادرة الجزائر بعد وفاة قايد صالح مباشرة، ويشتبه أنه غادر نحو تركيا عبر الإمارات، أو بشكل مباشر في يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد نحو شهر من وفاة قايد صالح.
وبما أنه عسكري، وفي منصب حساس، فقد تطلب أمر مغادرته الجزائر ترخيصاً خاصاً وفق الشروط العادية التي تنظم مغادرة العسكريين للجزائر في مهمات أو للسياحة. وتفيد المعطيات أن بونويرة حصل على ترخيص، أو "تسهيل عبور" من قبل بوعزة مباشرة، مقابل "تبادل ملفات سرية تمكن بونويرة من الاحتفاظ بنسخ منها لديه".
مصدر أمني جزائري بارز قال لوكالة "رويترز" حول هذا الملف الحساس إن "تبون اتصل بنظيره التركي الشهر الماضي من أجل عودة المسؤول العسكري الهارب". ويعتقد أن تبون بحث مع أردوغان هذا الملف مطلع يونيو (حزيران) الماضي، وأيضاً الجمعة الماضي بمناسبة عيد الأضحى.
ويوضح العقيد المتقاعد عمار قداش لـ"اندبندنت عربية"، أن "التخمينات جميعها كانت تشير إلى وجود العسكري الهارب في الإمارات، لكن هل كانت تركيا تخفي وجوده على أراضيها حتى تسلمت ملفاً موثقاً من قبل السلطات الجزائرية"؟. ويتابع "المعارضون الذين تشير إليهم تقارير مصالح الأمن محسوبون على المحور التركي وهو شيء مثير للغرابة. السؤال الأهم برأيي هو هل حصلت تركيا على شيء ما من خزنة أسرار رئيس أركان الجيش"؟.
عن طبيعة هذا التعاون بين الدولتين، اكتفى بيان رسمي مقتضب بالتالي "بأمر من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، وبالتنسيق بين مصالحنا الأمنية، ومصالح الأمن التركية تم تسليم واستلام الخميس الماضي المساعد الأول المتقاعد قرميط بونويرة الفار من بلده، الذي سيمثل أمام قاضي التحقيق العسكري الاثنين".
علاقات قوية بمدير الاستخبارات
يشير تحقيق مصالح الأمن الجزائرية إلى أن بونويرة "دخل في اتصالات مع ضباط متقاعدين مقيمين في الخارج، ونسق معهم بخصوص تسريب معلومات سرية، وكانت تربطه علاقات قوية مع المدير العام للأمن الداخلي السابق واسيني بوعزة، وقائد الدرك الوطني السابق غالي بلقصير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوبع واسيني بوعزة في تهم "إهانة هيئة نظامية بالقول، إهانة مرؤوس، التزوير واستعمال المزور، حيازة سلاح ناري، وذخيرة حربية من الصنف الرابع". أما بلقصير فأقيل من قيادة الدرك الجزائري في يوليو (تموز) الماضي، ثم باشر القضاء التحقيق معه بتهمة "تواطئه في فرار اللواء حبيب شنتوف القائد السابق للناحية العسكرية الأولى بمحافظة البليدة".
وفي أغسطس (آب) الماضي، تم تداول صور لقائد الدرك المقال برفقة زوجته بأحد مطارات الجزائر، وهو "يحاول تغطية وجهه، بينما ارتدت زوجته الحجاب للتمويه"، ليتمكن بعدها من الفرار إلى مكان مجهول، ولم تعلق السلطات الجزائرية على فرار العميد بلقصير وزوجته التي كانت تعمل رئيسة لمجلس قضاء محافظة تيبازة (شرق العاصمة).
وترفض الجزائر القول رسمياً بوجود "خصومة" مع جناح الفريق أحمد قايد صالح، لكن جميع الأسماء المتابعة في قضايا "التسريب" كانت مقربة منه، وكل التطورات الأخيرة تزامنت مع الإفراج عن مسؤولين عسكريين سابقين يوصفون بالمقربين من "الجنرال توفيق" (محمد مدين) قائد الاستخبارات السابق، ومن بينهم مساعده المباشر الجنرال جبار مهنا.
وبرز اسم قايد صالح في خضم الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد مطلع العام الماضي بعدما انحاز إليه ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه. وتوفي في 23 ديسمبر الماضي، ليخلفه الفريق سعيد شنقريحة القائد السابق للقوات البرية في منصب رئيس للأركان، من دون منصب نائب وزير الدفاع الوطني.