Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التوتر الحدودي بين لبنان وإسرائيل يقتحم السجال حول الحياد

تطبيق النأي بالنفس عن أزمات المنطقة يتطلب انسحاب "حزب الله" من سوريا

خبير متفجرات من الجيش اللبناني يتفقد قذيفة غير منفجرة في أحد منازل بلدة الهبارية الجنوبية جراء القصف الإسرائيلي (أ ف ب)

ترك تأييد وزير الخارجية الفرنسي دعوة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى الحياد أسئلة كثيرة في لبنان، بالتزامن مع تسجيل الوسط السياسي اللبناني الأهمية القصوى لإعلانه أن فرنسا "تشاطر البطريرك تماماً هذه الرسالة". لكن التوتر الذي شهدته الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية وتصاعد إلى قصف مدفعي إسرائيلي، منذراً بمخاطر انفلات الوضع على الحدود، اقتحم السجال حول مسألة الحياد، فاعتبر مراقبون أن ما حصل نهار الاثنين 27 يوليو (تموز) الحالي، خدم "الحزب" في موقفه المعارض بشدة للحياد بحجة أن إسرائيل عدو وأن سلاحه رادع لها، (على الرغم من أن الراعي استثنى العداء لإسرائيل من دعوته للحياد)، فاستنفر قواته ضد الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية بعد تهديده بالانتقام لمقتل أحد عناصره في غارة للطيران الإسرائيلي على محيط مطار دمشق في سوريا يوم الاثنين 20 يوليو، فردت إسرائيل بقصف مناطق في محيط منطقة مزارع شبعا وتحديداً في خراج بلدة الهبارية. وأعاد "حزب الله" بذلك استنفار أنصاره وجمهوره وحلفائه حوله في مواجهة فكرة الحياد.
 

الاشتباك على الحدود سببه المواجهة في سوريا

إلا أن أصحاب وجهة النظر المؤيدة للحياد رأوا في ما حصل جنوباً، نموذجاً عن سياسات "الحزب" التي تجر لبنان إلى مواجهات ومخاطر لا قرار له فيها، إذ إن التوتر على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية حصل بسبب مقتل أحد عناصره في سوريا بغارة إسرائيلية جنوب دمشق، استهدفت مواقع مشتركة للفرقة الرابعة السورية ولميليشيات إيرانية من بينها "حزب الله" الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري وبأوامر إيرانية منذ عام 2012. بالتالي فإن الاشتباك لم يخدم معارضة "حزب الله" لفكرة الحياد التي طرحها البطريرك الراعي، والمقصود بها عدم التدخل في الحروب العربية، نظراً إلى انعكاساتها السلبية على لبنان واقتصاده.


استعراضية التوتر بين إسرائيل و"الحزب"

وبدا أن التوتر على الحدود أخذ منحى "استعراضياً" في ظل قرار من إسرائيل ومن إيران بعدم أخذ الأمور إلى حرب مع "حزب الله"، الذي بات محرجاً أمام أنصاره وجمهوره من عدم الرد على إلحاق الخسائر البشرية به جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على المواقع الإيرانية في سوريا حيث يوجد مع "الحرس الثوري" ووحدات من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد الذي بات رمزاً للنفوذ الإيراني داخل السلطة في دمشق. ويدرك "الحزب" أن جمهوره ولبنان لم يعد بإمكانهما احتمال الكلفة الباهظة للحرب، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية المالية الخانقة في لبنان، لكنه يحتفظ بورقة التهديد بالحرب في إطار المواجهة الإيرانية - الأميركية، إلى أن تحين ظروف التفاوض المحتمل بين الجانبين. وفي الانتظار يبقي على وجوده العسكري في سوريا وسائر الحروب التي تورطت فيها إيران. ومعادلة ردود الفعل المحدودة الوظيفة عسكرياً بين الجانبين، تفسر الطابع الاستعراضي للتوتر العسكري على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.
أما ما دفع مراقبين إلى وصف التوتر الذي حصل بـ "الاستعراضي"، كان البيان الذي صدر عن "حزب الله" رداً على إعلان الجانب الإسرائيلي أنه أحبط عملية للحزب في منطقة مزارع شبعا المحتلة، وأنه قتل وجرح 4 عناصر منه. فنفى بيان الحزب أن يكون نفذ أي عملية، واصفاً ما قاله الجانب الإسرائيلي بأنه "محاولة لاختراع انتصارات وهمية كاذبة"، متوعداً بأن الرد على مقتل عنصره في سوريا علي كامل محسن "آت حتماً". وعاد الجيش الإسرائيلي فرد بدوره بأن عملية الحزب "موثقة".
وقبل القصف الإسرائيلي لتلال بلدة الهبارية اللبنانية، قال مصدر عسكري لبناني لـ "اندبندنت عربية" إن "التوتر أقرب إلى تبادل الرسائل والمناورات بين الجانبين لأن أياً منهما ليس بوارد أخذ الأمور إلى الحرب".


رهن لبنان بالصراع الأميركي - الإيراني

إلى ذلك، فإن إبقاء لبنان معلقاً في إطار الصراع الإقليمي الدولي الذي شهد الأسابيع الماضية بعض مظاهر المواجهة، من القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية ومستودعات الأسلحة في سوريا، إلى اعتراض طائرات حربية أميركية لطائرة شركة "ماهان" التجارية للركاب (يديرها الحرس الثوري) في الأجواء السورية، والاتفاق الإيراني - السوري في مجال الدفاعات الجوية لسوريا، مروراً بعقوبات قانون "قيصر"، كان دافعاً رئيساً لطرح البطريرك الراعي مسألة الحياد. فوظيفة سلاح "حزب الله" باتت إيرانية بحتة منذ الانسحاب الإسرائيلي في عام 2000 وبعد دحر تنظيم "داعش" من جرود السفوح الشرقية على الحدود مع سوريا، ومكلفة على لبنان واقتصاده نتيجة إلحاقه بمشروع طهران في المنطقة، وإخضاعه البلد عبر نفوذه في السلطة وعلى رئاسة العماد ميشال عون لمقتضيات المواجهة التي تخوضها طهران مع واشنطن، سواء في سوريا أو في خصومتها مع دول الخليج العربي، التي أقفل "الحزب" باب لجوء لبنان إليها عند الأزمات لمساعدته على تخطيها.
والذين التقوا البطريرك الراعي بالتزامن مع التوتر الحدودي، لمسوا منه أنه مستمر بدعوته إلى الحياد، وأنه مرتاح إلى نتيجة لقائه بالوزير الفرنسي لودريان الخميس الماضي. وقال أحد الذين اجتمعوا بالراعي إنه الوحيد في لبنان الذي كان مرتاحاً إلى لقائه مع لودريان، مشيراً بذلك إلى اللهجة القاسية التي خاطب فيها الوزير الفرنسي كبار المسؤولين نتيجة إحجامهم عن القيام بما عليهم كي يحصل لبنان على المساعدة المالية التي تعينه على الخروج التدريجي من أزمته المالية الاقتصادية الحادة.
 

الحياد بقرار دولي وبطلب حكومي متعذر

وحرص لودريان على القول إنه يعتبر أن دعوة البطريرك الراعي إلى "الحياد الإيجابي الذي يعني بالنسبة إليّ - وهذه هي الرسالة التي تكررها فرنسا- النأي بلبنان وبسيادته وبسلامة أراضيه عن الصراعات الإقليمية والتأكيد على قوة لبنان، وهويته وسلامة أراضيه".
وتعددت القراءات في الأوساط الإعلامية والسياسية اللبنانية لما أعلنه لودريان. منهم مَن اعتبر أنها مقدمة لأن تحمل فرنسا مطلب البطريرك إلى المنتديات الدولية خصوصاً أن رأس الكنيسة المارونية طلب أكثر من مرة أن تتولى الأمم المتحدة "تثبيت حياد لبنان"، مع ما يعنيه ذلك من بحث المسألة على مستوى مجلس الأمن، الأمر الذي يتطلب أن تقوم بذلك جهة دولية نافذة مثل فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن. لكن ذلك يصطدم بعدم وجود قرار من الحكومة اللبنانية لطرح الأمر على الأمم المتحدة. إلا أن أوساطاً ديبلوماسية فرنسية استبعدت لـ "اندبندنت عربية" أن تكون هناك مبادرة لدى باريس لنقل مطلب الحياد اللبناني إلى الأمم المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لودريان والنأي بالنفس

أما القراءة الثانية فهي التي تدعو إلى الأخذ بحرفية ما قاله لودريان، أي النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية، أي وقف تدخل "حزب الله" في حروبها، من دون إعلان لبنان دولة محايدة عبر الأمم المتحدة. فهذا أمر متعذر لأن الحكومة غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن طلب ذلك من مجلس الأمن، لا سيما إذا كان المقصود عدم التدخل في الحروب العربية، لأن "حزب الله" يعارض أي توجه من هذا النوع. وشنّ مناصرو الحزب هجوماً عنيفاً على الراعي وكذلك فعل رجال دين شيعة رداً على مبادرته، تحت عنوان أن لا حياد في مواجهة إسرائيل، على الرغم من أن البطريرك أكد في كل بياناته أن الحياد الذي ينادي به لا يشمل إسرائيل وحقوق الشعب الفلسطيني وأن على لبنان أن يبقى إلى جانب الحق. لكن "الحزب" يدرك أن الذهاب بدعوة الحياد إلى أهدافها سيؤدي في نهاية المطاف إلى طرح مسألة سلاحه وحصر قرار الحرب والسلم مع إسرائيل بيد الدولة عبر استعادة النقاش حول استراتيجية لبنان الدفاعية، وكيفية الإفادة من سلاحه بوضعه تحت إمرة الدولة اللبنانية. وهو يسعى عندما يُحرج إزاء ذلك، إلى التمييز بين موقف الحكومة وبين توجهاته الإقليمية على الرغم من تسببها بعزلة لبنان عن الدول العربية. ولذلك صرح وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي "أننا نعول على المجتمع الدولي والدور العربي لحفظ أمن لبنان وأؤيد سياسة الحياد الإيجابي ولا نريد الدخول في محاور هنا وهناك ولا نتدخل في شؤون دول أخرى". لكن الدول العربية والغربية لم تعد تكتفي بالمواقف الحكومية لأنها لا تلزم "الحزب" الذي يتصرف بعكسها.

التنازل المطلوب

وإزاء الفرق بين تكريس الحياد دولياً مثلما هو حاصل مع دول عدة في العالم، مثل سويسرا والنمسا وفنلندا والسويد وغيرها، فإن تحديد مفهوم الحياد بـ "النأي بالنفس" الذي أيده زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري حين زار الراعي متضامناً مع اقتراحه، ترى الأوساط المرافقة لمبادرة البطريرك أنه أطلق صرخة تمرد وغضب رافضة رهن لبنان لـ"محور الممانعة" تتطلب الإنضاج التدريجي على الأصعدة الداخلية والعربية ثم الدولية. وبات خروج لبنان من العزلة التي هو فيها، نتيجةً للمسار الذي أخذه إليه "حزب الله"، تتطلب منه تنازلات تتظهر بالانسحاب من أزمات المنطقة، بدايةً بانسحابه من سوريا، الذي بات مطلباً أميركياً ودولياً يوفر على البلد الكثير. لكن المطالبة بهذا الانسحاب، دونها قرار إيراني لا مجال لتنفيذه من دونه.

المزيد من الشرق الأوسط