Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بأي حال يعود "النوروز" على الأكراد؟

تحوّلت هذه المناسبة في إيران إلى أداة لصهر الخصوصية الكردية ونكرانها من نظيرتها الفارسية.

لم ترتبط صورة الأكراد وقضيتهم طوال القرن العشرين بشيء مثلما ارتبطت بمناسبة النوروز والاحتفال به. فقد كان الإصرار المُستميت من قِبل الأكراد على الاحتفال بالنوروز في الدول الشرق أوسطية الأربع التي يوجدون فيها، بمثابة الكفاح الرمزي المناهض لحالة النكران المادي والسياسي والثقافي لوجود الشعب الكردي في هذه الدول. 
تختلف احتفالات أكراد المنطقة بمناسبة النوروز من دولة إلى أخرى، وإن كانوا جميعاً يُشعلون مواقد النار في الساحات العامة في مختلف المناطق ليلة الاحتفال، في الـ 20 من مارس (آذار). 
ففي سوريا يخرج الأكراد في تجمعات كبيرة إلى الطبيعة، ينصبون الخيم ويعدّون الأطعمة في منطقة التجمع ذاتها وتُعرض المسرحيات وتلقى الخطب لنُخب الأحزاب السياسية، كما تُعقد الدبكات والرقصات الكردية التقليدية.


في العراق يحتفل الأكراد بالنوروز لأيام عدة، تقوم خلاله المؤسسات والمُنظمات المدنية بالاحتفال داخل المُدن، بإضاءة مشاعل النيران في التجمعات وإحياء الحفلات الموسيقية في الشوارع السكنية والقاعات العامة. وتشهد هذه الاحتفالات عودة عشرات الآلاف من المُغتربين الأكراد.
في إيران تتشابه الاحتفالات بمثيلاتها في سوريا، مع الخضوع لمعايير السُلطة الثيوقراطية التي تمنع مختلف أنواع الدبكات والرقصات، إذ تعتبر الاحتفالات والبهجة والاختلاط طعناً بهويتها وصورتها العمومية. 


في تُركيا، وبعد عقود طويلة فشلت فيها القواعد الاجتماعية الكردية من فرض نمط الخروج إلى الطبيعة للاحتفال بهذه المناسبة، يجتمع المحتفلون في ساحات المُدن الكُبرى، وتقام احتفالات مركزية، مضبوطة ومُراقبة من عشرات الآلاف من القوات الأمنية التُركية، وفي مرات غير قليلة تتعرض للفضّ بالقُوة، حينما لا تلتزم دفتر الشروط الكبير الذي تفرضه السُلطة على المُشرفين على الاحتفالات. 
 


قمع سياسي
وفي العراق مثلاً، ومُنذ العهد الملكي، الذي كان يوصف بأنه ديمقراطي، كانت السُلطات المركزية العراقية تقمع احتفال الأكراد بهذه المناسبة، باعتبارها ضرباً للوحدة القسرية التي تفرضها على عموم الشعب العراقي، وهذه السياسة العراقية كانت متّبعة مع كل الإيزيديين والصابئة والآشوريين. 
وبعدما نجح الأكراد في العراق في فرض الحُكم الذاتي على السُلطة المركزية في العام 1970، بدأ اعتبار النوروز مناسبة موسيقية فلكلورية من ضمن هوية العراق التاريخية، من دون أي إشارة إلى خصوصيته لأبناء القومية الكردية، الرافضين هوية العراق العربية- البعثية، التي كان النظام السياسي يفرضها على المُجتمع العراقي بمكوناته كافة. مُنذ العام 2003 تغيرت الأمور جذرياً، وأصبح النوروز عيداً وطنياً لكل العراقيين، ويوم عطلة رسمية.


في إيران، وإن بالغت السلطات في الاحتفال بهذه المناسبة، حين تمتد العطلة لقُرابة الأسبوعين، إلا أنها كانت تقوم بالفعل نفسه من تضييق على المكوّن الكردي.
فالسلطات تعدُّ هذه المناسبة فارسية، والمُحتفلون بها من أبناء بقية القوميات غير الفارسية، كالأكراد والأذريين والبشتون، أنما يُثبتون بذلك تابعيتهم للأمة الفارسية. وهكذا تحوّل النوروز في إيران أداة لصهر الخصوصية الكردية ونكرانها من نظيرتها الفارسية. 
في سوريا، خصوصاً مع حُكم القوميين العرب مُنذ الوحدة السورية المصرية في العام 1958، فإن رفضاً مُطلقاً كان يطاول محاولة الأكراد السوريين الاحتفال بمناسبة النوروز، إلى أن خرجت تظاهرة كُردية شهيرة ونادرة في مدينة دمشق صباح الـ 21/03/1986، استشهد إثرها شاب كُردي يُدعى سليمان آدي. الأمر الذي دفع النظام إلى إعلان 21 مارس (آذار) من كُل عام عطلة رسمية، لكن بمُناسبة عيد الأم! وغض النظر النسبي عن احتفال الأكراد السوريين بمناسبة النوروز، تجنباً للتصعيد في الداخل السوري. 


أما في تُركيا، فالنوروز بطقوسه كافة، من سرديته الأسطورية إلى اللغة والأغاني والموسيقى والرقصات والأعلام التي يرفعها المُحتفلون، كانت بمُجملها تناقض العقيدة القومية التي قامت عليها الدولة.
لم تتغيّر حساسية السُلطات التُركية تجاه مناسبة النوروز، على الرُغم من محاولتها الإيحاء بأنها مناسبة ثقافية خاصة بجميع شعوب آسيا. فهي تُحذر الأكراد كُل عام من الترويج لشعارات سياسية أثناء الاحتفال، وتضع أمامهم العراقيل. والعام المنصرم اعتقلت السُلطات وفداً سياسياً فرنسياً كان يعتزم مشاركة أكراد مدينة ديار بكر بالمناسبة، كذلك أمرت الفصائل السُورية المُعارضة بمنع الاحتفال بالمناسبة في منطقة عفرين الكردية السورية، حيث القوات التركية وفصائل سورية موالية لها.
 


طاقة تاريخية
تستمد مناسبة النوروز طاقتها من جذر أسطوري حكائي، وعلاقة الشعوب القديمة في المنطقة بدورة الحياة، حيث كانت هذه الشعوب تعي أن هذا اليوم هو يوم الاعتدال الربيعي، حيث تتساوى ساعات النهار بالليل. 
في الذاكرة الجمعية الكردية، فإن حكاية كاوا الحداد الأسطورية هي الأكثر حضوراً وارتباطاً بمناسبة النوروز. تلك الأسطورة التي تقصّ حكاية "كاوا الحداد" الذي كان يعمل عند ملك ظالمٍ اسمه الضحاك، الذي كان يطلب كُل ليلة أن يذبح له هذا الحداد شابين ليتداوى بهُما، إلا أن هذا الأخير كان يقتل شاباً واحداً ويُرسل الآخر إلى أعالي الجبال، حتى صار الشباب المُرسلون إلى الجِبال جيشاً كاملاً، حينذاك قام كاوا الحداد بقتل الملك الضحاك، وأشعل الشبان النيران على الجبل معلنين الثورة على الطُغيان.   


بقيت هذه الحكاية حيّة وحاضرة في الذات الجمعية بمزيج من البساطة والوجدانية التي في داخلها، فهي تشكل ترميزاً قصصياً لثنائية الطُغيان ومناهضته.
ويبقى النوروز حاضراً في الذات الجمعية لأبناء الشعب الكردي، ومعهم الكثير من أبناء المنطقة، الذين رُبما يختلفون مع الأكراد في كثير من الأشياء، لكنهم يُشاركونهم في المعاناة من الطُغيان ونكران تراثهم.  
 

المزيد من تحقيقات ومطولات