Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دم الحريري أخرج جيش الأسد من لبنان

القرار 1559 ما كان ليطبق لولا اغتيال رئيس الوزراء

في الثاني من سبتمبر (أيلول)عام 2004 أصدر مجلس الأمن قراراً دولياً حمل الرقم 1559 طالب جميع القوات الأجنبية المتبقية في لبنان بالانسحاب، ودعا إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها.

في 14 شباط (فبراير) 2005، أي بعد ستة أشهر على القرار الدولي، أُغتيل رئيس الحكومة رفيق الحريري.

بعد اغتياله بشهرين، وعلى أثر اتهام فريق من اللبنانيين النظام السوري بارتكاب الجريمة، خرج الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل (نيسان) 2005، بعدما كان دخله عام 1976 تحت ذريعة وقف الحرب في لبنان، فتحول إلى "محتل" سيطر على مدى تسعة وعشرين عاماً على النظام اللبناني وقراراته السياسية والأمنية.

هل كان الانسحاب السوري ليتم لولا اغتيال الحريري؟ أم أن الانسحاب تم بفعل القرار الدولي 1559 الذي كان ليصل في النهاية إلى إنهاء الوصاية السورية على لبنان؟

النائب مروان حمادة، وهو الضحية الأولى لرفض القرار 1559، إذ كانت محاولة اغتياله فاتحة الانفجارات التي استهدفت نواباً وسيايين وإعلاميين من المناهضين للنظام السوري، المنضوين في ما كان يعرف بثورة الأرز. يقول حمادة إن "اغتيال الرئيس الحريري أعطى الزخم لتنفيذ القرار 1559، على الأقل في ما يتعلق ببند الانسحاب". فاغتيال الحريري، يتابع حمادة لـ "اندبندنت عربية"، "كان لمنع تنفيذ القرار الدولي. دماء رفيق الحريري هي التي أدت إلى انسحاب الأسد من لبنان"، مذكّراً بالكثير من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ولم تنفذ حتى الآن".

المطالبة بالانسحاب السوري بدأت من بكركي

عام 2000 شهد لبنان على نداء بكركي الشهير الداعي إلى الانسحاب السوري. تبلورت معارضة داخلية، بدأت مسيحية في إطار ما كان يعرف بلقاء قرنة شهوان، وتحولت تدريجاً إلى وطنية ضمت في صفوفها دروزاً وسنة وشخصيات شيعية مستقلة، استندت إلى نداء المطارنة الموارنة للعمل على تحقيق مطلب الانسحاب السوري من لبنان. كان الحريري على علاقة جيدة مع الرئيس حافظ الأسد، إلا أنها لم تكن كذلك مع بشار الأسد، الذي وفق حمادة، أحاط نفسه بما عرف بـ"خلية العلوية" التي كانت تكره الحريري ووليد جنبلاط ونبيه بري، بعدما ساهمت في إبعاد الزعماء المسيحيين إما من خلال السجن أو المنفى.

شكلت الانتخابات النيابية عام 2003 مفصلاً مهماً في تاريخ العلاقة بين بشار الأسد والحريري. فالأخير، الذي تمكن من الفوز بمعظم المواقع النيابية السنية إضافة إلى عدد من النواب المسيحيين، كان بدأ يكرس شيئاً فشيئاً زعامته الداخلية المعطوفة على شبكة علاقات خارجية عربية وغربية استفاد منها للعمل على تقوية الوضع الاقتصادي اللبناني. الأمر الذي لم يعجب نظام الأسد وحليفه في لبنان.

وفي الداخل، نجح الحريري في تأمين شبكة آمنة مستقلة عن حلفاء دمشق في لبنان، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود، الذي لم تعرف العلاقة بينه وبين الحريري أياماً طيبة.

الأسد اتهم الحريري بالانقلاب عليه

عاش الرئيس الحريري عام 2004 هاجس التجديد لرئيس الجمهورية إميل لحود لولاية ثانية، ووظف علاقاته وقدراته العربية والدولية وحتى السورية، من القادة السوريين الذين كانت تربطه بهم علاقة جيدة أمثال عبد الحليم خدام الذي تولى لفترة خلال عهد حافظ الأسد ملف العلاقات اللبنانية السورية، وظف كل هذه العلاقات لإقناعهم بعدم التجديد للحود، ولم ينجح.

يذكر النائب السابق فارس سعيد، أحد المؤسسين للقاء قرنة شهوان والمنسق السابق لثورة الأرز، أن "الرئيس الحريري بقي على مسافة من المعارضة المسيحية للوجود السوري في لبنان، ولم يتجرأ على اتخاذ موقف علني يزعج السوريين، على أمل عدم التمديد لغريمه أميل لحود".

في يوليو (تموز) 2004، قبل شهرين من التمديد للحود لثلاث سنوات إضافية، عقدت في النورماندي الفرنسية قمة بين الرئيسين الفرنسي جاك شيراك والأميركي جورج بوش الابن، كانت مخصصة للبحث بمسائل تهم البلدين، وإذ بلبنان ومن خارج السياق يحضر في توصيات القمة. فقد دعا الرئيسان بوش وشيراك إلى احترام الدستور اللبناني وانتخاب رئيس جديد للبنان. إعلان النورماندي أغضب السوريين الذين اتهموا الحريري بالوقوف وراءه، نظراً لعلاقة الصداقة التي تربطه برئيس فرنسا، فعمدوا إلى تجنيد مجلس النواب اللبناني وحلفائهم فيه لعقد جلسة تشريعية لتعديل المادة الدستورية 64 لإعطاء الغطاء الدستوري للتمديد للحود.

الأسد للحريري: "إما التمديد أو منكسر لبنان على رأسك"

استُدعي الرئيس الحريري إلى دمشق لإبلاغه بأن قرار التمديد للحود قد اتخذ، وعليه الانصياع والتصويت مع كتلته لمصلحة التمديد في مجلس النواب، وإلا "بكسر لبنان على رأسك ورأس اللبنانيين"، قال الأسد للحريري.

يذكر سعيد تلك الليلة عندما التقى الحريري في منزله في فقرا بعد عودته من دمشق، كاشفاً لـ "اندبندنت عربية" أن الرئيس الحريري كان متجهم الوجه عندما قابله بحضور بعض المستشارين وقال له "هودي مجانين عمبيتصرفوا كأنو المالك بملكه، لقد طلبوا مني التمديد وأنا سأصوت لمصلحته".

أبلغ سعيد الحريري أن نواب قرنة شهوان سيستمرون في رفض التمديد، وغادر، ولم يكن قد ابتعد عن فقرا حتى تلقى اتصالاً هاتفياً من مستشار الحريري هاني حمود يبلغه فيه البقاء في المنطقة للعودة إلى لقاء الحريري مساء. وبالفعل، عاد سعيد إلى منزل الرئيس الحريري الذي كان وحده هذه المرة، فشجعه على المضي بقرارهم الرافض التمديد وقال له "لن أتمكن من التصويت ضد التمديد لكن جنبلاط سيفعل ومعه كتلته النيابية، وبعد التمديد منحكي".

في 3 سبتمبر 2004 مدّد مجلس النواب للحود بأكثرية 96 نائباً ومعارضة 29، كان ذلك بعد يوم واحد من إقرار القرار 1559 في مجلس الأمن.

التمديد للحود، كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، بين الحريري ونظام الأسد. بدأ الحريري الانتقال تدريجاً إلى المعارضة، وكانت أولى علامات انتقاله، رفضه تشكيل حكومة لا يشارك فيها ممثلون عن قرنة شهوان، بعدما كان عقد اتفاقاً مع فارس سعيد وسمير فرنجية يقضي بأن ترفض المعارضة المسيحية الممثلة بلقاء قرنة شهوان الدخول في أي حكومة، وأن يذهبا معاً إلى انتخابات نيابية وبالقانون الذي يريدونه.

فهم السوريون الرسالة وأدركوا أن جبهة معارضة وطنية بدأت تتكون ضدهم. يقول النائب حمادة "قتل الحريري لأن النظام السوري وحلفاءه في لبنان، وفي مقدمهم حزب الله، أدركوا أن الانتخابات النيابية ستنتهي بانتصار مدوٍّ لمعارضي سوريا ومن كل الأطياف اللبنانية، وبالتالي فإن مشروع ما يسمى الممانعة سيسقط في لبنان".

ويكشف سعيد أن "النظام  السوري حاول منذ ذلك الحين الانفتاح على ميشال عون الذي كان منفياً في فرنسا، تمهيداً لخرق جبهة المعارضين في الداخل، ونجح في تحقيق ذلك".

بعد 15 عاماً على الاغتيال

بعد مرور 15 عاماً على الاغتيال، يشير حمادة إلى "حزب الله" كوريث للنظام السوري في لبنان. ويقول إن "وراثته التركة السورية ترسخت منذ لحظة تسلمه المواقع التي كان يشغلها جيش النظام".

أما سعيد فيتوقف عند أحداث ثلاثة، ويقول "شهد عام 2004على نهاية ياسر عرفات وصدام حسين وعام 2005 اغتيال الحريري. والمقصود كان إزالة ثلاثة حواجز سنية، بحيث يفسح غيابهم بتمدد الاندفاعة الشيعية في المنطقة. وهذا ما حصل. وصلت إيران إلى البحر المتوسط لتصبح لاعباً فاعلاً مؤثراً في شؤون لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وحتى فلسطين المحتلة". 

المزيد من العالم العربي