Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كوداك" من الكاميرات إلى الأدوية: فقاعة أو الفرصة الذهبية؟

ارتفع سعر سهم الشركة نحو 1500 في المئة في غضون 3 أيام عقب نيلها قرضاً حكومياً

تأُسّست كوداك عام 1888 وأصبحت واحدة من أهم مصنعي الكاميرات في العالم في القرن الـ 20 (رويترز)

بين ليلة وضحاها، قفز سعر سهم شركة "إيستمان كوداك" الأميركية من 2.62 دولار عند الإغلاق الاثنين في 27 يوليو (تموز)، إلى 6.8 دولار الثلاثاء، ليبلغ ذروةً الأربعاء لامست الـ60 دولاراً للسهم، قبل أن تُغلق التداولات مساء ذلك اليوم عند 33.20 دولار. هذا الارتفاع السريع في سعر سهم الشركة، والذي بلغ نحو 1500 في المئة في غضون ثلاثة أيام، مرتبط بأزمة فيروس كورونا وانعكاساتها في سياسة الإدارة الأميركية الصحية.

ما تقرؤونه لا لغط فيه، فشركة كوداك المعروفة بكاميراتها ومنتجاتها للتصوير الفوتوغرافي، ستُمنح قرضاً حكومياً بقيمة 765 مليون دولار لإطلاق فرع جديد، "كوداك فارماسوتيكلز (كوداك للأدوية)"، سيعمل على تصنيع مكونات كيماوية تُستخدم في صناعة الأدوية الجنيسة، وفق ما أعلنت الإدارة الأميركية الثلاثاء.

ومع القفزة الهائلة في سعر سهم الشركة التي أثارها الإعلان عن صفقة التمويل، برزت تساؤولات عدة، لعلّ أبرزها وأكثرها بداهةً: لماذا الاستثمار في كوداك من دون غيرها لتعزيز الإنتاج الصيدلاني في الولايات المتحدة، لا سيما أن الشركة ستحتاج من ثلاث إلى أربع سنوات لتصبح قادرةً على الإنتاج على نطاق واسع، وفق تصريح رئيسها التنفيذي جيم كونتيننزا. وماذا عن التداولات غير المعتادة التي شهدتها أسهم الشركة الاثنين، عشية الإعلان عن الصفقة، فهل من قطب مخفية؟

تقليل الاعتماد على الخارج

الإدارة الأميركية وضعت صفقة تمويل كوداك في إطار مساعيها الرامية إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الدول الأجنبية، لاسيما الصين والهند، في توفير المستلزمات الطبية والأدوية، في ضوء الدروس التي تلقّنتها إثر أزمة كوفيد-19.

وجاء القرض الحكومي للشركة ليكون أوّل مشروع محلي تموّله "مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية" (DFC – دي أف سي)، المختصّة عادةً بتمويل مشاريع بنى تحتية وأمور أخرى في الدول النامية، وذلك بعدما منحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مايو (أيار) الماضي، صلاحيات جديدة في إطار قانون الإنتاج الدفاعي، تخوّلها الانخراط في مشاريع دعم للصناعات الصحية المحلية، استجابةً لأزمة كورونا. فنحو 40 في المئة من مكونات الأدوية عالمياً، تُستخدم لإنتاج أدوية جنيسة للأميركيين، لكن 10 في المئة فقط منها تُنتج في الولايات المتحدة، وفق مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية. 

وبحسب المدير التنفيذي لمؤسسة التمويل، آدم بوهلر، تهدف الصفقة التي ما زالت بحاجة إلى موافقة نهائية من "دي أف سي"، "لإعادة دعم الصناعات الحيوية (في الولايات المتحدة)، حتى إذا ما انتهى بنا المطاف في وضع مماثل (لوباء كوفيد-19) مرةً أخرى، لا نكون معتمدين على الصين أو غيرها". ترمب بدوره وصف كوداك بالشركة الأميركية "العظيمة"، قائلاً إن الصفقة "واحدة من أهم الصفقات في تاريخ الصناعات الدوائية الأميركية"، وإنها "اختراق على صعيد إعادة صناعة المستحضرات الصيدلانية إلى الولايات المتحدة".

لماذا كوداك؟

غير أن اختيار كوداك تحديداً أثار شكوك المحللين الماليين والاقتصاديين، نظراً إلى تاريخ الشركة. فهذه الأخيرة أُسّست على يد جورج إيستمان عام 1888، وأصبحت واحدةً من أهم مصنعي الكاميرات في العالم، واشتهرت بشعار "كوداك مومنت"، قبل أن تبدأ رحلة ازدهارها بالأفول غداة مئويّتها، إذ بدأت تعاني مالياً في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، مع جنوح المستهلكين نحو استخدام الكاميرات الرقمية الحديثة. وبحلول عام 2012، تقدّمت الشركة بطلب حماية من الإفلاس، وحوّلت تركيزها منذ ذلك الحين نحو الطباعة والخدمات المهنية للشركات. هذا وفشلت في محاولتين لإعادة إنعاش وضعها، إحداها في إدارة شركة أدوية اشترتها لتعيد بيعها بخسارة، والثانية في مغامرة إطلاق عملة مشفّرة لحماية أعمال المصورين.

بناءً عليه، عبّر محللون من "أس في بي ليرنك (SVB Leerink)"، بنك استثماري متخصّص في قطاع الرعاية الصحية، في مذكرة بحثية، عن حيرتهم إزاء قرار الإدارة الأميركية تمويل كوداك، فيما "لم يتم حتى الآن منح شركات الأدوية الجنيسة المتمتّعة بالقدرات والمعرفة اللازمة لهذه المهمات، مثل هذه العقود"، مشيرين إلى صعوبة إنتاج هذا النوع من المكونات الصيدلانية.

خبرة سابقة ولو خجولة

بحسب رواية المستشار التجاري لترمب، بيتر نافارو، طرحُ كوداك على مؤسسة التمويل كشركة إنتاج محتملة، جاء بناءً على توصية أحد أعضاء فريقه بالشركة، وفق ما ذكر في مقابلة مع قناة "فوكس بزنس". هذا الأمر أكّده بوهلر، الذي قال في مقابلة إن مكتب نافارو لفت انتباه المؤسّسة إلى كوداك، التي قدّمت في منتصف يونيو (حزيران)، طلباً للحصول على قرض.

وترى "دي أف سي" لدى كوداك نقطتي قوة، أولها أنها تملك أصلاً وسائل إنتاج الأدوية التي تشكّل ما بين 1 و3 في المئة من مدخولها، والثانية أن بعض الشركات تخطّط لتوقيع طلبات شراء مسبق منها، وفق ما ذكر بوهلر من دون أن يقدّم تفاصيل عن هذا الأمر. وأشار كذلك إلى أن الحكومة الفيدرالية ستدعم كوداك من خلال شراء كمية من المكونات الصيدلانية الفعالة (API) للمخزون الإستراتيجي.

تصنيع نوعين من المواد الكيماوية

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما أكّدت مؤسّسة التمويل أنها دعت شركات أخرى إلى التقدّم بطلبات لدعم الإنتاج المحلي في القطاع الصيدلاني، من المفترض أن توسّع كوداك بشكل كبير إنتاجها في منشآت نيويورك ومينيسوتا، حيث يرجّح أن يخلق استثمارها نحو 350 فرصة عمل، لتصنيع نوعين من المواد الكيماوية المستخدمة في إنتاج الحبوب والأقراص: قوالب البناء الأساسية المعروفة بالمواد الأولية، ومواد أكثر دقة تسمّى مكونات صيدلانية فعالة (API)، ستتمكّن الشركة من إنتاج نحو 25 في المئة من حاجة الولايات المتحدة منها.

وتأكيداً على قدرة الشركة على تنفيذ المشروع، قال رئيس كوداك التنفيذي إنها تتمتّع بخبرة أكثر من 130 عاماً في تصنيع المواد الكيماوية، التي استخدمتها في إنتاج الأفلام ومنتجات أخرى، وأنها كانت تنتج في السنوات الأخيرة مواد أولية لعدد من شركات الأدوية بحسب الطلب، وهي الآن بصدد توسيع خطوط إنتاجها، مشدّداً على أن الشركة تنخرط في المشروع "للمساعدة في إحكام وإصلاح سلسلة توريد الأدوية في أميركا".

تداول داخلي

"فخر" كونتيننزا بمشاركة كوداك في "تعزيز الاكتفاء الذاتي لأميركا"، جاء مصحوباً باكتفاء ذاتي شخصي، بعدما قفزت ثروته بأكثر من 75 مليون دولار في غضون أيام قليلة، وفق وكالة رويترز، في وقت برزت مؤشرات إلى تداول داخلي غير مشروع (التداول في ضوء معلومات غير متاحة للعامة) عشية الإعلان عن صفقة التمويل.

ففي 27 من يوليو، أي قبل يوم من إعلان منح كوداك القرض الحكومي، شهدت أسهم الشركة تداولات غير اعتيادية ومثيرةً للشكوك، إذ ارتفع سعر السهم بنحو 25 في المئة، وأغلق عند 2.62 دولار، بعدما تمّ التداول بأكثر من 1.6 مليون سهم، مقارنةً بقرابة 231 ألف سهم كمعدّل يومي في الأيام الـ30 السابقة.

وفي مراجعة لأحداث ذاك النهار، تبيّن أن الشركة يومها أرسلت خبر الصفقة إلى عدد من الوسائل الإعلامية، من دون الإشارة إلى حظر نشره قبل الإعلان الرسمي، فنشرته قناتا "ABC" و"CBS"، لتعودا وتحذفاه بناءً على طلب كوداك، وفق ما أكّد متحدث باسم الشركة. غير أن نشر الخبر لبعض الوقت فعل فعله، فتحرّكت المداولات بأسهم كوداك وارتفع سعرها، وأعادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمر إلى تقارير إخبارية محلية في روتشستر، حيث مقرّ الشركة الرئيس، وإلى التغريدات التي انتشرت على موقع "تويتر" عن الصفقة وأعيد حذف بعضها، مشيرةً إلى الرقابة التي ينتهجها بعض المتداولين على مواقع التواصل الاجتماعي.

مكاسب شخصية من القروض الحكومية

وليست هنا زبدة الحديث، بل في استفادة المسؤولين التنفيذيين في الشركات من القروض الحكومية لتحقيق مكاسب شخصية، من خلال اتخاذ قرارات في مواقيت جيدة جداً. فبالتزامن مع بدء المحادثات بين كوداك والإدارة الأميركية في مايو حول إنتاج مكونات صيدلانية، بدأ المطلعون والنافذون في كوداك بالحصول على خيارات أسهم، وفق ما أفاد أولاً موقع "Non-GAAP Thoughts".

في 20 مايو، منحت الشركة 240 ألف سهم إضافياً كحقوق اختيار يمكن التصرّف بها تدريجاً على مدار هذا العام، لأعضاء مجلس الإدارة. وباتت قيمة هذه الأسهم بعد صفقة التمويل، نحو 4 ملايين دولار.  

أما عشية إعلان الصفقة، فمنحت كوداك رئيسها التنفيذي جيم كونتيننزا حقوق اختيار مرتبطة بـ1.75 مليون سهم. وبغضون 48 ساعة، ارتفعت قيمة هذه الأسهم إلى نحو 50 مليون دولار، على الورق أقله.

المتحدثة باسم كوداك، أرييل باتريك، رفضت التعليق على توقيت منح خيارات الأسهم في مايو. وفي محاولة لوضع الأمر في سياق طبيعي، أوضحت باتريك أن منح كونتيننزا خيارات الأسهم جاء للتعويض عليه، بعدما تراجعت قيمة أسهمه وخياراته عقب إصدار الشركة في العام الماضي نوعاً من الديون يتحوّل إلى أسهم عادية. وأضافت أن كوداك حصلت على موافقة المساهمين لإصدار أسهم جديدة في مايو الماضي، وأن لجنة التعويضات وافقت على الخيارات "في أول اجتماع لها منذ الاجتماع السنوي لحاملي الأسهم"، والذي عُقد في 27 يوليو. وفيما قالت باتريك إن قيمة الأسهم قد تتغيّر قبل أن يستخدم كونتيننزا حقوقه للتصرّف بالأسهم، علماً أنه مخول تنفيذ بعض الخيارات فوراً، أكّدت أن لا نيةَ لدى الرئيس التنفيذي، الذي يعدّ أكبر مساهم فردي في الشركة، في بيع أسهمه.

فرص نجاح كوداك وتصوّرات المتداولين

وبالعودة إلى تاريخ كوداك وأدائها الضعيف في السنوات الماضية، والقفزة التي حقّقتها أخيراً بفضل الصفقة الحكومية، تبرز معضلة أخرى، متعلّقة بتصوّرات المتداولين لمستقبل الأسهم. ففي غضون أسبوع، ارتفعت القيمة الإجمالية لكوداك من نحو 100 مليون دولار، إلى نحو مليار دولار، في وقت لا يرى محللون اقتصاديون مبرّراً لهذه القفزة.

وفي هذا السياق، يرى الكاتب في "بلومبرغ" ماكس نيسن، أن كوداك تحاول دخول سوق سلع منخفضة الهامش من دون أي ميزة خاصة خارج إطار السياسة الصناعية للإدارة الأميركية الحالية، والهادفة إلى تقليص الاعتماد على سلاسل التوريد الأجنبية، مضيفاً أنه ما لم تستمرّ الحكومة في سياسة الدعم المالي، من الصعب أن تحافظ الشركة على تقييمها المرتفع.

كما يشير نيسن إلى أن إعادة الإنتاج الصيدلاني إلى الولايات المتحدة، عملية تستغرق وقتاً وتتطلّب أكثر من بضعة قروض. كما أنه من المرجّح أن تكون الأدوية الأميركية غالية السعر بالمقارنة بالمنتجات الأجنبية، لا سيما في غياب الصدمات الشديدة والنادرة في سوق هذه المواد، وهو أمر عانت منه أساساً الشركات الأميركية المصنعة للأدوية. ويستبعد نيسن كذلك أن تساهم كوداك في إنتاج مواد مستخدمة في صناعة أدوية لمعالجة كوفيد-19، لا سيما هيدروكسيكلوروكين، الذي أثبتت دراسات عدة عدم فعاليته في مكافحة الفيروس.

الفرصة الذهبية؟

وبناءً عليه، ليست واضحة دوافع المقبلين على شراء أسهم كوداك بهذا الشكل الهائل وتصوّراتهم لمستقبل الشركة، لا سيما أنه لا يزال أمامها تحديات عدة، على الرغم من تأكيد رئيسها التنفيذي أنها ستوفّر "أفضل جودة بأدنى سعر".

وعموماً، ليست كوداك الشركة الوحيدة التي انتقلت من عالم معدات التصوير والكاميرات إلى قطاع إنتاج الأدوية، فقد سبقتها شركة "فوجي فيلم" اليابانية، التي باشرت العمل على لقاح محتمل لفيروس كورونا وتأمل في بدء التجارب السريرية عليه قريباً. كما تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى دخول عمالقة مصنعي السيارات في بداية أزمة كوفيد-19، عالم صناعة المعدات الطبية، في ظل النقص الحاد في أجهزة التنفس الاصطناعي. فإما تكون صفقة كوداك الحكومية نسمة صيف عابرة، أو الفرصة الذهبية.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة