Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحروف العربية تضيء ليل الجزائر في ساعات الحظر

 تكوينات حروفية يرسمها حمزة بنواه بالضوء في الشورارع والميادين الخالية

رسم الحروف العربية بالضوء في ليل الجزائر (اندبندنت عربية)

تسببت حالة الإغلاق من جراء وباء كورونا بتوقف معظم الأنشطة الثقافية والفنية حول العالم. غير أن هذا الشلل التام الذي أصاب الأنشطة الثقافية لم يثن بعض الفنانين عن المساهمة بأفكار ومشاريع خلاقة تتجاوز حالة العزل التي يعيشونها. بين هؤلاء يأتي الفنان الجزائري حمزة بنواه، الذي أعلن أخيراً عن مشروعه "حروف الجنة" المُستلهم من أجواء العزل. في هذه التجربة الجديدة يتجول بنواه ليلاً خلال ساعات الحظر بين الشوارع والميادين في الجزائر العاصمة ليرسم حروفاً بالضوء في فضاء المدينة الخالية من المارة. استعان الفنان في صوغ تكويناته المضيئة تلك بإحدى تقنيات الفوتوغرافيا التي تسمح بمرور بطيء للضوء عبر عدسة الكاميرا، وحينها تستطع تسجيل الحركة التي يتخذها الضوء المتحرك في الفراغ.

بدت التشكيلات المرسومة في فضاء المدينة الخالية كنُصُب تذكارية تتماهى مع حالة السكون المخيمة على المشهد وتبث أجواءً من الروحانية في المكان. هذه الأشكال التي يرسمها بنواه بالضوء قابلة كما يقول لأن تتحول إلى واقع حقيقي كي تزين شوارع وميادين المدينة وتضفي عليها رونقاً جمالياً. يؤمن بنواه أن الفنان عليه أن يتفاعل مع الظرف العام بحنكة ليخرج بأفكار خلاقة تتجاوز الممارسات التقليدية، ولا يظل حبيس محترفه، فإذا كانت أجواء الحجر الصحي تحول دون وصول الناس إليه، فعلى الفنان أن يسعى إلى ذلك بطرق مبتكرة. بهذا المشروع يضرب الفنان حمزة بنواه عصفورين بحجر واحد كما يقال، فهو يصل بفنه للجمهور، وفي الوقت نفسه يُبرز جماليات المدينة ويضفي عليها رونقاً مختلفاً.

 

بالتزامن مع تجربته "حروف الجنة" يعرض الفنان الجزائري أعماله حالياً على منصة "أرت سي" الافتراضية للفنون تحت عنوان "إعادة التشكيل". يضم المعرض مجموعة من الأعمال التي تعكس تجربة بنواه مع الحرف العربي، فهو يعد واحداً من أبرز الفنانين العرب المعاصرين الذين يستلهمون الحرف العربي في أعمالهم. تقف تجربة بنواه في مسار طويل وممتد من التجارب المُلهمة التي رسخت لذلك الوجود المؤثر للحرف العربي في كثير من أعمال الفنانين العرب المعاصرين. لقد تأكدت القيمه الجمالية للحرف العربي فى وجدان الحركات الفنية المعاصرة في أشكال عدة وصياغات لا حصر لها. بين كل هذه التجارب الكثيرة هناك محاولات قليلة هي التي اعتمدت في بنائها ومضمونها البصري على المعالجات الحروفية وحدها من دون سواها. تقف تجربة بنواه بين هذه التجارب القليلة التي اعتمدت على الحرف العربى كركيزة أساسية في بناء العمل الفني. ويأتى معرضه المقام حالياً على منصة "أرت سي" ومشروعه "حروف الجنة" كحلقة في سلسلة تجاربه الممتدة في استلهام الحروف العربية.

الحروف في الساحة

في أعمال بنواه يتصدر الحرف العربي مشهد العمل من دون سواه، هو بطل المساحة المرسومة بلا منازع، وليس مجرد عنصر مشارك في صوغ البناء البصري للعمل الفني. يحمل الحرف العربي في أعمال بنواه جمالياته الخاصة، هو هنا أشبه بحالة موسيقية تستطيع الاستمتاع بها إذا ما أرهفت حواسك وتفهمت طبيعة هذه التكوينات كنسق جمالي. هو لا يرسم هنا هيئة الحرف أو يسعى إلى تشكيل الكلمات، بقدر ما يحاول الاقتراب من روح الكتابة نفسها وطبيعة هذه الأحرف المُنسابة والزاخرة بالأسرار.

 

ما يميز تجربة بنواه هو بحثه الدؤوب عن صياغات ووسائط مختلفة تحمل روح الحرف بانحناءاته وتحرره وانسيابيته المعتادة، فيضعه تارة على مساحة الرسم، أو يسعى لتشكيله على هيئة مُجسمات، أو ربما نراه أحياناً يتدلى كقلادة مرسومة من عنق حسناء. هو شغف بالحرف العربي يتردد صداه عبر مئات الصيغ والمعالجات التي يقدمها الفنان. يرسم بنواه حروفه الذائبة في الفراغ، ويصنع من الكلمات والحروف أشكالاً وكائنات تتناغم انحناءاتها مع ليونة الخطوط ومرونتها. تتميز هذه المعالجات الحروفية التي يقدمها الفنان باستلهامها للحركة والضوء والزمن في آن، وفي علاقات بصرية تتشابك في جانب منها مع الموروث، وتتقاطع كذلك مع العديد من القضايا والإشكاليات الاجتماعية والفنية الراهنة.

حمزة بنواه من مواليد عام 1979 درس الفن في معهد الفنون الجميلة في الجزائر، وعرضت أعماله في العديد من الدول العربية والدولية كالأردن ولبنان والإمارات والبحرين ونيويورك وكندا والبرازيل والمملكة المتحدة، وحصل على عدد من الجوائز عن مشاركاته الفنية، بينها جائزة فنون البحر الأبيض المتوسط، وجائزة الخرافي للفن العربي المعاصر. وهو مدير ومؤسس ديوانية الفن بالجزائر، وهي مساحة فنية وخدمية تعنى بأعمال وتجارب الفنانين الجزائريين والعرب.

المزيد من ثقافة