Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"صافر"

شركات النفط العالمية وغيرها ستتحاشى الاستثمار في اليمن بعد الانفجار

انهيار "صافر" في البحر الأحمر يماثل في الأهمية التاريخية انهيار سد مأرب (مواقع التواصل)

قالوا "ما في الدار من صافر" أي خاوية ليس فيها أحد. وهذه هي حال "صافر"، خزان نفطي عائم، ليس فيه أحد. ولكن على عكس ما قيل في اللغة عن كلمة "صافر"، "صافر" اليمني محطّ أنظار العالم ومركز اهتمام الأمم المتحدة وعدد كبير من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والصين. وعلى عكس ما قيل في اللغة من أن "صافر" هو طائر يعلّق رجليه بالغصن وجسمه مدلّى إلى الأسفل كي لا ينام فيُمسَك، فإن "صافر" اليمني قد "مَسَكَ" العالم من رقبته!

غداً سيجتمع مجلس الأمن الدولي لتتباحث الدول الأعضاء في حلٍ لمشكلة "صافر"، قبل أن تتحول هذه المشكلة إلى كارثة، تتحدث عنها كتب التاريخ.

فانهيار "صافر" في البحر الأحمر يماثل في الأهمية التاريخية انهيار سد مأرب، وسيشكّل منعطفاً تاريخياً ليس في تاريخ اليمن فقط، وإنما في تاريخ المنطقة.

ما هو "صافر"؟

"صافر" هو خزان نفطي عائم شبه ثابت في المياه اليمنية العميقة بالقرب من ميناء الحديدة، ومحطة تصدير للنفط. بدأ حياته كناقلة نفط عملاقة بعد الانتهاء من تصنيعها في اليابان عام 1976 من قبل شركة هيتاشي زوسين تحت اسم "إسو اليابان". اشتُريت لصالح اليمن عام 1986 وأرسلت إلى كوريا الجنوبية لتحويلها إلى خزان عائم بهدف تصدير النفط الآتي من مأرب.

وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قد أعلن في نهاية 1984 اكتشاف حقلَيْ نفط في منطقة مأرب، وأنه سيتم التصدير خلال عامين.

وكانت شركة هنت أويل الأميركية التي تتّخذ من دالاس، تكساس، مقرّاً لها، هي التي اكتشفت النفط في المنطقة، حيث أعلنت الاكتشاف الأول في صيف 1984.  

وسبب الحاجة إلى "صافر" يعود إلى ضحالة الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر التي لا يمكن لناقلات النفط المجيء إليها، فكان الحلّ ببناء منصة عائمة من باخرة ضخمة وتركيزها وسط البحر في المياه العميقة ووصلها بالميناء بأنبوب نفط.

أما النفط، فيأتي عبر أنبوب مأرب - رأس عيسى، الذي يجلب النفط إلى المنطقة.

أما سبب التسمية "صافر" فيعود إلى اسم الشركة المالكة "شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج"، وهي مملوكة من شركة النفط والغاز اليمنية الحكومية.

وصافر هي أكبر شركة منتجة للغاز في اليمن تاريخياً وثاني أكبر شركة منتجة للنفط. وقد يكون سبب التسمية هو اسم الحقل في المربع 18.

ما مشكلات "صافر"؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي؟

كما ذُكر أعلاه، فإن "صافر" عبارة عن منصة تخزين وتصدير، نواته ناقلة نفط ضخمة. تحتوي على 34 خزاناً وبقدرة استيعابية تصل إلى 3 ملايين برميل. 

كان "صافر" يحتوي على 1.14 مليون برميل من النفط الخام عندما سيطر الحوثيون على ميناء الحديدة في مارس (آذار) 2015، وما زالت هذه الكمية فيه حتى الآن.

هنا مشكلتان، أحلاهما مرّ! إما انسياب النفط، أو انفجار هائل، أو كلاهما. هذا يعني كارثة بيئية في المنطقة ستلحق بالبحر الأحمر وكائناته وشعابه المرجانية، وكارثة عالمية لأنه قد يؤدي إلى تباطؤ حركة السفن كون المكان قريباً من باب المندب، وكارثة اقتصادية للدول المجاورة إذا أدى إلى وقف أو إبطاء حركة موانئها، وكارثة إنسانية إذا أثر في محطات التحلية في المنطقة.  

نظراً إلى قدم "صافر"، وكونه من جوف واحد (كل حاملات النفط الحديثة ذات جوفين إذ إن هناك فراغاً بين جدار السفينة وجدار الخزانات داخل السفينة، يمنع تسرب النفط إذا ارتطمت السفينة بشيء ما) ووجوده في المياه المالحة سنوات من دون أي صيانة، فإنّ حديده يتآكل بسرعة، ما قد يسبّب انسياباً نفطياً كبيراً له نتائجه البيئية والصحية الوخيمة في المنطقة. 

أما الانفجار، فإنه يمكن أن يحصل بسبب أكسدة بعض المواد المتطايرة من النفط. النفط ذاته غير نشيط كيماوياً، ولكن تطاير بعض المواد من السطح وتأكسدها يولّد حرارة ومواد سريعة الاشتعال.

بالتالي، فإنّ أي احتكاك معدني بسبب الرياح أو حركة الأمواج، أو ارتطام أي جسم به، أو رصاصة طائشة، أو حتى البرق، يمكن أن تسبّب الانفجار والحريق.

الانفجار والحريق سيؤديان إلى تسرّب في كل الحالات، وستكون الأضرار كما ذُكر أعلاه. إلّا أنّ الحريق سيسبّب مشكلات أخرى لأن كمية النفط كبيرة نسبياً، وسُحُب الدخان الكثيف، مضرّة بيئيّاً وصحياً.

وقد يقول قائل، إذا كان موضوع الأكسدة أمراً طبيعياً، فهو يحصل في كل الخزانات وناقلات النفط في العالم، لماذا التركيز على "صافر"؟

الجواب نعم. هذه مشكلة عالمية وتحصل في كل مكان، لذلك تضخّ غازات غير نشطة كيماوياً لطرد الأوكسجين وتخفيض كميته إلى نسبة قليلة لا تسبّب هذه المشكلة، أو يتم الحفاظ على نسبة الأوكسجين تحت حدّ معين بطرق مخالفة.

المشكلة أن هذه العمليات لم يقم بها أحد منذ مارس 2015، بالتالي يُتوقع أن تكون الحرارة عالية، مع وجود كميات كبيرة من المواد السريعة الاشتعال.

من هنا، نجد أن التدخل الأممي مهمٌ، ما يتطلب تدخل الخبراء لضخّ غازات غير نشطة كيماوياً وطرد الأوكسجين والمواد السريعة الاشتعال، من دون أن تسبّب هذه العملية ذاتها كارثة أثناء عملية "الإنقاذ"! 

باختصار، عملية "الإنقاذ" ذاتها خطرة جداً وأي احتكاك معدني أو حتى تشغيل هاتف على متن "صافر" قد يؤديان إلى انفجار. حتى فكرة نقل "صافر" إلى مكان بعيد غير واردة لأن نقله بحدّ ذاته قد يسبّب تسرباً أو انفجاراً.

أما الاهتمام العالمي، فإنه يعود إلى أسباب بيئية بالدرجة الأولى لأن الأضرار ستكون كبيرة جداً، واقتصادية لأنه قد يؤثر في الملاحة في المنطقة.

لهذا وجدنا السفارة الصينية في اليمن تغرّد منذ أيام "نقلق على وضع خزّان صافر. إذا حدثت أي مشكلة لخزان صافر، سيلحق الضرر بحياة ومعيشة الصيادين اليمنيين والمدنيين في الساحل وسيؤثر في الملاحة البحرية وسيؤدي إلى التلوّث البحري الشديد. ندعو إلى اتّخاذ الإجراءات لإيجاد الحلّ قبل انفجار الأزمة". ما يهم الصين أمور عدّة، أبرزها "الملاحة البحرية" إذ إنّ سفنها وبضائعها إلى أوروبا والأميركتين تمرّ من البحر الأحمر!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لكن المشكلة أكبر وأعظم

على دول أوبك+ أن تتدخل بقوة لإنهاء خطر "صافر"، وهذا يتطلّب أيضاً مشاركة إيران وروسيا. كما أن على شركات النفط العالمية أن تتدخل وترسل خبراءها لإنهاء هذا الخطر، بأسرع وقت ممكن. 

وعلى الجميع أن يدركوا، بخاصة الحوثيين وحلفاءهم، أن الوقت لإلقاء اللوم وتصفية الحسابات السياسية قد فات. يجب أن يخرج "صافر" خارج المعادلات والحسابات السياسية لسبب بسيط: انفجار "صافر" وتسرّب النفط في البحر الأحمر سيكون حجة لكل أعداء النفط في العالم لتأكيد مواقفهم المعادية للنفط. وسيتم الضغط على حكومات الدول المستهلكة لتبنّي سياسات أكثر عداءً للنفط لصالح مصادر الطاقة المتجددة والبديلة والسيارات الكهربائية.

لقد رأينا كيف استخدمت مأساة ناقلة النفط التي كانت تملكها إكسون في "فالديز"، وتجييرها ضد النفط والدول المنتجة له، لدرجة أن انسياب فالديز يدرّس في المدراس الأميركية والأوروبية!

وعلى الحوثيين أن يدركوا أن الموضوع لم يعد موضوع تصفية حسابات سياسية واستخدام "صافر" كورقة ضغط، وليس بـ 40 مليون دولار قيمة النفط الموجود في بطن "صافر"، وإنما أكبر من ذلك لأن انفجار "صافر" سيرتبط باسم "اليمن" للأبد، كما أن شركات النفط العالمية وغيرها ستتحاشى الاستثمار في اليمن بضغط من المستثمرين، بالتالي، بغض النظر عَمَّن يحكم اليمن في العقود المقبلة، سيخسر البلد مليارات الدولارت بسبب فقد استثمارات أجنبية وعوائد نفطية. 

فموجة انسحاب المستثمرين من استثمارات النفط تتعاظم، وعلى الحوثيين أن يتذكروا كيف ضغطت المنظمات الأهلية والكنائس على المستثمرين لوقف استثماراتهم في شركات النفط العاملة في السودان، التي أُجبرت في النهاية على مغادرة البلاد.

أما دول الخليج، فعليها تجاهل تصفية الحسابات السياسية مع الحوثيين في ما يتعلق بـ "صافر" وتجنّب إلقاء اللوم، والمسارعة في حلّ المشكلة، ليس فقط لما ذُكر من قبل وسائل الإعلام والمحللين والكتّاب من أضرار بيئية وصحية واقتصادية وتهديد للأمن الاجتماعي بسبب محطات التحلية، وإنما أيضاً لتفادي موجة قوية جديدة من العداء للنفط ينتج منها تغير باتجاه سياسات اليسار المتطرّف التي تهدف إلى الاستغناء عن النفط. 

خلاصة الأمر، إذا تحوّل "صافر" إلى كارثة، فالكارثة على الجميع، حتى شركات النفط الأميركية والروسية والبريطانية والفرنسية والإيطالية والصينية والهندية! أما اليمن، فخسر البداية، وسيخسر في النهاية! وستحلّ كلمة "صافر" محل "السعيد"!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء