Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوق لتبادل النساء العاملات في المنازل بتونس يثير غضبا حقوقيا

القوانين والتشريعات الخاصة بحمايتهن موجودة لكنها غير مفعّلة

الندوة التي نظمتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حول عاملات المنازل في 29 يونيو الماضي (صفحة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات)

نزلت حادثة تبادل النساء بين السماسرة والعائلات والمؤجِر للتفاوض حول عملهنّ في المنازل في تونس، كالصاعقة على الناشطين في مجال حقوق الإنسان، إذ كشفت جهات حقوقية عن وجود هذه السوق في الشمال الغربي للبلاد، فأكدت منسّقة لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، لـ"اندبندنت عربية" أن "هذه الممارسات موجودة منذ زمن وتشمل كل الشرائح العمرية للفتيات منذ سن الثامنة فما فوق"، مضيفةً أن "التهميش والفقر يجبران الأهالي هناك على تشغيل بناتهم في سن صغيرة، ما يُعدُّ مخالفة صريحة للقانون".
وتابعت أنه "على الرغم من ترسانة القوانين الموجودة في تونس ومنع الإتجار بالبشر، إلّا أنّ عدم تطبيقها جعل المخالفين وأولهم أهالي الفتيات يجرمون في حقّ بناتهم اللواتي يعملن في ظروف قاسية ومهينة".
 

صفقات مهينة

كما كشفت الدهماني عن أن "الإتجار بالبشر عرف طرق أخرى في تونس وأبرزها جلب فتيات من أفريقيا جنوب الصحراء في صفقات مهينة بين الوسيط والمؤجِّر الذي يشغّلهن في ظروف غير قانونية وغير إنسانية في غالبية الأحيان".

وأفادت أيضاً بأنّ "غياب الإحصاءات حول عاملات المنازل، فيه نوع من اللامبالاة بالخدمة التي يقدّمنها إلى المجتمع"، مشيرةً إلى دراسة أعدّتها الجمعية وشملت 100 امرأة في تونس.

وأظهرت الدراسة أن الأجر اليومي لعدد من الفتيات بلغ حوالى 6  دولارات من دون عقود عمل، مقابل قيمة خدمات كبيرة ومختلفة يقدّمنها، مضيفةً أن من بين 100 عاملة، امرأة واحدة فقط تعمل عن طريق عقد عمل و8 في المئة منهن فقط يتقاضَيْن حوالى 12 دولاراً تقريباً في اليوم.

وأشارت الدهماني أيضاً إلى أن "الدراسة كشفت عن انتهاكات عدّة، منها غياب العمل اللائق والأجر والسلامة المهنية والعمل من دون وقت محدّد"، داعيةً في هذا الإطار إلى المصادقة على الاتفاقيتين 189 التي تخصّ العمل اللائق و190 ضد التحرّش الجنسي.

وفسّرت أن عاملات كثيرات يتعرّضن إلى العنف والتحرّش الجنسي من قبل المؤجِر وأيضاً إلى القسوة من قبل عائلاتهم، لافتةً إلى أن 55 في المئة من أصل 100 امرأة يؤكدن أن خيارهن الوحيد للعيش هو العمل في المنازل، كما أن بعض العاملات يبلغن 70 سنة من العمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سكيزوفرينيا المشرّع التونسي

من جهة أخرى، ذكرت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص روضة العبيدي لـ"اندبندنت عربية" أن "الإشكالية لا تكمن في شكل العمل أو نوعيته، وإنما في طريقة معالجة ظروف شغل عاملات المنازل في تونس". وأضافت أنه "على الرغم من محاولات كل الأطراف لإيجاد حلول لهذا الملفّ، إلّا أنه للأسف ليس هناك تنسيق من أجل وضع رؤية واضحة وموحّدة".
وقالت في وصفها لعدم تفعيل القوانين في تونس إن "المشرّع التونسي مريض ومصاب بالسكيزوفرينيا والانفصام"، موضحةً أن "القوانين التي تجرّم كل هذه الممارسات التي تهين الذات البشرية، موجودة في كتب القانون لكنها للأسف لا تُطبَّق ولم تُفعَّل على أرض الواقع".

وللتعرّف أكثر على واقع عاملات المنازل في تونس، تقول منية (33 سنة) التي تعمل في العاصمة منذ سن الـ14، إن الفقر المدقع الذي عرفته مع عائلتها تسبّب في انقطاعها عن الدراسة في سن مبكرة مثلها مثل إخوتها الستة. وتضيف  "أتذكر أنني كنتُ طفلة عند التحاقي بالعمل في أحد المنازل الجميلة في العاصمة، حتى إنني حملتُ معي دميتي المفضّلة التي صنعتُها بنفسي من أقمشة بالية. كنتُ ألعب بها في الخفاء من حين إلى آخر خوفاً من صاحبة المنزل".

وتواصل منية حكاية مسيرتها التي شابتها عراقيل جعلتها تشعر أنها أكبر من عمرها وأن الحياة مرّت أمامها من دون أن تتمتّع بمراحل عمرها كأترابها من الفتيان والفتيات. وختمت وهي أم لبنت في سن الخامسة، قائلةً "سأعمل حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة من أجل ابنتي لتواصل دراستها ولا تلجأ إلى العمل في سن مبكرة مثلي".

أما نزيهة (55 سنة)، فتشرح أنها بدأت العمل في المنازل بعد ولادة طفلها الرابع، إذ إنّ صعوبة المعيشة جعلتها تفكّر بذلك لتساعد زوجها العامل اليومي في توفير حاجات البيت. وتلفت إلى أنها تعمل على الرغم من إحساسها بالمهانة من طرف عائلتها الموسّعة التي تخجل من مهنتها.

من جهة أخرى، أثارت حادثة تعرّض الطفلة هدى القضقاضي (15 سنة) المتحدرة من معتمدية فرنانة في الشمال الغربي لتونس، لاعتداء عنيف من قبل والدها بعد رفضها أن تصبح عاملة منزلية، غضب التونسيين، إذ تسبّب لها بكسور على مستوى اليد والظهر والحوض وهي ترقد حالياً في المستشفى.
 


بريق أمل

قد لا تكون حادثة هدى الأولى ولا الأخيرة، لكن وعي البعض من العاملات بحقوقهن يبعث بريق أمل لتغيير الواقع المظلم.

 فخلال ندوة نُظّمت حديثاً في العاصمة "حول عاملات المنازل في إقليم تونس الكبرى: ظروف العمل حقيقة الانتهاكات ورهانات العمل اللائق"، صدرت مطالبات بتأمين الحدّ الأدنى من حقوقهنّ كمواطنات يسعين إلى تأمين قوت عائلاتهن، مثل الحماية الاجتماعية واحترام ساعات العمل القانونية وحقّهن في التقاعد والتغطية الاجتماعية.

في هذا السياق، كشفت رجاء الدهماني عن أنه من المنتظر قريباً تأسيس نقابة تحمي وتناضل من أجل حقوق العاملات في المنازل، إذ أظهرت الدراسة التي أجرتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن 61 من بين 100 مستجوبة ليس لديهن أي وثيقة تمنحهن حقّ العلاج، في حين حصلت الأخريات على دفاتر علاج مجانية أو بالتعريفة المنخفضة، يملكها أزواجهن بالأساس.

وتعاني أكثر المستجوبات من أمراض مختلفة، أبرزها أمراض المفاصل والعمود الفقري (57 حالة)، وجاءت أمراض الحساسية والأمراض الجلدية في الدرجة الثانية (42 امرأة) ودوالي الساقين في المرتبة الثالثة (31 حالة)، وهي أمراض تهدّد حياتهن واستمرارهن في المهنة.

وأكدت الدراسة أن 80 في المئة من المستجوبات يحرصن على الاستمرار في العمل مهما كانت الظروف.

المزيد من العالم العربي